​عقل الحيوان في مقاربة فلسفية تعمق المعرفة الإنسانية

> علي عطا:

> تستجيب الكلاب، لما يزيد عن مئتي كلمة في لغة الإنسان، فهل يدل ذلك على أن لها بصفتها الحيوانية عقلًا؟ تجيب كريستين أندروز Kristin Andrews على هذا السؤال وغيره من الأسئلة ذات العلاقة في كتابها "عقل الحيوان: مقدمة لفلسفة معرفة الحيوان"، الذي صدرت حديثًا ترجمته العربية عن المركز القومي المصري للترجمة، وقد أنجزها مصطفى إبراهيم فهمي. الكتاب في طبعته الأصلية باللغة الإنجليزية صدر العام 2015 بعنوان The Animal Mind: An Introduction to the Philosophy of Animal Cognition  وجاء هذا الكتاب في سياق قيام المؤلفة بتدريس فلسفة عقول الحيوان في جامعة يورك في كندا. وكانت أندروز عند صدور هذا الكتاب تعمل أستاذة مساعدة في قسم الفلسفة ومديرة برنامج "العلم المعرفي" في الجامعة نفسها. والتوصل إلى معرفة أن الكلاب تفهم ما يطلبه منها البشر، جاء كخلاصة تجارب مع كلب يدعى "ريكو"، وهو من نوع "كولي راعي الغنم"، وهو يماثل طفلًا يتعلم المشي. يعرف "ريكو" أن الأشياء يمكن أن يكون لها أسماء وهو يمتلك ميكانزم للتعلم بالاستبعاد يتيح له أن يستنتج المشار إليه بالكلمة غير المألوفة. وقدراته تثير عددًا من الأسئلة: هل يفهم أن الكلمات تشير إلى شيء؟ هل يستوعب مقصد المتكلمين الذين يتفوهون بكلمة غير مألوفة؟ هل طريقة تعلمه للكلمات تشابه طرائق الأطفال من البشر؟ أو أنه يأخذ كلمة "جوْرَب" مثلًا على أنها أمر لإحضار الجورب ويكون "تعلمه للكلمات" مجرد نتيجة للتدريب على الطاعة؟
  • تحليل الفيلسوف
الأسئلة حول عقول الحيوانات يتم تناولها من جانب متخصصين في السيكولوجيا والبيولوجيا وعلم الإنسان، والأيكولوجيا والإيثولوجيا والرئيسيات والفلاسفة – وآخرون ممن يشاركون في الإجابة عن مجموعات متداخلة من الأسئلة باستخدام مناهج مختلفة. بينما يستطيع العلماء أن يسألوا عما إذا كان "ريكو" سوف يستجيب بإحضار شيء مختلف عما اعتاد إحضاره عند طلب ذلك منه، فإن الفلاسفة قد يبحثون في ما إذا كان "ريكو" يفهم الكلمات التي تشير إلى شيء. يبحث الفلاسفة كذلك في طبيعة الإشارة أو التسمية أو الفهم باستخدام سلوك "ريكو"، كأدلة إضافية لإنشاء نظريات جديدة لهذه الأفكار العامة. وكما تقول أندروز، فإن تحليل الفيلسوف للمفاهيم يغذيه أولًا ما يراه في العالَم، ثم مرة أخرى طريقة سلوك العالَم عندما يُنْظر إليه من خلال العدسة النظرية. 

وتبين الأبحاث الحديثة كذلك أن الجرذان تضحك، وأن طيور الزرياب لها ذاكرة... وفي هذا الكتاب تتناول أندروز عددًا من الموضوعات الرئيسية ذات العلاقة بعنوانه، ومنها: ما المعرفة، وماذا يعني امتلاك عقل؟ ما الأسئلة التي ينبغي أن نسألها لنحدد ما إذا كان للسلوك أساس معرفي؟ هل تتضمن معرفة الحيوان وجود اعتقاد ومفاهيم، هل لدى الحيوانات "لغة للتفكير"؟ كيف تتواصل الحيوانات بعضها مع بعض ؟ وهل تضفي الحيوانات على الكائنات الأخرى وجود "نزعة عقلية"؟
  • العقول الأخرى
الفصل الأول من الكتاب يبحث في كيفية التعرف على العقول الأخرى، وينتهي إلى أنه بما أن هناك أنواعًا مختلفة من العقول، يمكننا أن نفحص التماثلات والاختلافات بين العقول البشرية البالغة والعقول البالغة للأنواع الأخرى. ويمكننا أيضًا، بحسب ما انتهت إليه أندروز، النظر في أمر تنامي الأنواع الأخرى من العقول لنفهم على نحو أفضل البنية التنظيمية للعقل، والخصائص العقلية المحددة التي نراها في الأنواع الأخرى. ومن الكتب التي تنصح أندروز بقراءتها لتحصيل المزيد من المعرفة في هذا المجال، كتاب "أنواع العقل" لكولن آلن ومارك بيكوف، وهذا الكتاب الصادر عام 1989مهد للكثيرين، القضايا الفلسفية حول الأبحاث ذات العلاقة. كما توصي أندروز بقراءة كتاب "الفيلسوف والذئب" 2009 لمارك رولاندز. 

أما الفصل الثاني فيتناول علم العقول الأخرى، منطلقًا من فروع المعرفة المختلفة المتضمنة في أبحاث القدرات المعرفية للحيوان. وتتوقف أندروز في هذا الفصل عند ما أسمته بالاتجاهات الجديدة في أبحاث معرفة الحيوان المواكبة للتقدم التكنولوجي في العلوم. وتشير في هذا الصدد إلى أنه إذا كان أفراد الحيوانات موضع الدراسات، ما زالوا يجرون في متاهات ويدفعون الروافع، فإنهم أيضًا تُجرى لهم اختبارات تولدها الكومبيوترات عن الذاكرة والتعلم، والتعرف الفردي، ومتابعة اللا يقين وفهم الأعداد. وكمثل يلعب أفراد الشمبانزي والبشر مباريات فيديو. وفي بعض الحالات يكون أداء أفراد الشمبانزي أفضل من الإنسان.   
  • القابلية للتفاعل
جاء الفصل الثالث تحت عنوان "الوعي"، وفي خلاصته أن نظريات الوعي تختلف اختلافًا واسعًا، على أن هناك حججًا قوية قد طرحت وتؤدي إلى استنتاج أن أنواعًا أخرى كثيرة لديها وعي. وينطلق بعض الفلاسفة في هذا الصدد من أننا ينبغي ألا نحاجج في وعي الحيوان؛ لأنه حقيقة أساسية مثل وعي الإنسان. ويتضمن هذا الفصل ما انتهى إليه مؤتمر عقد في يوليو 2012 في جامعة كمبردج، من أن البشر ليسوا فريدين في امتلاك المواد العصبية القابلة للتفاعل التي تولد الوعي، وأن الحيوانات بما في ذلك الثدييات والطيور وكائنات حية أخرى كثيرة، تتضمن الأخطوبيات، تمتلك تلك المواد العصبية القابلة للتفاعل. ويلاحظ عالم الأعصاب جاك بانكسب في هذا الصدد أن الانفعالات هي الشكل الأكثر بدائية لخبرة الوعي، وهي بذلك تعتبر جزءًا جوهريًا من التعلم.

ويتناول الفصل الرابع "التفكير: الاعتقاد، والمفاهيم، والعقلانية"، ويخلص إلى أن، بينما يتفق الكثير من الفلاسفة على أن الحيوانات لديها مفاهيم أو اعتقاد أو عقلانية فإن استدلالها على هذه الاستنتاجات يتخذ أشكالًا مختلفة جدًا. وترى أندروز أن موسوعة ستانفورد للفلسفة مصدر عظيم لتعلم المزيد حول النظريات الفلسفية التي نوقشت في هذا الفصل. وتوصي كذلك بقراءة كتاب "الحيوانات العقلانية" لدونالد دافيدسون (1982) وكتاب "هل للحيوانات اعتقادات؟" لستيفن ستيتش (1979).
  • تواصل الحيوانات
يتناول الفصل الخامس "التواصل"، وتنتهي فيه أندروز إلى أن السؤال عما إذا كانت الحيوانات تتواصل، هو مثل السؤال عن هل لدى الحيوانات اعتقاد؟ أي أنه سؤال يتطلب توضيحًا من أجل الإجابة عنه على نحو ملائم. وتضيف أن الأبحاث في المتطلبات المعرفية للتواصل القصدي تبدأ بافتراضاتنا بأن أطفال البشر يتواصلون في سن مبكر، وباستخدام طريقة المعايرة نستطيع أن ندرس فكرتنا عن التواصل القصدي، وكذلك القدرات المتنامية للأطفال، ليساعدنا ذلك على فهم أفضل بشأن ما يكونه معنى أن الأنواع المختلفة قد تتشارك في التواصل القصدي. على أن هناك شيئًا واحدًا يبدو واضحًا: إذا كان التواصل، سواء اللغوي أو غير اللغوي، تواصلًا قصديًا فإنه لا بد وأن يتضمن بعض نوع من فهم اجتماعي. وأحالت أندروز في نهاية هذا الفصل إلى كتاب "أصول التواصل البشري" 2008 لمايكل تامسيللو، وإلى كتاب "الرقصة الدينامية: التواصل غير اللفظي عند القرود العليا الكبرى الأفريقية" 2004 لباربارا كينج. كما أحالت إلى مصادر لتعليم الحيوان اللغة، ومنه الفيلم الوثائقي "مشروع نيم"، وكتاب "قرد الشمبانزي الذي سيكون إنساناً للباحثة إليزابيث هيس (2008).

في الفصل السادس وعنوانه "معرفة العقول"، نظرت أندروز في أمر الأبحاث عن المعرفة الاجتماعية، والسيكولوجيا الشعبية، ونظرية العقل / قراءة العقل في الأنواع الأخرى لتحديد كيف يبدو هذا الفهم. وخلصت أندروز هنا إلى أنّ في أبحاث القرود العليا الكبرى، تتكون الشخصيات موضع البحث على نحو يكاد يكون كليًا من حيوانات ولدت في حدائق الحيوان أو معامل الأبحاث، مع بعض بحث يتم إجراؤه على حيوانات المحميات. وتضيف أن إيجاد طرائق لاختبار قدرات قراءة العقل في عشائر القرود العليا البرية أمر فيه تحد يستحق مغالبته. وكما في أبحاث الفصيلة الكلبية حيث يتم اختبار الكلاب المحتجزة في حظيرة بجانب الكلاب المنزلية المدللة، وتقارن الذئاب التي تعودت على البشر بالذئاب البرية، فإنه بمثل ذلك يمكن بحث أمر اختلافات أو تشابهات العشائر بين القرود العليا الأسيرة والقرود العليا البرية، والقرود العليا في مختلف المواقف الاجتماعية.
  • الدائرة الأخلاقية
تختتم أندروز كتابها بفصل عنوانه "عقول أخلاقية"، وتخلص فيه إلى أن وضع الحيوانات المختلفة في الدائرة الأخلاقية يتلاءم بما قد يعتمد على خصائصها السيكولوجية، مثل قدرتها على الشعور بالمتعة والألم، أو إنشاء سمات شخصية  إيجابية  أو الاستجابة انفعالياً للمنبهات الأخلاقية، أو التفكير بشأن أسبابها للفعل. أو أنها قد تعتمد على العلاقات التي تدخل فيها الحيوانات مع الآخرين. هي ليست حاذقة بالدرجة الكافية لأن يكون لديها أخلاقيات أو أنها فقط لديها انفعالات بسيطة ولكنها تنقصها الانفعالات الأخلاقية، فهي لا تستطيع أن تتقمص عاطفيًا وليست عقلانية وهلم جرا. هكذا تصبح القضية نوع القدرة المطلوبة لأن تجعل السلوك الذي يبدو شبه أخلاقي سلوكًا أخلاقيًا حقيقيًا.

درس عالم الرئيسيات كمبرلي هوكنجز كيف تعالج قرود الشمبانزي أمر العبور الخطير للطرق، ووجد أن الذكور البالغين يشكلون صفوفًا حول الإناث والصغار لحمايتهم. ووجد الأنثروبولوجي جوت ميتاني أن قرود الشمبانزي في "نجوجو" في منتزه كيبال القومي في أوجندا يُغير أحد مجتمعاتها على مناطق المجتمعات الأخرى وتقتل الذكور من أجل اكتساب المناطق. وتنتهي أندروز إلى أنه مع تعلمنا للمزيد عن الحيوانات، وحياتها وهي حرة من التعديات البشرية، ستكون طريقة القياس عند ذلك مفيدة من أجل المساعدة على اتخاذ قرار عن موضع الحيوانات في الدائرة الأخلاقية. مع العلم أن نتائج هذه القرارات تعتمد إلى حد كبير على أبحاث الفلاسفة والسيكولوجيين الذين يدرسون السيكولوجيا الأخلاقية وطبيعة المعيارية، وتعتمد أيضاً على الأبحاث الأكثر عمومية عن القدرات المعرفية للحيوانات الأخرى.
 "اندبندنت عربية".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى