التحرك الأمريكي باتجاه الجنوب

> تحرك واشنطن باتجاه عدن أمر يثير الكثير من التساؤلات، شخصيا أميل كثيرا إلى رأي مفاده، بأن أمريكا كانت دائما لا تُقدِم على أي خطوة تجاه الجنوب إلا عبر بوابة الرياض.

لكننا اليوم وبعد تطورات عدة، ربما وجدت أمريكا نفسها مضطرة للقيام بما هو أبعد من فتح قنصلية في عدن، نرصد منها ما هو ظاهر على النحو التالي:

تحرك المملكة باتجاه موسكو وحسم سياساتها النفطية بعيدا عن واشنطن، وشاهدنا الإصرار مؤخرا على خفض النفط بقرار داخلي لمجموعة أوبك + ١. بالإضافة إلى زيارة الملك ثم ولي العهد محمد بن سلمان لموسكو، والتفاهمات الواسعة مع الرئيس بوتين والقيادة الروسية.

القمة الصينية السعودية على إثر زيارة الرئيس الصيني للرياض نهاية فبراير، وحجم الاتفاقات التي أبرمت بين البلدين نقلت علاقات البلدين إلى مستويات وأبعاد استراتيجية، أهمها تعاقدات شراء النفط السعودي، والتبادل التجاري بالعملة الوطنية للبلدين، ونقل الصناعات التحويلية لتمكين المملكة من التحول إلى بلد صناعي وزراعي.

نتفاجئ مؤخرا باتفاق المملكة-إيران برعاية صينية كحدث تاريخي مهم يسحب البساط من تحت أقدام واشنطن كحليف تاريخي للرياض.

كل ذلك إلى جانب مؤشرات جدية لإنهاء الحرب في اليمن، من خلال الحوار الثنائي المباشر بين المملكة و الحوثيين، إضافة إلى الوساطة العمانية بعيدا عن الإشراف الأمريكي المعتاد.

ثم إن تحرك واشنطن باتجاه عدن أيضا، له صلة بتحرك قيادتنا برئاسة الأخ رئيس المجلس الانتقالي، والوفد المرافق له في زيارة ثانية لموسكو إضافة إلى تصريحات وزيارات قام بها سفير روسيا إلى عدن، ولقاءات قيادة المجلس الانتقالي بالسفير الروسي الجديد لدى اليمن.

إذن فإن تحرك واشنطن باتجاه الجنوب، ورغبتها بفتح سفارة، وهو فعلا أمر أتى مفاجئا للكثير، لكنه في اعتقادي أتى نتيجة لمقدمات شهدناها في الزيارات المكوكية للسفير الأمريكي الجديد ستيفن فاجن، لدى اليمن، ولا شك بأن رغبة واشنطن لفتح قنصلية في عدن، أمر جاد وربما يتماشى مع رغبة أبوظبي بفتح سفارتها في عدن كأمر استباقي مع المملكة.

برأيي تحرك الأمريكان باتجاه الجنوب يأتي من باب تحذير الجميع والمملكة بالذات، بأن أمريكا لن تسمح لأحد تجاوزها، أو إغفال دورها في اليمن والجنوب بالذات، وهي التي عينت مبعوثا خاصا لها لدى اليمن، وأن أي حلول لإنهاء الحرب في اليمن، لابد أن تأتي عبر واشنطن، كما هو حال إعلانها الذي أتى من واشنطن من قبل السفير السعودي عادل الجبير من داخل مقر سفارة المملكة.

لا شك بأن هناك تغيرات في المشهد الدولي، ما تؤدي إلى تغيير في طبيعة العلاقات والتحالفات في منطقتنا، والتي من المحتمل أن تكون ساحة للتنافس بين الدول الكبرى، والجنوب لن يكون بعيدا عن تلك الاستقطابات، لكونه يتمتع بموقع جغرافي يحوي أهم مضايق العالم، خليج عدن، وباب المندب.

ومن هذا المنطلق فلن تبقي واشنطن تحركها تجاه اليمن مرهونا برضى الرياض، كما كانت تنطلق في سياستها تجاه اليمن تقليديا عبر بوابة الرياض.

أما لماذا هذا التوقيت، فالأمر ليس مستغربا، فقد تابعنا تحركات وتصريحات السفير الأمريكي فاجن، منذ تعيينه سفيرا لدى اليمن، وشاهدنا زياراته المتكررة إلى عدن وحضرموت والمهرة، وظهوره على طوربيد يتبع البحرية في قاعدتها في عدن، فلم تكن تلك الزيارات سوى مقدمات لدراسة الأوضاع في الجنوب عن كثب، وإلى أين تذهب موازين القوى مستقبلا. أمريكا دائما حذره في تحركاتها وتضع الجانب الأمني، في مقدمة الأمور عندما يتعلق الأمر بمواطنيها، ولهذا لم تكن لتقدم على هذه الخطوة إذا كانت واشنطن فعلا لاتزال ترى بأن الأوضاع الأمنية في الجنوب غير مستقرة.

إن مصلحة شعبنا الجنوبي مستقبلا تحتم على قيادتنا أن لا تنجذب باستعجال تجاه الاستقطابات الدولية، وأن تبقى الحكمة سائدة في إقامة علاقات شراكة متوازنة تحفظ بلادنا من تبعات أي تحالفات جديدة في المنطقة، آخذين بعين الاعتبار تجربة دولتنا السابقة جمهورية اليمن الديمقراطية، وأن تكون الأولوية في تقوية الروابط الأخوية مع أشقائنا العرب، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وسلطنة عمان والكويت وقطر ومصر العروبة، وأن تبقي باب العلاقات مفتوحا بين الشرق والغرب مع الكل وفقا للمصالح والمنافع المشتركة.

* دبلوماسي سابق
مقيم في الولايات المتحدة الامريكية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى