شخصيا أنا ضد الحروب سواء تعلق الأمر بشكلها العسكري أو الاقتصادي، فأنا أرى نفسي نصيرا للسلام والأمن والاستقرار، وأعتقد أن السواد الأعظم من الناس في اليمن هم مع فكر السلام والأمن والاستقرار أيضا، خاصة بعد أن أصبح 17مليون من السكان في اليمن يفتقدون للأمن الغذائي' وأكثر من 3.4 مليون من الأطفال في سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد(حسب تقارير الأمم المتحدة).

وبعد أن استنزفت الحرب التي طال أمدها في اليمن رأس المال البشري' وبعد أن غدت الجامعات اليمنية الحكومية والأهلية لا تضم في قاعاتها الدراسية سواء 30 % تقريبا من الشباب الذكور فيما الغالبية العظمى هن من الإناث(وأشير إلى أن هذه النسبة تحتاج إلى دراسة ميدانية لتأكيدها وأرجو أن أوفق في إنجازها) .

هؤلاء الشباب الذين فقدوا أو مازالوا في المتاريس والمعسكرات، التي تنتسب لطرفي الحرب: أجبرتهم الظروف الاقتصادية والفقر في الانخراط في قوام المحاربين وودعوا المستقبل الذي ينبغي أن يصنع في الجامعات، وتركوا مستقبل اليمن في المنطقة الرمادية.

غير أن الحرب العسكرية رغم المناوشات على حدود التماس بين الطرفين تكاد تشهد نهايتها، رغم أيضا عدم الاتفاق رسميا على الهدنة.

في هذا المشهد الميداني من التطورات الذي خفتت فيه أصوات القذائف نسبيا فإن شكل الحرب أخذ سياقا اقتصاديا لكنها تدار من طرف واحد.

تديره سلطة صنعاء ضد الجنوب ومناطق الشرعية بكفاءة عالية.

فلم تكتفِ بفرض واقع القوة القاهرة على صادرات النفط من ميناء الضبة وشبوة، ولكنها تطمح بغاياتها النهائية على تقاسم موارد النفط وربما بضوء أخضر خارجي، غير مقرة بأن نتائج الحرب قد غيرت من مفهوم الموارد السيادية، عندما يتعلق الأمر بالثروة النفطية والغازية وأي موارد أخرى، إذ أن مناطق الإنتاج قد أصبح لها صوت قوي يجب أن يؤخذ في الحسبان.

كما أن إجبار التجار الشماليين قسرا على الاستيراد حصرا عبر ميناء الحديدة والصليف، وإجبارهم على توقيع تعهدات بذلك، يأتي في هذا السياق، ويهدف إلى تجفيف موارد ميناء عدن وشل حركته، وحرمان الموازنة العامة للدولة من الأموال. لكن هذا الإجراء يتنافى مع حرية التجارة ولا يأخذ رغبات التجار بعين الاعتبار، في الاستيراد من أي ميناء يفضلون في الجنوب أوالشمال. في الشرق أو الغرب.

لكن الأخطر من ذلك أن سلطة الأمر الواقع تريد الجنوب ومناطق الشرعية الأخرى أن تستمر غارقة في السيولة النقدية، وتظل العملة فاقدة لقوتها الشرائية، ولذلك منعت ومنذ شهور مشاركة البنوك والتجار الذين تقع مقراتهم الرئيسية في صنعاء من المشاركة في عطاءات بيع الدولار، الذي ينظمه البنك المركزي في عدن أسبوعيا عبر المنصة الإلكترونية، وبصورة شفافة منذ اكتوبر 21 لتوفير حاجة استيراد السلع الأساسية والدواء، والهدف من ذلك منع البنك من سحب فائض السيولة من السوق والتي تسببت في ارتفاع معدلات التضخم، وضرب القوة الشرائية للنقود، لأنهم يعرفون أن أموال التجار الجنوبيين قليلة الحجم و محدودة وقد لا تغطي قيمة المزاد المعلن عنه أسبوعيا، وبذلك تحول دون تمكن البنك المركزي من سحب أكبر كمية من فائض السيولة.

في هذا السياق كشف المعبقي محافظ البنك المركزي قبل أيام في مقابلته المطولة مع صحيفة "الأيام" اليومية الصادرة في عدن أن البنك المركزي ومن خلال عمليات المصارفة التي تأتي كأثر غير مباشر لبيع الدولار، كان قد تمكن من سحب ترليون وستمائة مليار دولار

من فائض السيولة، حتى يونيو 23 تقريبا، لكنه أعاد صرفها كرواتب بعد أن أصبحت الموارد العامة للدولة لا تغطي سوى 40 % من فاتورة موظفي الدولة وهذا مرة أخرى ناتج عن الحرب الاقتصادية التي تدار من طرف واحد.

لكن الأثر هنا في عمليات البنك المركزي لسحب فأئض السيولة أن البنك لم يعد يمول صرف الرواتب من الإصدار التضخمي الجديد للعملة، كما كان متبع في السنوات السابقة، لكن يبقى هدف سحب فائض السيولة من السوق غير محقق على المديين القصير وربما المتوسط، لأن ما يسحبه البنك يعيده من جديد إلى السوق وهي عملية "تشبه عمل نافورة المياه التي تعيد تدوير نفس كمية المياه".

ونخلص أنه لولا عجز الموازنة العامة للدولة المرتفع وغير المسبوق الناتج عن الحرب الاقتصادية من طرف واحد، التي تديرها سلطة الأمر الواقع، لكان البنك المركزي قد استطاع بشكل كبير من تقليل معدلات التضخم، وحسن بشكل ملموس من القوة الشرائية للعملة الوطنية، ومع ذلك للبيئة السياسية غير المستقرة وضعف البناء المؤسسي للدولة، المتزامن مع غياب البيئة الاقتصادية أيضا أحكامها. لكن علي أن ألفت عناية الجهات أنه: مع افتتاح أي شركة صرافة جديدة يعني زيادة الطلب على الدولار في السوق. وهي عوامل لها دورها في تحرك سعر الصرف بمعناه السلبي.

وكم كنت أتمنى أن يوافق المانحون على إدراج استيراد النفط والذي يشكل نحو 60 % من الطلب على الدولار في السوق، ضمن قائمة السلع التي يغطي مزاد البنك المركزي تمويلها، لتقليل الضغوط على الطلب على الدولار لكن أعتذر لأني أعرف مسبقا أن النفط ليس واردًا من منظور وشروط الجهات المانحة.