سلطنة عمان تستثمر الغاز والموقع الإستراتيجي معا

> مسقط "الأيام" العرب

> ​ينظر مراقبون إلى الاتفاق الذي أبرم الأسبوع الماضي بين سلطنة عمان وتركيا المنتمية إلى حلف شمال الأطلسي على أنه جزء من توجه خليجي لاستعادة ثقة الولايات المتحدة وأوروبا في ظل عدم قدرة روسيا على تحقيق انتصار في حرب أوكرانيا، وهو ما أثر على موقعها الجيوسياسي وبدرجة أقل على موقع حليفتها الصين.

ويحلل سيمون واتكينز (محلل إستراتيجي) في مقال نشر في موقع أويل برايس دلالات الخطوة العمانية – التركية وتأثيرها على النفوذ الروسي – الصيني.

وكان وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والكويت وعُمان والبحرين والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي أدوا زيارة إلى بكين العام الماضي استغرقت خمسة أيام لمواصلة المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.

وكان إبرام “تعاون إستراتيجي في منطقة تظهر فيها الهيمنة الأميركية علامات تراجع” موضوع المحادثات الرئيسي في هذه الاجتماعات.

وتكمن أهمية سلطنة عمان الأساسية بالنسبة إلى بكين وموسكو في موقعها الجغرافي الذي يشمل خطوطا ساحلية طويلة على طول خليج عمان وبحر العرب، بعيدا عن مضيق هرمز شديد الحساسية سياسيا، الذي يمر عبره ثلث إمدادات النفط الخام في العالم على الأقل.
وتوفر هذه المساحات الساحلية وصولا كبيرا غير مقيد إلى أسواق جنوب آسيا وغربها وشرق أفريقيا وأسواق جيرانها في الشرق الأوسط.

وكانت الصين تسعى إلى السيطرة على جميع الممرات الرئيسية لشحن النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا والغرب بالتعزيز المستمر لوجودها في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ الانسحاب أحادي الجانب للولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة والمشتركة مع إيران والذي ترك العديد من دول الشرق الأوسط تشعر بالحاجة إلى قوة عظمى جديدة تعوضها.

وتتجنب هذه الطرق بالنسبة إلى الصين طريق رأس الرجاء الصالح الأكثر كلفة والأكثر تحديا من الناحية البحرية ومضيق هرمز الأكثر حساسية من الناحية السياسية.

ومنح الاتفاق الشامل مع إيران لمدة 25 عاما الصين سيطرة فعالة على مضيق هرمز. كما وفّرت لها نفس الصفقة سيطرة على مضيق باب المندب (من خلال تعاملات إيران مع المتمردين الحوثيين)، الذي يُشحن النفط الخام من خلاله صعودا عبر البحر الأحمر باتجاه قناة السويس قبل الانتقال إلى البحر المتوسط ​​ثم غربا.

وتصبح السيطرة على خليج عمان هي آخر جزء من مجموعة الطرق البحرية الرئيسية للنفط والغاز الطبيعي المسال من الشرق الأوسط.

وتكمن أهمية سلطنة عمان الثانوية في إمكانياتها الكبيرة في مجال الغاز الطبيعي المسال، وهي واحدة من الدول القليلة في العالم التي تمتلكها ولا تعتمدها بشكل كامل بسبب قلة الموارد الهيدروكربونية التي بحوزتها.
وأصبح الغاز هو المادة التي تريد جميع الدول في أوروبا تأمينها لتعويض الإمدادات المفقودة من روسيا. ويعتبر الغاز الطبيعي المسال أفضل خيار، فهو يُتاح بشكل أسرع من الغاز عبر الأنابيب، ولا يتطلب بعث مشاريع تأسيس البنى التحتية المكلفة والمستهلكة للوقت.

ولطالما كانت إيران راغبة في الاستفادة من سعة الغاز الطبيعي المسال غير المستخدمة في عمان كجزء من خطة تعاون أوسع، وكان المخطط موجودا منذ ما يقرب من 10 سنوات.

وشهد منتصف سنة 2022 زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى عُمان لوضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل المتبقية من الخطة التي تشمل عنصرين هما استخدام إيران لقدرة الغاز الطبيعي المسال ومد خط أنابيب بين البلدين.

يتمثل الجزء المتعلق بالغاز الطبيعي المسال في أن تستخدم إيران ما لا يقل عن 25 في المئة من القدرات العمانية لتحقيق هدفها طويل الأمد المتمثل في أن تصبح مصدرا رائدا للغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم.

 وكانت الخطة جزءا من اتفاق تعاون أوسع بين عُمان وإيران في 2013 قبل توسيع نطاقه في 2014 والتصديق عليه بالكامل في أغسطس 2015. وركز على استيراد عمان لما لا يقل عن 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا من إيران لمدة 25 سنة بدءا من 2017. وكانت قيمته حوالي 60 مليار دولار في ذلك الوقت.

وتغير الهدف بعد ذلك إلى 43 مليار متر مكعب في السنة، وإن كان ذلك لفترة أقصر مداها 15 عاما، ثم أخيرا إلى 28 مليار متر مكعب في السنة على الأقل لمدة لا تقل عن 15 عاما.
ويتضمن عنصر خط الأنابيب في الخطة قسما بريا وبحريا، وسيكون مفتاحا لتمكين إيران من زيادة كمية الغاز الطبيعي المسال التي يمكن أن تنتجها بشكل كبير، باستخدام مرافق الغاز الطبيعي المسال العمانية. وسيضم الجزء الأرضي حوالي 200 كيلومتر من خط أنابيب 56 بوصة (سيتم بناؤه في إيران)، يمتد من رودان إلى جبل مبارك في مقاطعة هرمزجان الجنوبية. وسيشمل القسم البحري خط أنابيب 36 بوصة بطول 192 كيلومترا في بحر عمان على عمق يصل إلى 1340 مترا، وسيمتد من إيران إلى ميناء صحار في عمان.

وكان الهدف العام هو أن تستخدم إيران هذه المرافق لتحقيق مراحل أخرى من تطوير حقل شمال فارس. كما أنها ستستخدمها بهدف اعتماد الغاز من عدة حقول غاز رئيسية أخرى، بما في ذلك جلشن وفردوسي وفرزاد أ وفرزاد ب وكيش.

وكانت تركيا، التي أبرمت عمان معها صفقة الغاز الكبرى الأسبوع الماضي، جديرة بالاهتمام في السنوات الأخيرة لمرونتها السياسية والاقتصادية والعسكرية في تعاملاتها مع دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) من جهة وروسيا من جهة أخرى.

ومثل حلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باتحاد سوفياتي مثالي، تبدو أفكار الرئيس التركي رجب أردوغان متشابهة، وتركز على الإمبراطورية العثمانية.

وبينما يتخيل بوتين نفسه القيصر الجديد للإمبراطورية الروسية الجديدة، يعتبر الرئيس التركي نفسه سلطان الخلافة العثمانية الجديدة، واصفا أنصاره خلال الحملات الانتخابية بـ”أحفاد العثمانيين”. لكنه مفيد لحلف الناتو وأوروبا، خاصة وأن التكتل يمكن أن يضع أمامه جزرة العضوية المربحة.
وتركز الصفقة بين تركيا وسلطنة عمان على قطاع الغاز الطبيعي المسال الذي حرصت إيران وروسيا والصين على استغلاله في السلطنة.

ووفقا لبيانات الشركات المعنية، ستشرع الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال في توريد مليون طن متري من المادة كل عام لمدة 10 سنوات إلى شركة خط أنابيب البترول التركية بوتاش، بدءا من 2025. كما أوضح الرئيس التنفيذي للشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال حمد النعماني أن هذه الاتفاقية تأتي لدعم جهود الشركة وترسيخ مكانتها في تجارة الطاقة العالمية وصناعة الغاز، والإسهام في دعم فرص النمو والاستفادة من الفرص الاقتصادية، وتنمية الشراكات الإستراتيجية مع شتى الشركات العالمية، مشيرا إلى أن إيرادات الغاز الطبيعي المسال تعد ضمن أكبر مصادر الدخل الوطني في سلطنة عُمان بعد النفط.

وأضاف وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز أن “اتفاقية شراء الغاز الجديدة مع عُمان تتضمن أيضا فرصة للتوسع أكثر إذا لزم الأمر… وتتخذ تركيا جميع الخطوات لتصبح مركزا لتجارة الغاز في وقت يعاني فيه العالم، وخاصة أوروبا، من مشاكل في إمدادات الغاز”.

وتجدر الإشارة إلى أن جميع صفقات الغاز الطبيعي المسال الرئيسية في عُمان هذا العام كانت مع شركات غير مرتبطة بروسيا أو الصين أو أي من وكلائهما. وشمل ذلك توقيع الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال اتفاقيتين مع شركة بي تي تي العامة المحدودة التايلاندية وعملاق النفط والغاز الفرنسي توتال إينرجيز للتزوّد بإجمالي 1.6 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنويا، انطلاقا من 2025. وقبل ذلك مباشرة، في 27 ديسمبر، وقعت عُمان اتفاقيات طويلة الأمد مع ثلاث شركات يابانية (جيرا، وميتسوي وشركاؤه، وإيتوشو) لتزويدها بـ2.35 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى