> مسقط "الأيام" العرب:

​أحال ظهور سلطنة عمان في خلفية القرار الأميركي المفاجئ بالتوقف عن قصف المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين مجدّدا على الأدوار التي تقوم بها الدبلوماسية العمانية بعيدا عن الأضواء، وتتمكّن من خلالها من تحقيق اختراقات في ملفات شديدة الصعوبة والتعقيد كما هي الحال في المواجهة العسكرية التي دخلتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضدّ الجماعة الموالية لإيران وبدا من الصعب توقّع مآلها وموعد انتهائها وطريقة الخروج منها.

وجاء عامل المفاجأة الذي ميّز إعلان ترامب عن قرار وقف ضربات القوات الأميركية للحوثيين متناسقا مع طبيعة العمل الدبلوماسي على مثل تلك الملفات والذي يقوم على التزام التكتّم والسرية وتفادي الأضواء حماية للاتصالات والوساطات من أي تشويش خارجي، ذلك أنّه لم تصدر قبل الإعلان المذكور أي إشارة بشأن قيام السلطنة بجهود وساطة بين واشنطن والحوثيين كما لم تتسرّب أي معلومات عن تلك الجهود.

ولا يبدو ما بذلته الآلة الدبلوماسية العمانية من عمل على ملف الحوثيين – الولايات المتحدة منفصلا عن عملها المعلن على ملف المفاوضات غير المباشرة الجارية بين واشنطن وطهران برعاية من قبل سلطنة عمان، إذ من غير المتوقّع أن لا تكون إيران في صورة التهدئة الجديدة في اليمن وأن لا تكون قيادتها قد أثرت في قرار جماعة الحوثيين الذي وصفه ترامب بالاستسلام.

ويساهم هذا التطور بحدّ ذاته في تهيئة الأرضية لاختراق دبلوماسي عماني جديد في المفاوضات الأميركية – الإيرانية، إذ كثيرا مما مثّل كف أيدي الأذرع الإيرانية في المنطقة ومن بينها جماعة الحوثي عن التصعيد وزعزعة الاستقرار وتهديد مصالح الدول بما في ذلك حركة التجارة العالمية عبر البحر الأحمر، مطلبا دوليا من طهران. وظهرت الأجواء الإيجابية الحافة بالمفاوضات الأميركية – الإيرانية في تصريحات لنائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس قال فيها إنّ تلك المفاوضات تسير على ما يرام حتى الآن، ملمّحا إلى وجود صفقة تتضمن إعادة دمج إيران في الاقتصاد العالمي.

ورحّبت إيران في بيان للمتحدث باسم خارجيتها إسماعيل بقائي بـ”التطورات المتعلقة باليمن ووقف العدوان الأميركي عليه”، وأثنت على جهود الحكومة العمانية في هذا الصدد. وإثر إعلان ترامب عن التهدئة مع الحوثيين كشف وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي عن مناقشات واتصالات أجرتها بلاده مؤخرا “مع الولايات المتحدة الأميركية والسلطات المعنية في صنعاء بهدف تحقيق خفض للتصعيد.”

وقال إن تلك الجهود أسفرت “عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين”، مضيفا “في المستقبل لن يستهدف أي منهما الآخر بما في ذلك السفن الأميركية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب”، وموضحا أنّ وقف إطلاق النار سيتيح “ضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي.”

وأعلن الرئيس الأميركي بشكل مفاجئ الثلاثاء وقف العملية العسكرية على اليمن، قائلا إن الحوثيين وافقوا على وقف هجماتهم ضد السفن التجارية في البحر الأحمر. وجاء هذا الإعلان في وقت بدا فيه أن الصراع ضد الحوثيين يتجه نحو تصعيد أخطر إذ تحدّث ترامب بعد ساعات قليلة على غارات جوية إسرائيلية دمّرت بشكل كامل مطار صنعاء الدولي وأسفرت عن مقتل عدد من الأشخاص.

وقال ترامب الثلاثاء “أعلن الحوثيون أنهم لم يعودوا يريدون القتال.. ببساطة لا يريدون القتال بعد الآن.. وسنكافئ ذلك ونوقف القصف.. فقد استسلموا.” وتابع قوله “يقولون إنهم لن يفجروا سفنا بعد الآن، وهذا هو الهدف مما كنا نفعله”، موضحا أن المعلومات جاءت من “مصدر جيد جدا”، وذلك في إشارة غير مباشرة إلى الوسيط العماني.

ومن الجانب الحوثي أقرّت الجماعة بدور عمان في التهدئة، وقالت الأربعاء على لسان كبير مفاوضيها محمد عبدالسلام إنّ الذي حصل مع الأميركيين جاء بوساطة عمانية. وأشاعت التهدئة بين الولايات المتحدة والحوثيين حالة من الارتياح في المنطقة عبّرت عنها العديد من العواصم العربية من بينها القاهرة وبغداد وعمّان والدوحة والكويت. كما رحبت المملكة العربية السعودية “بالبيان الصادر من سلطنة عُمان بشأن التوصل إلى وقف إطلاق النار في اليمن بهدف حماية الملاحة والتجارة الدولية”، وفقا لما ورد في بيان مقتضب لخارجيتها.

ويتلاءم التطور الجديد في اليمن تماما مع توجه الرياض في التعاطي مع الملف اليمني والقائم على العدول بشكل كامل عن استخدام القوة العسكرية ضدّ الحوثيين، والعمل بصبر ومثابرة على محاولة جرّهم للمشاركة في مسار سلام مع باقي فرقاء الملف جرى العمل عليه بالتعاون مع الأمم المتحدة وبالاستعانة مرّة أخرى بالجهود الدبلوماسية لسلطنة عمان، الأمر الذي أثمر وضع خارطة طريق للسلام اليمني لم يتح تنفيذها على أرض الواقع، حيث ضاعت جهود التنفيذ في غمرة التصعيد الذي طرأ بعد تفجّر الحرب بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل وانخراط الحوثيين فيها باستهداف حركة الملاحة ومواقع داخل العمق الإسرائيلي تحت يافطة دعم الفلسطينيين ونصرة سكان قطاع غزّة.