من أسباب مأزق القضية الجنوبية

> من المؤكد أن قضية شعب الجنوب أو كما يحب الكثيرون أن يطلقوا عليها"القضية الجنوبية"، قد أخذت تعريفات مختلفة، وذلك استنادا إلى المستوى المعرفي لأولئك الذين تناولوا هذه القضية بالتحليل. كما يفسر ذلك التمايز والاختلاف عند البعض الآخر إلى مدى قربهم من هذه القضية أو عدمه.

وقبل أن نخوض في هذه التوقعات، من الأهمية بمكان الإشارة إلى مجموعة من الأسباب الموضوعية، التي تحول دون إعطاء قراءات دقيقة، ينتج عنها وضع أو رسم توقعات دقيقة للكيفية التي سينعكس فيها هذا الاتفاق على مجريات "الحالة اليمنية" بشكل عام، وعلى قضية شعب الجنوب على وجه الخصوص.

أولا: أسباب القصور في تتبع وتحليل قضية شعب الجنوب من قبل أنصارها

1. إن الذين كانوا يتصدرون المشهد الجنوبي -أو فلنقل أغلبهم- قبل تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي ليسوا هم من يتصدرون المشهد حاليا.

2. إن العلاقة التي تشكلت بين المجلس الانتقالي والسلطات الخليجية، أو ما أطلق عليها بالتحالف العربي، لم تكن واضحة أو معلنة. كما أن علاقة دول التحالف العربي بقضية الجنوب باعتبارها قضية سياسية ووطنية وعادلة ليست واضحة كذلك.

3. لم نسمع مطلقا أن دول التحالف العربي قد أعطت وعودا أو ضمانات للمجلس الانتقالي بحل قضية الجنوب وفق الإرادة التي اختارها الجنوبيون، وقدموا من أجل ذلك تضحيات جسام. والدليل على ذلك:

* إهمال المجلس الانتقالي الجنوبي من قبل التحالف العربي باعتباره الممثل الشرعي لشعب الجنوب.

* تم التعامل مع المجلس الانتقالي باعتباره أحد المكونات اليمنية.

* تم فرض القيادات الشمالية على الجنوب، وذلك من خلال تصدر القيادات الشمالية للمشهد "السياسي اليمني العام" ممثلا بالمجلس الرئاسي والحكومة ومؤسساتها، والسماح للنازحين اليمنيين باجتياح أرض الجنوب تحت شعار حقوق الإنسان.

* تجاهل الإعلام الخليجي لعدالة قضية شعب الجنوب في استعادة دولته، وعدم الإشارة إليها في هذا الإعلام، ناهيك عن تكريس وسائل الإعلام التابع ل" الشرعية" لنكران قضية شعب الجنوب، علما أن الإنفاق على هذه الوسائل الإعلامية مصدرها موارد الجنوب.

وفي ضوء هذه الأسباب الموضوعية أو المعوقات، فإن ما يمكننا الإشارة إليه فيما يخص توقعات انعكاس هذا الاتفاق على قضية شعب الجنوب، هو عبارة عن محاولة قراءة لمستقبل هذه القضية بحسب علاقتها بالاتفاق السعودي-الإيراني:

1. نعم، في الظاهر يبدو لنا جميعا أن هذا الاتفاق برعاية صينية، لكن الواقع يؤكد أن روسيا هي المهندس والراعي والمؤمن لهذا الاتفاق. وإذا تذكرنا الحراك الدبلوماسي الذي شهدته موسكو قبيل التوقيع على هذا الاتفاق في بكين في 2023/3/10, المتمثل في زيارة سفير المملكة السعودية في "اليمن" لموسكو، وبعدها مباشرة زيارة وزير خارجية المملكة لموسكو، سندرك جيدا الدور الكبير الذي قامت به روسيا من أجل الوصول إلى هذا الاتفاق.

2. إن حضور ورعاية روسيا والصين لهذا الاتفاق، هو جزء من صراعهما مع المعسكر الذي تقوده أمريكا، ولكن باستخدام وسائل مرنة وناعمة وسلسة. ومن ناحية أخرى، فإن هذا الاتفاق يصب في صالح الأطراف الموقعة عليه وكذلك حلفاءهم، وذلك من ناحية أن هذا الاتفاق سيحمل منافع كثيرة للمنطقة إذا ما وصل إلى محطته النهائية. وباعتبارها من الواقعين في هذه المنطقة، فمن المؤكد أننا سنحصل على جزء من ثمار هذا الاتفاق.

3. وباعتبار أن روسيا والصين مدركتان لمدى ارتباط طرفي الاتفاق(السعودية وإيران) بأطراف الصراع في"اليمن", وبالتالي تأثيرهما على هذه الأطراف، لذا، فمن المؤكد أن تدخل روسيا والصين في حل هذا الصراع، سيكون مفيدا ونافعا. وهذا شيء مؤكد ولا مندوحة منه.

4. ولكن السؤال الأساسي هو، كيف سيكون هذا الحل؟

من الناحية النظرية يمكن أن يأخذ هذا الحل واحدا من الخيارات التالية:

* إما إبقاء الوضع كما هو عليه الآن. أي هو الحفاظ على الهدنة لفترة معينة في حدود عام واحد على سبيل المثال، وتكون هذه الفترة مكرسة لمناقشة المشكلة من جميع النواحي، وذلك من خلال عقد مؤتمرات وندوات وورش عمل أو غيرها.

* أو العودة إلى وضع ما قبل حرب ربيع 2015. أي العودة إلى وضع "الجمهورية اليمنية".

* أو الانتقال إلى نموذج الدولة الاتحادية باسم "الجمهورية اليمنية" مع تقسيم الدولة إلى أقاليم، وذلك وفق ما طرح في مؤتمر الحوار الوطني.

* أو الانتقال إلى نموذج الدولة الاتحادية، ولكن على أساس الإقليمين "شمال" و" جنوب", ويمكن أن تكون مزمنة أو نهائية.

* أو العودة إلى وضع ما قبل 22 مايو 1990، أي العودة إلى وضع الدولتين.

نعم شعب الجنوب يعرف ماذا يريد! ولكنا لا نعرف ماذا يريد لنا الآخرون؟ والدليل ما نشاهده اليوم في المشهد الجاري في الرياض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى