المسنُّون اليمنيون تستنزفهم الأزمة المعيشية وتنقصهم الحماية الاجتماعية

> «الأيام» الشرق الأوسط:

> حتى مبرِّد الطعام خذل الستينية اليمنية «أم كوثر»، ولم يعد يحتفظ بـ«الآيسكريم» الذي كان بضاعتها الوحيدة منذ أشهر، فبعد أن ارتفعت درجات الحرارة إلى مستويات غير معهودة، أصبحت تصل إلى السوق وقد بدأت سلعتها في الذوبان، ومنذ أسابيع عادت لصناعة بعض أنواع الخبز وبيعها، غير أن العائد لا يحقق لها الأمان المعيشي.

يمكن لمن يستطيع تحمل القيظ والتجول في أسواق مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج، أو حيي الشيخ عثمان ودار سعد في مدينة عدن، أن يجد عشرات النساء المتقدمات في السن يقاسين لهيب الشمس وقسوة الجو، لعرض منتجاتهن البسيطة على المتسوقين؛ حيث يعُدن آخر النهار ببعض الأوراق النقدية لمواجهة متطلباتهن اليومية.

تتنوع المنتجات التي تعرضها هؤلاء النساء بين واحدة وأخرى، كما تتنوع بين حين وآخر، من المخبوزات إلى الخضراوات والفواكه الموسمية، وغالباً ما يشتري منهن المتسوقون رغبة في مساعدتهن، رغم أن السلع التي يبعنها تفقد جودتها أو تتعرض للتلف بسبب الحرارة المرتفعة والشمس، وعدم قدرتهن على توفير وسائل حمايتها.

الأمم المتحدة ذكرت في عام 2019 أن الأسر التي تعولها النساء وكبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة، تتأثر بشكل خطير بالحرب؛ حيث استنفدت جميع هذه المجموعات السكانية فعلياً استراتيجيات التكيف الخاصة بها، وليس لديها سوى دعم اجتماعي محدود.

قبل ذلك بعام، أفادت منظمة «هيلب إيج» بأن 95 في المائة من المسنين في اليمن لا يحصلون على أي دخل، و50 في المائة من المسنات اليمنيات لم يتمكنَّ من الحصول على الرعاية الصحية، ويستطيع فقط 2 في المائة من النساء المسنات و3 في المائة من الرجال المسنين تحمل تكاليف الأدوية الأساسية.


وتوفي منتصف يوليو في مدينة عدن، 4 مسنون اختناقاً بسبب ارتفاع درجة الحرارة مع انقطاع الكهرباء، بعد عجزهم عن إيجاد بدائل. وترجح مصادر طبية أن هناك وفيات كثيرة لم يتم رصدها.

ويلجأ أهالي المحافظات ذات الطقس مرتفع الحرارة إلى بيع ممتلكاتهم لشراء مولدات كهربائية، أو معدات طاقة شمسية، لتعويض انقطاع الكهرباء.

غياب الحماية الرسمية

تعود آخر إحصائية رسمية حول أعداد المسنين في اليمن إلى عام 2003، والتي قدرت نسبة من هم في سن أكبر من 65 عاماً بـ4 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ تعدادهم حينها 20 مليون نسمة، بينما قدرت وزارة الشؤون الاجتماعية في عام 2007 نسبتهم بـ3.43 في المائة ممن تجاوز 64 عاماً.

ويعد الاقتصاديون هذه النسبة كبيرة، وتدعو إلى القلق بشأن رعاية المسنين وتوفير احتياجاتهم، وأثر ذلك على الأمن المعيشي.

وأقرت وزارة الشؤون الاجتماعية حينها بافتقار البلد لدراسة وطنية لمعرفة واقع المسنين فيها، وتحديد احتياجاتهم، والتعرف على مشكلاتهم، وما يعانون من أمراض وعوز، وبالأخص أولئك الذين لا يوجد لهم أهل أو أقارب مهتمون بهم، وإن وجدوا فهم في حالة فقر.

يقول أحد قيادات وزارة الشؤون الاجتماعية في صنعاء، إن الوزارة كانت قد شرعت قبل أحداث 2011، بالتعاون مع جهات حكومية ودولية، في العمل على خطة استراتيجية لاستيعاب المسنين ضمن مشروعات رعاية وحماية اجتماعيتين، وجرت دراسة عدد من الخطط لتوفير قاعدة بيانات حول أعدادهم وأوضاعهم واحتياجاتهم.

ووفقاً للمسؤول الحكومي الذي طلب حجب بياناته نظراً لإقامته في مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين؛ فإن النقاشات حول ذلك كانت بطيئة وليست ضمن أولويات الحكومة؛ إلا أنه كان يجري البناء عليها للوصول إلى استراتيجية وطنية لرعاية المسنين، من خلال بُنى مؤسسية وأطر قانونية ملزمة، لولا الانقلاب والحرب اللذين أوقفاً كل شيء.

وأشار إلى أن الانقلابيين الحوثيين الذين يسيطرون على الوزارة حالياً في صنعاء، تقدموا بمشروع ما تُعرف بالاستراتيجية الوطنية لرعاية المسنين، خلال الأعوام من 2020 وحتى عام 2030؛ إلا أنهم افتقدوا إلى المصداقية بعد أن تلاعبوا بالضمان الاجتماعي لصالح أنصارهم، وحرموا عشرات الآلاف من المستفيدين منه من مستحقاتهم.

ولم يتوصل الانقلابيون الحوثيون إلى الحصول على تمويل دولي لهذا المشروع، لأسباب كثيرة، بينها عدم وضوح الرؤية التي تقدموا بها من جهة، والشكوك برغبتهم في الاستيلاء على أي أموال لصالح أتباعهم، وحرمان المستحقين منها.

دراسة عن الاحتياجات

لم يعرف اليمن سوى 4 دور لرعاية المسنين، في صنعاء وتعز وعدن والحديدة، أنشأتها جهة دولية. وحتى قبل سنوات قليلة كانت تقوم برعاية أقل من 250 مسناً فقط، غير أن الحرب تسببت في إغلاق دار تعز، واستهدف هجوم إرهابي دار عدن، وتعرضت دار صنعاء لمضايقات المتطرفين، إلى جانب تأثيرات الحرب عليها رفقة دار الحديدة.

وأخيراً، كشفت دراسة ميدانية محلية عن عدد من نتائج الأزمة المعيشية في اليمن على المسنين، ومن ذلك أن 98 في المائة من عينة الدراسة أكدوا تأثرهم بارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود ومشتقاته، وظهرت تلك التأثيرات في نفقات الأسرة، ولاحظ 46 في المائة من المشاركين تجليات الأزمة في تراكم الديون على أسرهم.

وفي الدراسة التي أعدها «ملتقى صناع الحياة» اشتكى 14 في المائة من الرجال من عدم قدرتهم على شراء الأدوية للأمراض المزمنة، بينما أثرت الأزمة على قدرة 72 في المائة من المشاركات على تلبية الاحتياجات الأساسية ومتطلبات أسرهن، وأثرت على 17 في المائة تأثيرات نفسية خطيرة، وأعلن 52 في المائة من المسنين استعدادهم لبيع كثير من الأدوات المنزلية أو الأشياء الثمينة لمواجهة الأزمة، مقابل 83 في المائة من المسنات.

لكن 61 في المائة من النساء لم يعد لديهن أي أصول للبيع، مقابل 29 من الرجال خسروا كل مدخراتهم، و18 في المائة لم يتمكنوا من الاقتراض.

واضطر 82 في المائة من المسنين الذكور إلى تقليل وجباتهم مقابل 67 في المائة من المسنات اللواتي قللن كميات الطعام واستبعدن كثيراً من المواد الغذائية، وعانى 39 في المائة من أمراض بسبب الجوع المستمر وقلة مصادر الطعام المغذي؛ حيث إن 17 في المائة منهن يصمن يوماً ويفطرن اليوم التالي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى