مصر ترفض شروط صندوق النقد الدولي لدواعي الأمن القومي

> القاهرة "الأيام" العرب:

> ​بدأت السلطات المصرية تستشعر مخاطر الانجراف وراء الاقتراض وتراكم الديون، واضطرت إلى تقديم رسائل لطمأنة المواطنين وعدم التضحية بهم مقابل الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي لتحرير الاقتصاد كاملا.

وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن قضية سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية تعتبر "مسألة أمن قومي"، وذلك على هامش مشاركته في المؤتمر الوطني للشباب بمدينة الإسكندرية الأربعاء، مؤكدا مرونة الدولة في الوصول إلى سعر صرف مقبول للجنيه أمام الدولار الأميركي.

وحاول تأكيد انحيازه للمواطنين الفقراء الذين يعانون كثيرا من وراء انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار مؤخرا في شكل زيادة في أسعار العديد من السلع، قائلا “أنا أتكلم بشكل جدي.. عندما يكون سعر الصرف عامل تأثير على حياة المصريين، ومن الممكن أن يضيّعهم فلا يجب أن نجلس في أماكننا”.

وخفضت مصر سعر صرف الجنيه ثلاث مرات في الفترة الماضية ليستقر حاليا عند 30.8 جنيه، بينما تجاوز سعره في السوق الموازية أو السوداء مؤخرا حاجز الـ40 جنيها، والتي تجذب بعض التجار إليها ممن يصعب عليهم الحصول على الدولار من البنوك المصرية نتيجة عدم توافره فيها بما يسد احتياجات كثير من المستوردين.

وتزامنت تصريحات السيسي مع تقارير صحفية أجنبية وتقديرات قدمتها منظمات مالية معنية بتطورات الاقتصاد المصري توقعت حدوث خفض جديد لسعر صرف الجنيه أمام الدولار، وهو ما جعل حالة عدم الثقة في الخطوات الحكومية تتسع.

لكن بنك سيتي غروب الأميركي توقع الأسبوع الماضي أن تؤجل القاهرة خفض قيمة عملتها حتى سبتمبر المقبل على الأقل، حيث يخفف احتمال تحقيق عائدات مجزية من السياحة ومبيعات الأصول الحكومية الضغط على الاقتصاد.

وكشف مسؤول مصرفي بأحد البنوك الخاصة لـ”العرب” أن تصريحات السيسي تتنافى تمامًا مع توجيهات صندوق النقد الدولي، وأنه أراد توجيه رسالة إلى الصندوق بأن بلاده لن ترضخ لكافة الضغوط التي يطلبها خاصة سعر الصرف.

ويتعامل صندوق النقد كعادته بقدر من التشدد مع الحكومات، وتسببت قرارات الإصلاح الاقتصادي التي أوصى بها في قفزة تاريخية في معدلات التضخم بمصر.

وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن تصريحات الرئيس المصري “سياسية ولا علاقة لها بالنظريات الاقتصادية”، مشيرًا إلى أن تحرير سعر الصرف لن يسهم في حل الأزمة الاقتصادية في البلاد إلا بشروط معينة.

ومن أبرز هذه الشروط وجود احتياطي أو رصيد كبير من العملات الصعبة في البنوك لدعم الجنيه عند قرار التعويم (تحرير العملة) وربما تستغني مصر عن ذلك لو جمعت رصيدًا كافيًا من العملات في الفترة الحالية.

وأضاف المسؤول المصرفي أن القرار الصعب بعد تصريح السيسي هو إقناع المستثمرين الراغبين في شراء الأصول المصرية بأن تعويم العملة من المستبعد حدوثه حاليا، وهي خطوة لو نجحت فيها مصر ستكون قد تمكنت من جذب العملات الصعبة مع إمكانية تحرير جديد، لكنه ربما يكون بشكل طفيف بالرهان على العملات الأجنبية الناشئة عن بيع الدولة لحصص من كياناتها.

وقال خبير الاستثمار المصري ياسر عمارة إن تصريحات الرئيس جاءت جريئة ومفاجئة لكثير من المحللين للاقتصاد المصري، لكنها في صالح المواطن خاصة أن استبعاد حدوث تعويم يترتب عليه عدم زيادة الأسعار وتخفيف الأعباء على المصريين، شريطة أن تنجح الحكومة في جذب المزيد من العملات الصعبة.

وأضاف لـ”العرب” أن السيسي وجه صفعة لصندوق النقد، مؤكدا أن الدولة هي الداعم الأكبر للجنيه المصري على الرغم من أن ذلك يخالف شروط واتفاق البلاد مع الصندوق بشأن وجود سعر صرف مرن، لكنها تدل على الشفافية وأن مصر قامت بتأمين جزء كبير من سداد المستحقات التي عليها.

وذكر أن خطاب السيسي إيجابي في المجمل ويصب في صالح الشعب، لكنه يحمل جزءًا متناقضًا في ما يتعلق بأن مصر تحتاج إلى متطلبات بنحو 90 مليار دولار سنويًا لشراء احتياجات المواطنين من الخارج، فمن أين توفر البلاد تلك الأموال؟

وتعزز تعاقدات الحكومة على طرح جزء من شركاتها في البورصة أو لمستثمر كبير بجانب الودائع الدولارية التي لديها في البنك المركزي من دعم العملة المحلية.

ولفت سعيد يونس عضو جمعية مستثمري السويس إلى أن الرئيس المصري يسعى لتحقيق مصلحة المواطن، رغم مطالب العديد من المحللين والمؤسسات بتحرير سعر الجنيه، متوقعًا أن تترتب على ذلك آثار اقتصادية إيجابية على الاستثمار أيضًا.

وقال لـ”العرب” إن المستثمرين يرغبون في تحديد رؤية واضحة لسعر الصرف، ولذلك تعد هذه الرؤية واضحة ويمكن أن تسهم في تهدئة السوق السوداء للدولار.

ويعتمد الكثير من التجار على السعر الموازي في تقييم الدولار، ما يحمّل المواطنين فرق العملة في شكل زيادة مستمرة في الأسعار أخفقت سياسات الحكومة في السيطرة عليها، حيث تسمح الفجوة بين سعر الدولار في البنوك والسوق السوداء بخلق أنماط قاتمة من التعاملات تنعكس سلبا على الاقتصاد.

وطالب صندوق النقد الحكومة المصرية بتوفير سعر مرن للعملة وعدم التحكم فيها بأي طريقة لفتح الطريق أمام الاستثمارات التي يتردد أصحابها أحيانا في دخول السوق المصري لعدم وجود سعر عادل للعملات الأجنبية يساعدهم على تقييم خططهم.

وباعتراف الرئيس المصري أن هناك تدخلات رسمية، ولو من قبيل دواعي الأمن القومي، يقدم موقفا رسميا لحجم المخاوف الاقتصادية من هذه السياسة، وأراد طمأنة شعبه حتى لو أوقعه ذلك في ازدواجية بين التزامات حكومته مع صندوق النقد وتوجهاته الاجتماعية، والتي يمكن أن تمكنه من حصد شعبية، على اعتبار أنه حريص على تخفيف المعاناة عن المواطنين ولن ينجر وراء سياسات الصندوق.

وربط مراقبون بين حديث متداول على مواقع التواصل الاجتماعي اعترف فيه الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك برفض توجهات الصندوق حفاظا على الأمن القومي، وبين حديث السيسي بنبرة مشابهة الآن، كنوع من تأكيده أنه يتفهم هذا البعد في التصورات الاقتصادية، وأنه منتبه لخطورة الموقف ولن يسمح بتأثيره على تماسك الدولة.

وأكد هؤلاء المراقبون أن الرئيس المصري تلقى تقديرات أمنية حذرت من خطورة الانجراف وراء السعر المرن للجنيه، وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات اقتصادية واجتماعية، وعليه تأكيد أن خطواته في الاقتراض تتم وفقا لحسابات دقيقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى