التراث الفني المهري تنوع وحاجة للاهتمام

> عبد الله الشاذلي :

> في  أقصى الشرق من جنوب اليمن، توجد محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان. في هذه المحافظة التي تحتضن أكبر محمية طبيعية في البلاد "محمية حوف" يتحدث السكان لغة من اللغات السامية القديمة تسمَّى اللغة "المهرية"، إلى جانب اللغة العربية.
وامتدادًا لهذه اللغة، تشكَّل الفن المهري المحلي من أغاني وأهازيج ورقصات شعبية، ويغني الفنانون الشعبيون في المهرة بلغتهم الخاصة، وتكثر أغانيهم ذات الطابع الخاص في الحفلات والمناسبات، إلا أنّ جمهورها الأول هم أبناء هذه المحافظة، نظرًا لخصوصية اللغة.
وبيد أنَّه فن متفرد وله خصوصياته، إلا أنَّ كثير منه يتشابه مع ما هو موجود في الجارة حضرموت، كبرى محافظات جنوب اليمن المترابطة اجتماعيًا وثقافيًا مع المهرة، ويتنوع التراث الفني المهري من الألوان الغنائية الشعرية إلى الرقصات الشعبية المتعددة.
  • فنون مميزة
"الدان"
مثل حضرموت ولحج، يتردد صدى فن "الدان" في أرجاء المهرة. ويعتبر الدان – الذي يعني "رجزيت" باللغة المهرية – من ألوان التراث الشعبي في جنوب اليمن، هو ونوع فريد من الغناء الفلكلوري والفن الصوتي الشعبي الذي يحتوي على العديد من طرق الغـناء من كتابة ونظم.
ومن الوظائف الأساسية للدان في المهرة، استخدامه للترحيب بالضيف بأبيات ارتجالية، وتتكوَّن قصيدة الدان من بيتين فقط لكل منهما ثلاثة أشطر، كما يُعدُّ من التراث الحماسي الارتجالي الذي يؤدى في الميدان، وفقاً للناشط الإعلامي هزاع السليمي.

وقال السليمي لـ "سوث24" أنَّ "مديرية قشن تعد من أبرز مناطق المهرة التي ينتشر فيها هذا النوع من الفن، لا سيّما في الأعراس، حيث يتجمع عدد من الشعراء مُشكّلِين صفين اثنين، ومن ثم ينطلقون في محاورة شعرية تتكون من جزأين، أشبه بسؤال وجواب"2022
"مَحرِيس"
فن شبيه بالدّان دان يؤدّى في المساء. ويتجمّع المشاركون لتأديته على شكل حلقة بحضور شاعر واحد فقط، يُلقِي فيه قصيدة تؤدّى باللغتين العربية والمهرية، في المناسبات.
يُعتَبر هذا النوع من الأهازيج الخاص بقبيلة أو عشيرة معينة، للترحيب بقدوم المغتربين من السفر. وفي الآونة الأخيرة بدأ هذا النوع من الفن بالتضاؤل ولم يعد يمارس بكثرة كما في السابق، وفقا لمصادر مهتمة بالفن المهري تحدثت لـ "سوث24 "
"هَبّوت"
فن مُختلف عن "المَحرِيس"، حيث يتجمّع المشاركون لتأديته على شكل حلقة أكبر من حلقة الأوّل، وتكثُرُ ممارسة هذا الفن في آخر مناطق المهرة، ويرقص المشاركون في الهبّوت وهم يحملون السيوف والتروس بأيديهم.
وتأتي كل قبيلة إلى المناسبة وهي تُردَّد الأشعار، بينما يستقبلهم أبناء القبيلة المضيفة بالرقص على وقع أبيات قصائد الضيوف.

"لولا"
فنُّ رجالي يستخدم في الأغاني الغزلية المهرية، وهو شبيه بالموَّال، يؤدّى باللغة المهرية بدون تصفيق أو إيقاعات.
"كريم كريم"
نوع من أنواع الغناء الحزين وهو أشبه بالمواويل الحزينة، أيضاً، للتعبير عن الذكريات والحنين إلى الماضي، وهو من الفنون الخاصة بالكهول في المهرة.
"الشّرْح"
وهو من الفنون النسائية ذات الإيقاع السريع بالطبول، ويؤدى في الأعراس المسائية الخاصة بالنساء. ويشبه هذا الفن ما هو موجود في مناطق أخرى في جنوب اليمن مثل أبين، ولحج، وعدن، وشبوة، ويافع.
"البُديْنَة"
فن نسائي شبيه بالشّرْح، إلا أنَّه يؤدى مع التصفيق بالأيادي بشكل بطيء مع تردد الأشعار وبدون إيقاع.
"التهّرِيات"
من العادات الفنية في المهرة، تردد فيها النساء المهريات القصائد المُلحنة باللغة المهرية وتعيد ترديدها مجموعة أخرى من النسوة عند افتتاح العائلات للمنازل الجديدة.
"كوف وباهين"
نوع من الفنون النسائية، تُردد فيه الأمهات بعض الأبيات الملحنة لحث أطفالهنَّ على الخلود إلى النوم باكراً. وفي معظم الفنون الشعبية في المهرة، تدخل المرأة كشريك أساسي للرجل، كما أنّ غيابها يشكّل فراغاً في الأداء.
"الكبارة"
تخليد سنوي يقام في مدينة سيحوت الساحلية، تتم خلاله هذه الرقصة المحلية التي تصاحبها إيقاعات بالطبول. وفي هذه الفعالية، يسير المشاركون وهم يعزفون بالطبول ويرددون الأهازيج حتّى الوصول إلى مكان معين للاستراحة، ثم استكمال التجول في أحياء مدينة سيحوت.
"الفن المهري الحديث"
لم يبرز من المهرة فنانون غنائيون كثر خلال العقود الأخيرة، إلا أنَّ هناك بعض الفنانين الذين انتشرت لهم أغان شعبية في المهرة وغيرها من المحافظات.
ويمثَّل الثنائيان، الشاعر صالح خليفة هادي، والملحن والمغني محمد مشعجل بن رعفيت، أبرز هؤلاء الفنانين. ومن نماذج الأغاني الشعبية الحديثة في المهرة لهذا الثنائي، أغنية "ريم البوادي"، التي يأتي في مطلعها:
"العمر يفنى من بعد مــدة
وللموت توجــد أسباب عـدة
ودايم الله في الكون وحده
الواحــد الي دايم في كونه
ريم البوادي عذّب فؤادي
وإن مت سبّة موتي عيون

ما أنا طبيعي ولا أنا بعادي
أنا بوادي وغيري بوادي
القلب ضايع والفكر غادي
والعقل واصل قمة جنونه
ريم البوادي عذّب فؤادي
وان مت سبّة موتي عيون

يتغزّل الشاعر في هذه القصيدة بالمحبوبة، حيث شبهها بـ "غزال الريم"، كناية عن الجمال، فيما شبّه الشاعر نفسه بالتائه دون محبوبته، أيضًا، تأتي أغنية "شاشة خيالي" لذات الثنائي كإحدى الأغاني المهرية المعروفة، وفي مطلعها:

قلبي من الهجران شاعل بلاهوب
والصدر بأشواقه وبالضيقة معبي
وكني في وسط نيران مشبوب
 يندف عليها الريح شرقي وغربي
شاشة خيالي طلعت كل محجوب
من عبرها شفت البعيد بقربي
لاجاني رادار الهواء جيت منصوب
نحو الديار الي سكنها محبي
إن كان دمع العين بايشفي الصوب
 لا تبخلي بالدمع يا عين صبي

تشهد المهرة ركودًا فنيًا كبيرًا، ومخاطر اندثار التراث الفني الذي تميزت به هذه المحافظة البعيدة عن خطوط الحروب والنزاعات التي عاشها البلد خلال العقود الأخيرة.
ويقول فنانون ومهتمون بالفن المهري أنَّ الأزمة السياسية والاقتصادية الأخيرة القت بظلالها على الواقع الفني، ويحمَّل آخرون الجهات المحلية المعنية مثل مكتب الثقافة بالمحافظة مسؤولية هذا التدهور.

الشاعر المهري الشاب مهدي محمد، قال لـ "سوث24": "الجهات المسؤولة في المحافظة ومنها مكتب الثقافة والسياحة قليلو الاهتمام بالفن المهري الذي يعكس طابع وخصوصية وثقافة المحافظة".

ويقيم الفنان والملحن المهري عبد الهادي قاسم حالة الفن في المحافظة على مسارين، الفن المهري باللغة المحلية الذي اعتبر أنَّه "في مستوى مقبول"، والفن المهري باللغة العربية الذي يرى أنَّه "فقد مستواه السابق، ولم يعد بتلك الحيوية".
وقال قاسم لـ "سوث24": "الأزمة السياسية في البلاد واستمرارها لفترة طويلة، فضلاً عن التحوّلات الثقافية والتطورات الرقمية التي اجتاحت المجتمع المهري بصورة فجائية، هي من أبرز الأسباب التي أدّت إلى هذا الركود".

رئيس مؤسسة حضرموت للتراث الفني، الشاعر والملحن عبد الله باوزير، يتفق مع الشاعر محمد مهدي على أنّ الفن المهري يعاني من ركود في الوقت الراهن، لكنَّه يرجع ذلك إلى "انحصار هذا الفن في بيئته ولغته التي لا يفهمها سوى أهلها".

وقال باوزير لـ «سوث24»: "الفن المهري مُنحصر في مجتمع معيّن، وله شعبيته الضئيلة التي تتناسب مع حجم الكثافة السكانية في المهرة. عدم تنوع إيقاعات الفن المهري أحد الأسباب الرئيسية الأخرى التي لم تُسهم في انتشاره".
  • معالجات مطلوبة
يطالب الشاعر المهري حاج علي دعكون السلطة المحلية والحكومة بدعم الفن المهري. وقال لـ "سوث24": "هذا الفن بحاجة إلى اهتمام من قبل الحكومة. إنَّه يُعاني من عدم جود مصادر مالية لدعم أنشطة وانتشار الفنون".

وأضاف: "أيضاً يجب الاهتمام بالتوصيات التي خرج بها المؤتمر الأول للغة المهرية الذي انعقد في أواخر العام الماضي برعاية مركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية والنشر، ومركز اللغة المهرية للدراسات والبحوث".

ويدعو أستاذ الأدب والنقد بكلية التربية بالمهرة، الدكتور أمين اليزيدي، إلى تكوين اتحاد للأدباء والفنانين في المهرة. وأضاف لـ "سوث24": "يجب القيام بمسابقات ذات بعد فني عربي، وإشراك لجان تحكيم محلية وعربية".

وتعاني المهرة من تدفق آلاف النازحين من مناطق الحرب إليها، معظمهم من شمال اليمن الخاضع للحوثيين. وكان مركز "سوث24" قد نفَّذ سلسلة ثلاثية من التقارير الميدانية، تناول أحدها مخاطر التغيير الديموجرافي في المحافظة.
"سوث24 ".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى