جارنا قائد كبير

> أصبح القائد الكبير جارنا، فاستحدثوا نقطة بداية شارعنا، تبعد كيلو عن فلته الجديدة، وبوجوده زادت حياة حارتنا صعوبة.

بات طريقنا يصمت عن الحركة، وينتظر مرور فخامة القائد الكبير، وتتعثر حارتنا بسيارته المدرعة الفارهة، وموكبه الذي يجر طابورا من الأطقم على الزيرو، وجيشا من الجنود، صرفتهم تطعم بطون سكان الحارة شهرا.

زحمة عند خرجته ودخلته، ويسألوننا عساكره عن وجهتنا في ذهابنا وإيابنا، ويفتشون في وجوهنا عن شبهة.

نصف الحارة أصابهم الصفار، فعندما يذهب صباحا مقر القيادة، تتعقبه تفحيطة تايرات شاصاتهم، ويرعبون الأسفلت، ويهينون الرصيف، وتنهرنا فزعة جنوده، ولا يتركون "طري" في الطريق حتى يمر القائد الكبير بسلام.

نشاهد جارنا المسؤول الكبير على القناة الفضائية، ويصعد المنبر، وكرشه يتدلى ويسابقه لمداعبة المنصة، ويحدثنا عن إنجازاتهم العظيمة، وإخلاصهم في خدمة شعبهم.

للحظة تنحني هيبته، ويتعهد باسمه، ونيابة عن رفاقه وكيانه، أنهم لن تغمض أجفانهم حتى يرفعوا معاناتنا، ويحرروا كل زغطوط من زغاطيطنا، ويجعلوا حياة المواطن البسيط كريمة.

يوما آخر تظهر صورته كبيرة في صفحة جريدة، ونقرأ عناوين عريضة عن سيرة القائد الكبير المشرفة، وحياته العصامية، وكفاحه ووطنيته ونضاله، وفي السطور المقابلة تفاصيل عن أمانته ونزاهته، وحرصه على احترام النظام، وقيم المجتمع وحقوق الآخرين ، ويوصينا بالوطن خيرا، ومن شدة تأثرنا نهمس مع أنفسنا، يا الله كم أنت نبيل أيها القائد الكبير، وباقي قليل وتفر الدمعة على خدنا، ونبكي من فرط أدبه وتواضعه وإنسانيته.

تساورنا شكوكنا، فهل صدق وكفرنا؟.. وإذا طول بكلامه، سيظن بعضنا أن حديثه أسنده البخاري وصححه الألباني، وتبقى مشكلته ومشكلتنا أننا نعرف ماضيه !.

نعتقد أن حفرة سرتهم العميقة تحت بدلتهم الأنيقة والكرفتة الماركة، تجعلهم لا يرون جوعنا ووجوهنا الفارغة.

يسكنون فوهة البؤس، ويسيرون على حائط الظلام، ويمرون على أبواب سلطتهم، ويلتقطون ما يتركونه من فتاتهم، وربما بقايا أمل، وقطعة خبز يابسة من ليلة البارحة.

نتشعبط بالأمل، وهناك من يريدوننا أن نشعل شمعة طوال حياتنا، والمصيبة إن كان بعضنا يشعر بلذة في الاستمرار بلعن الظلام !.

لا نعمم، وليس كل القيادة طينة واحدة، فهناك من يفرضون علينا احترامهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى