المجتمع الدولي وترقب المعجزة اليمنية

> صالح البيضاني:

> ​قبل سنوات سألني أحد سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لدى اليمن، وكان حينها الحراك الدبلوماسي الأممي والدولي لإيجاد تسوية سياسية للأزمة اليمنية في ذروته؛ هل تعتقد بأن الحرب اليمنية قد شارفت على نهايتها؟

أجبت السفير يومها إجابة بدت صادمة بعض الشيء وارتسمت الدهشة بالفعل على تعابير وجهه عندما قلت له إن الحرب اليمنية لم تبدأ بعد! فباغتني بسؤال بديهي وهو كيف؟ قلت له حينها، وأظن ذلك في العام 2018؛ الأطراف الرئيسية المنخرطة في الحرب لم تتكبد الخسائر التي تجعلها أكثر ميلا للبحث عن نهاية للحرب، بل إن الكثير من تلك الأطراف وخصوصا العقائدية منها استفادت من عوامل عديدة لتنمية قوتها العسكرية وتنويع مصادر تمويلها، كما أصبحت جزءا أصيلا من اقتصاد الحرب الذي نشأ خلال السنوات الماضية، والخلاصة أن جميع الفرقاء اليمنيين اليوم هم أقوى مما كانوا عليه عشية اندلاع “الحرب”!

قلت للسفير يومها: ليست تلك المشكلة الوحيدة التي تعترض طريق السلام في اليمن فهناك مشكلة أكبر وأكثر تعقيدا تتمثل في طبيعة الجماعة الحوثية كجماعة راديكالية ثيوقراطية متطرفة، لا تؤمن بالخيارات السياسية إلا بقدر ما تعتبره خدعة مشروعة لتمرير أهدافها غير القابلة للتفاوض أو المساومة، كما هو حال جماعات إسلامية مشابهة مثل القاعدة وداعش على سبيل المثال، والتي يمثل الحوثيون اليوم النسخة “الشيعية” منها.

وأردفت: المشكلة أيضا لا تكمن في طبيعة الجماعة الحوثية فقط، بل في الأطراف الأخرى التي تقف في المعسكر المقابل تحت سقف الشرعية أو خارجه (لم يكن المجلس الانتقالي وطارق صالح حينها جزءا من الشرعية اليمنية)، فالحوثي حتى لو استطاع الانتصار في هذه الجولة من الصراع، ليس نتيجة لقوته كما يشاع، بل لتفرق وارتباك خصومه؛ لن يستطيع إقناع قطاع كبير من اليمنيين بمشروعه الذي يفتقر للمشروعية أو المنطق السياسي، لكونه مشروعا قائما على خيالات أيديولوجية متطرفة، الركن الأساسي فيها هو تقديم نفسه وسلالته “المقدسة” كوريث شرعي للدين والدنيا وبتفويض إلهي يتجاوز في حدته وتطرفه حتى أكثر الأنظمة الثيوقراطية تشددا، ومن ذلك النظام الإيراني ذاته الذي يقدم فيه المرشد الأعلى نفسه كولي للفقيه الغائب في السرداب فقط، بينما ينظر الحوثي إلى نفسه كظل لله في الأرض!

وصل المجتمع الدولي اليوم في طريقة تعاطيه مع الملف اليمني بعد ثماني سنوات تقريبا إلى جزء يسير من الحقيقة الغائبة أو المغيبة تحت رمال المصالح والانتهازية الغربية، والنتيجة كما تبدو لمن يراقب جهود السلام المعطلة اليوم في اليمن؛ حالة من الإحباط والترقب وكيل الاتهامات للحوثيين بتحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي امتدت آثاره من مناطق سيطرة الانقلاب لتصل إلى المناطق المحررة، بفعل الممارسات الحوثية والتهديدات التي انتهت إلى إيقاف تصدير النفط في سياق حرب اقتصادية مفتوحة يخوضها الحوثيون من طرف واحد.

أدرك العالم أن كل الضغوط التي كان يمارسها المبعوثان الأممي والأميركي وسفراء الاتحاد الأوروبي على الحكومة الشرعية بهدف جر الحوثيين إلى مائدة الحوار، لم تأت إلا بنتائج عكسية مدمرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ولم تزد تلك التنازلات الحوثيين إلا تصلبا وغرورا، بينما انحسرت قائمة الخيارات الدولية للتعامل مع مسار التسوية المسدود في الأزمة اليمنية، وتركت جراح هذا الملف الغائرة على جميع الأصعدة تتعفن ببطء، بانتظار أن تحدث المعجزة اليمنية التي يبدو أن قبول الحوثيين بسلام حقيقي أكثر بعدا منها!

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى