​قصص القرآن

>
قارون "عندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها"

يروي لنا القرآن قصة قارون، وهو من قوم موسى. لكن القرآن لا يحدد زمن القصة ولا مكانها. فهل وقعت هذه القصة وبنو إسرائيل وموسى في مصر قبل الخروج؟ أو وقعت بعد الخروج في حياة موسى؟ أم وقعت في بني إسرائيل من بعد موسى؟ وبعيدا عن الروايات المختلفة، نورد القصة كما ذكرها القرآن الكريم.

قارون هو واحد من الأقوام التي بعث إليها موسى -عليه السلام-، وقد كان قارون عاصيا لله -تعالى- جاحدا له، كما وكان متكبّرا على غيره ومغرورا بنفسه بسبب ما أنعم الله -تعالى- به عليه من الكنوز والأموال المدّخرة؛ التي كان يعجز المجموعة من الرجال عن حمل مفاتيح خزناتها أو صناديقها، وقد نصحه قومه بألّا يفرح بزخارف الدنيا فرحاً يشغله عن شكر الله -تعالى- على ذلك، كما ونصحوه بألّا يرضى بالدنيا ويخلد إليها ويترك الآخرة. قد ذكر الله -تعالى- ذلك في قوله: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)، وقد نصحه قومه بعدة أمور أيضاً؛ كالتواضع، وصرف أمواله في السبل التي تؤدّي به إلى الجنّة، وأن يكون سخيّا ويتمتّع بالمال قبل أن يتركه، وربما كانت هذه النصيحة بسبب انشغال قارون بجمع المال عن التمتّع به، أو بهدف التوضيح لقارون بأنّ الأمر بصرف الأموال للآخرة لا يعني المنع من التمتّع بها في الأمور المباحة في الدنيا.

وقد نصحه قومه بالإحسان للناس بماله وجاهه، وحُسن لقائهم، وطلاقة الوجه أمامهم، لأنّه إذا حقق هذا النوع من الشكر سيزيده الله -تعالى- من فضله، وألّا يتعمد الفساد في الأرض بظلمٍ أو بغي، وقد ذكر الله -تعالى- ذلك في قوله: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).

لكنَّ قارون بيّن لقومه أنَّ الله -تعالى- ما أعطاه هذا المال إلّا لعلمه بأنّه يستحق ذلك، ولأنّه يحبّه فيكرمه، وهذا القول غير صحيح لأنّه ليس شرطاً أنّ كل من أعطاه الله -تعالى- مالاً يعني أنه يحبّه؛ بدليل رد الله -تعالى- في نفس الآية على ذلك بقوله: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)؛ أي أنّ الله -تعالى- أهلك أناساً كانوا أكثر جمعاً للمال من قارون، بسبب كفرهم وعدم شكرهم، وأنّه لا يسألهم عن ذنوبهم بسبب كثرتها.

وبعد كل نصائح قوم قارون له إلّا أنَّه لم يتّعظ وقد لَبِسَ أجمل ثيابه، ورَكِبَ أجمل مراكبه، وخرج على قومه ومعه خدمه وحشمه؛ فغبطه وحسده من قومه من كان منهم يُحب الحياة الدنيا، وقد تمنّوا أن يكونوا مكانه، أمّا العلماء والزُهّاد فلم يطمعوا بما عنده، وعلموا أنّ ثواب الله -تعالى- في الآخرة هو أفضل، وأجل، وأعلى، وأبقى مما عنده، وكان عقابه من الله -تعالى- بأن خسف -عزّ وجلّ- به وبداره وماله الأرض، ولم يستطع أن يحمي نفسه من هذا الخسف، ولم يستطع أحد أن ينقذه، وقد عرف الذين تمنَّوا في الماضي القريب أن يكونوا مكانه الحقّ، وحمدوا الله -تعالى- أنهم لم يكونوا مكانه.

وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها، وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى، تتدخل القدرة الإلهية لتضع حدا للفتنة، وترحم الناس الضعاف من إغراءها، وتحطم الغرور والكبرياء، فيجيء العقاب حاسما (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره. وذهب ضعيفا عاجزا، لا ينصره أحد، ولا ينتصر بجاه أو مال.

يتلخّص مما سبق أن قارون كان من قوم موسى -عليه السلام-، وقد كان قارون يملك الكثير من الكنوز والأموال، وكانت ذلك سبباً لتكبّره ومباهاته فيها أمام الناس، وكان لا يشكر الله بل ينسب كل ذلك إلى نفسه، إلى أن خسف الله به الأرض، وجعله عبرة للناس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى