إطلاق نار على طبيب بريطاني وهو ينقذ عائلته في السودان

> "الأيام"وكالة:

> ​أصيب طبيب بريطاني عالق في السودان بطلق ناري في ساقه، بينما كان "يخاطر بحياته" لإنقاذ والدته المسنة، بحسب ما كشفت ابنة هذا الأخير.

وكان الطبيب المذكور، الذي تقاعد أخيراً بعد أكثر من 30 سنة من العمل في هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS، يزور عائلته في الخرطوم بمناسبة شهر رمضان وعيد الفطر، عندما اندلعت معارك ضارية يوم 15 أبريل بين الجنرالين الأعلى مكانةً في البلاد.

وبعد أن بقيت ابنته ووالدته التي تتطلب رعاية دائمة محرومتين من المياه والكهرباء لمدة خمسة أيام في منزل شقيقه القريب من المطار، شعر بضرورة نقلهما إلى مكان أكثر أماناً.

وفي حوار مع صحيفة "اندبندنت"، أخبرت ابنته، وهي طبيبة بريطانية مقيمة في لندن، كيف قاد والدها سيارته إلى المنزل عند الغسق يوم الخميس الماضي، عابراً شوارع المدينة بين الجثث المرمية في الطرقات.

وقالت الطبيبة التي اختصرت اسمها بالدكتورة ’أ’" لحماية عائلتها في السودان: "بدأوا يطلقون النار على السيارة أولاً، إلا أن أبي واصل سيره، لكنه سرعان ما أرغم على التوقف لأن الرصاص كان ينهمر عليه من كل حدب وصوب".


"عندما ترجل من السيارة، بدأ يشعر بالوهن وبحرارة قوية في ساقه، لكن بسبب الخوف الشديد وارتفاع الأدرينالين، لم يتنبه للموضوع".

وقالت إن عناصر "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية السودانية اعتقدوا أن والدها من الجيش السوداني، لأنه كان يقود سيارة من طراز "لاند روفر" التي غالباً ما يستعملها عناصر الجيش الوطني السوداني.

وبحسب الدكتورة ’أ’، تمكن من إقناعهم في نهاية المطاف بأنه مجرد طبيب يحاول إنقاذ عائلته، فنجح في الوصول إلى منزل شقيقه، وقد فتحت له الباب ابنته الثانية (وهي أيضاً طبيبة)، ولاحظت الدماء على ملابسه.

بعد إدخاله إلى المنزل وتضميد جرحه، عاد لينطلق في رحلة خطيرة إلى المنزل الذي تقيم فيه أمه عادة.

ولما كان الذهاب إلى المستشفى أو الصيدلية سيعرض أياً منهم لخطر كبير، اضطرت شقيقة الدكتورة ’أ’ في الخرطوم إلى معالجته في المنزل باستعمال بعض المضادات الحيوية المتبقية لديها.

وقالت الدكتورة ’أ’ التي تحمل الجنسيتين البريطانية والسودانية مثل والدها وشقيقتها: "لقد أصيب في فخذه، بالتالي كان الجرح سطحياً نسبياً، إلا أن السيارة تعرضت لطلقات نارية على مساند الرأس وظهور المقاعد، ولو كان والدي في المكان غير المناسب والتوقيت غير المناسب، أو حتى لو اتخذ وضعية مختلفة بعض الشيء، لأصبح في عداد الأموات".

أما أكثر ما يثير قلقها، فهو تراجع إمدادات المواد الغذائية والأدوية، والانقطاع المرحلي للمياه وللاتصال بالإنترنت.

وأكدت الدكتورة ’أ’، التي يقيم عدد من أقاربها في السودان، بالقول "إن الفوضى تعم المكان، والوضع في البلاد غاية في الخطورة".

لكن على رغم تصاعد وتيرة العنف وشح الإمدادات، قالت إن حكومة بريطانيا وسفارتها لم تفعلا الكثير لتقديم المساعدة.

وأضافت أنها لم تكلم شخصاً من وزارة الخارجية إلا يوم السبت، أي بعد اندلاع المعارك بأسبوع. وحتى عندما كلمته، كل ما طلبه منها هو تسجيل أسماء أفراد عائلتها على قائمة الأشخاص الواجب إجلاؤهم.  

وعندما استعلمت الدكتورة ’أ’ بشأن محنة جدتها التي لا تحمل جنسيتين، قيل لها إنه عليها أن تملأ استمارة، من دون أي ضمانات بأن تحصل [جدتها] على تأشيرة مؤقتة.

واستطردت بالقول إن هذا الموضوع يجعل وضع عائلتها "صعباً فعلاً"، لأن "والدي لا يمكنه أن يترك جدتي".

وعادت الدكتورة ’أ’ لتتصل بوزارة الخارجية مجدداً صباح يوم الإثنين، وقالت إنهم لم يكونوا على معرفة بما سيحصل.

وبحسب الترجيحات، يصل عدد المواطنين البريطانيين العالقين في السودان إلى 4000، وسط استمرار الاقتتال المميت في الشوارع وشح المواد الغذائية والماء والكهرباء.

وفي تلك الأثناء، أعلن رئيس الوزراء ريشي سوناك عن إجلاء الدبلوماسيين البريطانيين وعائلاتهم إلى خارج البلاد، في سياق عملية "معقدة وسريعة" جرت بين ليلة وضحاها.

ومن جهتها، أعلنت صحيفة "ذا تايمز" عن إعداد السفينتين الحربيتين "آر.أف.آي كارديغان باي" RFA Cardigan Bay و"إتش أم أس لانكاسر" HMS Lancaster  [التابعتين للأسطول البريطاني] لتقوما بعملية إجلاء من بورتسودان.

يجدر التذكير بأن رأسي الحربة في الصراع القائم هما جنرالان، أولهما قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، والثاني قائد "قوات الدعم السريع" محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، الذي كان قد انضم إلى القوات في عام 2021، أي بعد سنتين فقط من إطاحة عمر البشير، الرئيس المستبد الذي طال حكمه.

يحتل القائدان أعلى منصبين في المجلس السيادي الجديد الحاكم في البلاد. بيد أن التوترات القائمة [بينهما] سلكت منحى عنيفاً، بعد أن اصطدما بشأن تفاصيل اتفاق هدفه الانتقال إلى حكم مدني، كان من المفترض أن يبرم الشهر الماضي ويؤدي إلى اندماج "قوات الدعم السريع" بالجيش.

تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 400 شخص لقوا مصرعهم وجرح آلاف آخرون، وفق الحصيلة الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية، وسط مخاوف من أن تكون الأرقام الفعلية أكبر من ذلك بكثير.

وتابعت الدكتورة ’أ’ قائلة: "كان يفترض أن تكون للحكومة البريطانية خطة متينة منذ البداية، إذ لا ينبغي سحب الدبلوماسيين وترك كل من تبقى [ليواجه مصيره]، من دون أن يعرف ما سيحصل تالياً.

"لقد خذلتنا الحكومة البريطانية وتخلت عنا. وهو أمر محبط جداً ومثير فعلاً للغضب. فإن كانت دولة عاجزة عن حماية مواطنيها، من سيفعل؟"

وتابعت قائلة: "أبي رجل مثابر على العمل، استحق جنسيته عن جدارة، وعمل في هيئة الخدمات خلال مرحلة الجائحة الصعبة. ويشهد له أنه حاول إنقاذ أمه وخاطر بحياته في سبيل ذلك".

ومن جهته، صرح متحدث حكومي قائلاً: "إن سلامة المواطنين البريطانيين في السودان كانت ولا تزال أهم أولوياتنا وأكبرها. ونحن نقر بأن الوضع مقلق وتعيس للغاية بالنسبة إلى الأشخاص العالقين بسبب القتال".

وتابع بالقول: "نستكشف بشكل عاجل جميع الطرق الممكنة لإجلاء المواطنين البريطانيين الراغبين في مغادرة السودان".

"تبقى نصيحتنا للمواطنين البريطانيين أن يبقوا في الداخل أينما أمكن وأن يتصلوا بوزارة الخارجية لتسجيل بياناتهم المحلية والتفاصيل اللازمة للاتصال بهم".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى