الآلاف من عمال الأجر اليومي يتساقطون تحت شدة الحرارة في المدن الساحلية

> محمد راجح

>
لم يعد الأربعيني العامل بالأجر اليومي في البناء والتشييد، أحمد القادري، قادرًا على الاستمرار في عمله وتحمل قسوة الظروف الجوية القاسية، وارتفاع درجة الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة في مدينة عدن جنوب اليمن.

يقول القادري لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر لملازمة منزله منذ أكثر من 20 يومًا، بعد أن أصيب بإعياء شديد أثناء مزاولة عمله في مجال البناء، بينما يتحدث العامل فهمي حسان، وهو طباخ في أحد المطاعم، أنهم يواجهون كعمال في هذا المجال جحيمًا لا قبل لهم بتحمله، فقد سقط أكثر من مرة مغمى عليه من شدة المعاناة، نتيجة الإجهاد الحراري، الناتج عن الطقس، ونيران معدات الطبخ.

لا وصف لمستوى المعاناة التي يواجهها عشرات الآلاف من العمال في اليمن، خصوصًا عمال الأجر اليومي، من إجهاد وإعياء وإنهاك وحروق، ناتجة عن لفحات الشمس، خاصة في المدن الساحلية كعدن، التي يصنفها البنك الدولي، استنادًا لمبادرة التكيّف العالمي لجامعة نوتردام، على أنها سادس أكثر مدينة في العالم عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر وعرام العواصف.

يرصد "العربي الجديد"، صورًا متعددة لمعاناة العمال من الإجهاد الحراري في مختلف المدن اليمنية، خصوصًا العاملين في الوظائف والمهن والأعمال الشاقة والمضنية التي تتطلب الوقوف أو العمل لمعظم فترات النهار، مثل قطاعات الغذاء، والبناء والتشييد، والأشغال العامة، والمصانع، والقطاع النفطي، والصناعات الاستخراجية.

تتنوع هذه الوقائع التي جرى رصدها ما بين انهيار بدني، نتيجة الإعياء الشديد والإغماء والدوار، وتسجيل سقوط عمال من شدة الإعياء والإنهاك وسوء التغذية في أكثر من موقع ومنشأة للعمل، إضافة إلى الإصابة بعدد من الأمراض.

وتطالب جمعية الطهاة اليمنيين بتوفير وسائل السلامة والحماية لعمال المطاعم وقطاع الغذاء بشكل عام، باعتبارهم من أكبر الفئات العمالية في اليمن وأكثرها معاناة.

ويصف رئيس الجمعية، محمد عوفان، الظروف الراهنة بأنها الأصعب على هذه الفئة العمالية في اليمن وأكثرها معاناة، بسبب ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، مع انعدام أبسط الحقوق وطرق الحماية التي من المفترض توافرها من عقود، وتأمين صحي، وإجازات، ووسائل السلامة لبيئة العمل، في ظل الظروف الراهنة، مثل وسائل التكييف والتبريد التي تغيب عن غالبية المطاعم العاملة في اليمن، مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتضاعف في مثل هذه الأماكن، لتصل في أوقات النهار إلى أكثر من 50 درجة.

كما تشمل المعاناة مختلف الفئات العمالية في اليمن الذي يمر بظروف صعبة، نتيجة الحرب والصراع في البلاد، المتواصل منذ سنوات دون توقف، رغم محاولات التهدئة وتمديد الهدنة.

وحسب مراقبين، فإن ما يضاعف مشكلة انعدام وسائل الحماية والسلامة اختلال المنظومة القانونية، في ظل بروز مجموعة من الأزمات التي فاقمت معاناة عمال البناء والمطاعم، والعاملين في القطاع الزراعي والصناعي، ومشاريع الأشغال العامة، حيث يضاف الإجهاد الحراري وتبعات الرطوبة الشديدة وقسوة الطقس إلى ما يتعرضون له من اضطهاد ومعاناة قاسية نتيجة عملهم في وظائف وأعمال شاقة مقابل أجور زهيدة.

وفق نتائج مسح القوى العاملة في اليمن الصادر عام 2015، فإن متوسط ساعات العمل في اليمن يصل أسبوعيًا إلى نحو 44 ساعة، في حين يصل متوسط الأجر الشهري إلى نحو 52 ألف ريال يمني (الدولار يتجاوز حاليًا 1400 ريال)، بينما تبلغ نسبة العاملين في القطاع غير المنظَّم إلى ما يقارب 73.2 % حيث تقدر نسبة السكان في سن العمل بحوالي 13.4 مليونًا، منهم 4.2 ملايين عامل.

يشرح القيادي في اتحاد عمال اليمن، النقابي اليمني فؤاد الصباري، أن المنظومة التشريعية في اليمن تحتاج إلى مزيد من التطوير وتلافي النقص في معالجة بعض متطلبات العمل، من حيث الواقع العملي، وعدم تطبيق بعض نصوص وقوانين الخدمة المدنية الخاصة بطبيعة العمل، الواردة في قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية، إذ تجري تجزئة القانون والتحايل عليه في المسائل المتعلقة بالعمال.

ويشير الصباري إلى أن هناك قصورًا كبيرًا في قواعد ومعايير التعويضات والتأمين الصحي، وعدم الأخذ بأي مستجدات عملية تواجه العمال في الميدان، خصوصًا القطاع النفطي وشركات الأدوية، إضافة إلى عدم وجود أي تحديث للتعويضات الحالية، بحيث تتناسب مع المخاطر التي تواجه العمال.

وتشكل الظروف الجوية وارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ تهديدات إضافية للإنتاجية والنمو في اليمن، الذي يعتبر بين الدول الأكثر ضعفًا، والأقل استعدادًا للتكيف مع تغير المناخ.

يقول أستاذ جغرافيا المناخ في جامعة عدن ياسر الهتاري إن اليمن يشهد تغيّرات واسعة في المناخ، المتزامن مع ارتفاع الانبعاثات التي تسببت بزيادة مقدار الإشعاع الشمسي، وارتفاع درجات الحرارة، وتصاعد تبعاتها على مختلف جوانب الحياة والأنشطة الاقتصادية المحكومة منها بالظروف المناخية، كقطاع الزراعة المشغل الرئيسي للأيدي العاملة في اليمن، والذي تأثر كثيرًا بتبعات ارتفاع درجة الحرارة، وتسببها بزيادة معدلات التبخر.

وحسب الهتاري، تأخذ تداعيات هذه الأزمة أبعادًا أخرى مع تسببها في هجرة الأيدي العاملة من القطاع الزراعي، نتيجة الجفاف، وشح المياه، وتأثير ارتفاع درجة الحرارة على زيادة معدلات التصحر، وتهاوي بعض المحاصيل، وهجرة زراعات أخرى نحو نطاقات أكثر ملائمة لدرجة الحرارة.

ويؤكد أستاذ جغرافيا المناخ في جامعة عدن، تأثير الظروف الجوية القاسية وارتفاع درجة الحرارة على فئة عمالية مهمة كالصيادين في اليمن، إذ يلفت إلى تسببها في تبخر ماء البحر، وارتفاع مستويات الملوحة، وزيادة المخاطر المتعلقة بالاصطياد التي تفوق قدرات هذه الفئة العمالية في اليمن التي لا تزال تعتمد على الوسائل التقليدية في ممارسة عملية الصيد.

ويضيف الهتاري: تفتقد هذه الفئة لأبسط المعدات والإمكانيات ووسائل السلامة والحماية، التي تساعدها في مواجهة الأخطار والأزمات، الناتجة عن ارتفاع درجة الحرارة والتغيرات المناخية.

ويشهد اليمن بصورة مستمرة تقلص مستويات التشغيل، وفقدان الوظائف التي تتركز في قطاع الزراعة، بنسبة 9.3 % حيث يستوعب هذا القطاع حوالي 46.9 % من إجمالي قوة العمل في البلاد، يليه قطاع الخدمات بنحو 8.2 %، والذي يستوعب نحو 46 % من إجمالي قوة العمل، في حين يرجح أن تكون الخسائر أكثر في هذا القطاع بسبب الأزمات التي تضرب قطاعي التجارة والنقل.

"العربي الجديد".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى