إيكونوميست: على دول الخليج فهم أن التحول عن النفط له ثمن ويحمل مخاطر

> إبراهيم درويش

>
علقت مجلة "إيكونوميست" في مقال افتتاحي على التحولات الجارية في منطقة الخليج، والتي تقول إنها سريعة وتحتاج لتحضير تفاديا لمخاطر قادمة.

وقالت المجلة إن دول الخليج دخلت عملية تحول صعبة، كي تبتعد عن الوقود الأحفوري في العقود المقبلة. إلى جانب تحول آخر يحدث بالتوازي، تحول من الاقتصادات التي تقودها الدولة والأعراف الاجتماعية المحافظة، نحو مجتمعات أكثر ليبرالية وانفتاحا إلى حد ما، وهذا الاحتمال مثير.
وتضيف أن الملايين سيتمتعون بحريات وفرص جديدة. لكنها أيضا مقلقة، لأنها تجلب خطر عدم الاستقرار الاجتماعي إذا فشلت الحكومات الاستبدادية في التكيف.

وتقول المجلة إن نجاح دول الخليج في إعادة رسم عقودها الاجتماعيةلا يهم شعوبها فحسب، بل العالم أيضا، بسبب نفوذها في النفط والغاز ودورها في تصدير القيم الثقافية عبر العالم الإسلامي.

ومنذ أن استولت حكومات الخليج على إنتاج النفط والغاز من الشركات الغربية في السبعينيات، كان العقد الاجتماعي واضحا. استخدم الحكام البترودولار لـ”تدليل” رعاياهم بكل شيء، من وظائف القطاع العام المريحة، إلى دعم المياه والمكافآت للمتزوجين حديثا.
وفتحت دول الخليج أبوابها للعمالة الأجنبية، من أجل القيام بالوظائف التي لا يستطيع المواطنون القيام بها أو لا يرغبون فيها.

ولم يكن هناك طريق لهؤلاء المهاجرين، كي يصبحوا مواطنين، سواء كانوا عمالا يتعرقون في مواقع البناء، أو مصرفيين في مكاتب مكيفة. وكان على الجميع - من السكان المحليين والمغتربين - قبول الحكم الملكي المقيد.
وتقول المجلة: إن هذا العقد في النهاية، سيصبح غير صالح.

وواحد من الأسباب لذلك هو تغير المناخ. وتعرف الإمارات والسعودية، اللتان تضخان معا 14 مليون برميل من النفط يوميا، أن الطلب على الوقود الأحفوري سوف يتلاشى.

وهذا يمنحهما نافذة من 10 إلى 20 عاما لتحويل إقتصاد البلدين. وأدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة، مما قد يعني أن دول الخليج قد تكسب 3.5 تريليون دولار من صادرات الطاقة على مدى السنوات الخمس المقبلة، مما يخلق فرصة للاستثمار فيها.
كما تغير السياق الجيوسياسي أيضا، ولم يعد الدعم الأمريكي مضمونا كما في الماضي، بينما تقام روابط أوثق مع دول أخرى، من الهند إلى إسرائيل.

وتقول المجلة إن بعض التغيرات مثيرة للدهشة، ففي السعودية، تقود النساء الآن السيارات إلى العمل، بعد أن كنّ ممنوعات في السابق.
في عام 2017، كان 17% من السعوديات إما يعملن أو يبحثن عن عمل. اليوم تصل النسبة إلى 37%. كانت المطاعم ممنوعة ذات مرة من تشغيل الموسيقى. الآن هناك حديث عن تخفيف الحظر على الكحول.

مع تحرر السعودية، استجابت الإمارات بالإصلاحات، لحرصها على الحفاظ على هيمنتها كمركز للأعمال. عُمان المجاورة وقطر الغنية بالغاز أكثر انغلاقا، لكنهما توليان اهتماما كبيرا. فقد استضافت قطر لتوها كأس العالم لكرة القدم.
وقد تساعد النشوة في تخفيف آلام الإصلاحات الإقتصادية، حيث يتم تخفيض المساعدات، وتخلت الإمارات عن دعم الوقود، وقد تحذو السعودية حذوها.

منذ عام 2018 م، فرضت أربعٌ من دول مجلس التعاون الخليجي الست، ضريبة القيمة المضافة. وضريبة الدخل، التي لم يكن من الممكن تصورها في يوم من الأيام، أصبحت الآن احتمالية. في يونيو، ستفرض الإمارات ضريبة على الشركات.

ونظرا لأن الوظائف الحكومية أصبحت أقل شيوعا، يضطر مواطنو الخليج إلى التنافس على وظائف القطاع الخاص. حكوماتهم حريصة على جذب المزيد من الأجانب. حيث يشكل الوافدون ما يقرب من 90% من سكانها البالغ عددهم 10 ملايين نسمة،  تريد الإمارات جذب ثلاثة إلى خمسة ملايين آخرين.

كل هذا يخلق إحساسا بعدم الأمان وكذلك بالحرية. وسيحتاج المواطنون الخليجيون إلى الأدوات اللازمة للنجاح في عصر جديد. التعليم هو مكان جيد للبدء. يتخلف تلاميذ المدارس في قطر والسعودية والإمارات كثيرا عن نظرائهم في الدول الغنية. وهناك معدلات تسرب مرتفعة لأن الطلاب -الأولاد على وجه الخصوص- يفترضون أنه يمكنهم الاعتماد على وظيفة حكومية. إن التعليم الأفضل يعدهم للمنافسة على وظائف في القطاع الخاص.

لكن التحدي الآخر هو العلاقة بين الدولة والأفراد، لقد تم بالفعل الاعتراف بالمزيد من الحقوق، على الورق على الأقل. في القوانين الجديدة لدولة الإمارات، أُلغِي تجريم ممارسة الجنس قبل الزواج، وسُمح للأزواج غير المتزوجين بالعيش معا. تم تشديد العقوبات على التحرش الجنسي والاغتصاب. تعزز الإمارات و السعودية حقوق الملكية للأجانب. من المحتمل أن يصبح الطريق إلى الإقامة الدائمة، وربما حتى الجنسية أسهل. قد يطالب الأجانب الذين يتجذرون في يوم من الأيام بحقوقهم.

وتلاحظ المجلة أن المزيد من الحريات الاجتماعية، رافقها المزيد من القمع السياسي والمركزية، لا سيما في السعودية، في ظل حاكمها الفعلي محمد بن سلمان.

ومع ذلك، فإن طعم الحرية في حياتهم اليومية قد يدفع الناس إلى البحث عن رأي أكبر في السياسة أيضا. ما سيجبر الحكومات على الانتباه إلى التذمر عندما يؤدي التغيير الاقتصادي إلى إنتاج خاسرين، كما سيفعل.

ولا تتوقع المجلة تحول أي دولة خليجية إلى ديمقراطية في  وقت قريب. لكن إذا أرادوا فطم اقتصاداتهم عن الهيدروكربونات دون إثارة الاضطرابات، يجب على الحكومات أن تصبح أكثر استجابة للمواطنين العاديين، وإلا فقد تتوقف الموسيقى عن العزف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى