اصوات يمنية وعربية من مخيّم العدالة المناخية في لبنان

> منير قبلان

> أربعمئة وخمسون شابًا وشابة من نحو 100 دولة من دول عالم الجنوب، يمثلون جهات فاعلة في العمل المناخي ضمن أكثر المناطق تأثّرًا بتغيُّر المناخ حول العالم، أمضوا في لبنان أسبوعًا حافلًا في مخيّم "العدالة المناخية" الذي انتهت فعالياته منذ أيام.

المخيّم الذي أقيم في بلدة حمّانا – جبل لبنان، نظمته أكثر من أربعين منظمة وجمعية بيئية بدعوة من مؤسسة "جرينبيس"، خصصت أيّامه لمناقشة مواضيع على رأسها تعويض الخسائر والأضرار الناتجة عن التغيّر المناخي، والتكيّف المناخي، والانتقال التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري.

المتطوعة المصرية والباحثة في بناء المجتمعات هاجر البلتاجي تلفت في حديثها إلى أن الإعداد للمخيم استمر ستة أشهر، وقالت: "على أثر المخيم الذي أقمناه العام الماضي في تونس والذي نجحنا فيه، اليوم أقمنا هذا المخيم في لبنان للأهداف نفسها".

وتفصّل البلتاجي أهداف المخيّم وأولها بناء علاقات شراكة عابرة للحدود، ما بين الناشطين في مجال العدالة المناخية على مستوى العالم، خاصة في دول الجنوب، والتطلّع نحو استمرار هذه الشراكات لما بعد المخيم.

وتضيف: "لدينا هواجس مشتركة مع جميع البلدان في عالم الجنوب من القارات كافة، فكل المشاركين في هذا المؤتمر هم متضررون من تغير المناخ، سواء كانوا من أمريكا اللاتينية أو آسيا أو إفريقيا، وعلى اختلافاتهم العرقية والدينية والثقافية اجتمعوا على قضية واحدة وهاجس واحد ألا وهو البيئة، وهذا ما دفعهم للعمل بشكل جماعي من خلال الورش التي عقدت داخل المخيم".

أهمية خاصة للبنان

تتحدث المديرة التنفيذية لمؤسسة "جرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" غوى النَّكَت عن أهمية استضافة مثل هذا النشاط في لبنان، فهو يضع البلد على خارطة البيئة العالمية، خاصة مع تعقيد المشكلات البيئية التي يعيشها في السنوات الأخيرة.

واختيار المنظمين للبنان لم يكن صدفة، فهذا المخيّم يأتي قبيل انعقاد قمّة المناخ كوب 28 في الإمارات العربية المتحدة نهاية العام الحالي، وبالتالي كان لزامًا أن يكون في دولة عربية، فاختار المنظمون لبنان، أولًا لوجود مساحة من الحرية في جمع ناشطين من دول العالم وطرح القضايا التي تهمهم، وثانيًا لإعطاء تأشيرات الدخول للمشاركين دون تعقيدات وعرقلات.

إلا أن مشاركة لبنان كانت لافتة، مع وجود 80 لبنانيًا ولبنانية ضمن فعاليات المخيم، وتوكّد النّكَت أن هذا يأتي لإيصال صوت الشباب اللبناني للعالمية ومطالبهم، وإعطائهم فرصة للتواصل مع جنسيات أخرى ومع أشخاص لديهم خبرات كبيرة في مجال العمل المناخي، فيستفيدوا من هذه التجارب لإسقاطها على واقعهم.

برامج غنية وأغلبية نسائية

وفق النّكَت فإن تنظيم المخيّم يعد إنجازًا، خاصة مع كثافة الطلبات المقدّمة للمشاركة والتي تجاوزت 3000 طلب، ما يعكس حجم الوعي تجاه قضايا البيئة والمناخ لدى فئة الشباب، إلا أن العدد المطلوب كان 450 فقط، مقسمين على الدول المشاركة.

صمم المنظمون على أن تكون برامج المخيم منوّعة وممتعة وشاملة لكل المشاكل التي تواجه البيئة في العالم، فتضمن أكثر من 100 ورشة عمل بقيادة خبراء ومنظمات من المجتمع المحلي ومن الحراك المناخي، وكان هناك ورش مخصصة لموضوع التخطيط ووضع الاستراتيجيات والتحضير لمؤتمر المناخ كوب28 وتحديد المطالب، كما تضمن محاور حول التحول التدريجي والعادل من الوقود الأحفوري، والعدالة المناخية، والطاقة المتجددة، والتلوّث البلاستيكي، وإدارة النفايات، ومخاطر إزالة الغابات، كما تخلل المخيم دورات حول تنظيم الحراكات البيئية في مجتمعات عالم الجنوب.

أهداف المخيم لم تقتصر على المحاور البيئية بل كانت أشمل، فبحسب النّكَت ساهم المخيّم في تمتين الروابط والتشابك بين دول عالم الجنوب وتبادل الخبرات.

وكان لافتًا في المخيم الحضور النسائي، مع كون النساء الأكثر عرضة للتعرض وللتأثّر بأزمة التغيّر المناخي، وانطلاقًا من مفهوم العدالة المناخية، كان مهمًا أن تعطى النساء فرصة أكبر للمشاركة، فبلغت نسبتهن 68 % من المشاركين، وتضيف النكت ضمن هذا السياق: "كانت هناك ورش عمل للتشبيك بين النساء العاملات والناشطات في مجال العدالة المناخية، كما شاهدنا خلال المخيم انطلاق مبادرات نسائية تجمع بين النساء في إفريقيا والشرق الأوسط ودول الجنوب العالمي".

"نطمح بوصولنا نحن الشباب إلى القرار"

ترى علا السقاف، وهي ناشطة بيئية من اليمن، بأن أهمية المخيم تكمن بأن ناشطين بيئيّين من حول العالم اجتمعوا في مكان واحد، وتقول لرصيف22: "في اليمن لا يوجد تركيز على المشاكل البيئية رغم أنها كثيرة، التركيز فقط ينصبّ على المساعدات الإنسانية، لم يسبق أن اجتمعت في مكان يوجد فيه ناشطون يهتمون باهتماماتي ألا وهي البيئة، وهنا استطعت أن أوصل صوتي وصوت الناشطين اليمينين حول الأوضاع البيئية المتردية لدينا، ورغم خصوصيات الوضع في اليمن إلا أن هناك تشابكًا وتشابهًا كبيرين مع جميع البلدان، وخاصة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

بدورها تشير الناشطة البيئية المغربية فاطمة الزهراء طارب إلى أن المخيم فتح مجالًا للتواصل مع الناشطين داخل الدولة الواحدة ومن غير دول، وتضيف في حديثها لرصيف22: "سمح لنا المخيم بخلق شبكة من المعارف وساهم بتبادل الخبرات بين الناشطين، وأنا أطمح لأن نصل نحن الشباب إلى القرار، وأن ننقل كل هذه التجارب إلى حكومات بلادنا من أجل معالجة التدهور البيئي الذي نعيشه".

وحول الهواجس البيئية المشتركة تقول طارب: "مثلًا هنا في هذا المخيم التقيت بناشطين مغربيين لم أكن أعرفهم، واتفقنا على تعزيز العلاقة من أجل العمل على مشاريع بيئية في المغرب، ورفع الوعي لدى الناس وخاصة في المناطق التي تعاني من مشكلات بيئية خطيرة، عبر التشبيك والإعلام وبالاستعانة بكل الخبرات التي اكتسبناها في المخيم".

وحول هذه الخبرات يتحدث جيرانس موتوول وهو ناشط بيئي من كينيا: "هنا تكتسب خبرات كبيرة خاصة مع وجود أعداد هائلة من المشاركين، وبما أننا نتشارك في هواجسنا فالكثير من المعلومات يجري تبادلها والبحث فيها، مثلًا في كينيا لدينا هاجس الفيضانات وهذا ما ينعكس بشكل مباشر على السكان وعلى معيشتهم وحياتهم، ومشاركة موضوع الفيضانات هنا مع الناشطين الآخرين كان مجديًا وزوّدنا بالكثير من المعلومات".

ويضيف موتوول: "الموضوع الثاني المهم والذي يعني كل دول العالم ومنها كينيا هو التلوث البلاستيكي. لدينا الكثير من النفايات البلاستيكية التي تقتل أنهارنا وبحارنا، ومناقشة هذا الموضوع مع المشاركين أفادنا كثيراً من أجل اجتراح الحلول والعمل عليها، والمهارات والمعلومات التي اكتسبتها ستكون دافعًا لأشاركها في كينيا، وأعلّمها هناك للناس وللناشطين والمهتمين بالبيئة".

ويصف الناشط اللبناني في مجال النقل والتنمية شادي فرج المخيم بأنه "أول خطوة في الألف ميل، فنحن نعلم صعوبة الوضع السياسي في العالم العربي، ورفع صوت الشباب العربي خطوة مهمّة جداً، خاصة عندما تمتزج الخبرات والتجارب لتولّد الحلول للمشاكل والتحديات البيئية".

ويضيف فرج: "تكمن أهداف المخيّم أيضًا في التعرف على القضايا والنضالات المختلفة، ودعم أصوات المناضلين، وخلق شبكات غير رسمية في المستقبل القريب. من المهم وجود مروحة أكبر للمناضلين في قضايا البيئية والمناخ، كما أن الناشطين بدأوا العمل على وضع إطار شبكة مفتوحة للناشطين العرب لتوحيد جهودهم في ما يتعلق بموضوع التغير المناخي في المنطقة".

التوصيات إلى قمة المناخ

التوصيات وخطة العمل أصبحت بجعبة الفريق الذي أنجز المخيّم وهم ممثلو المؤسسات المنظمة، وقد عقدت جلسة خاصة بمؤتمر المناخ كوب28، ونوقشت المطالب الاستراتيجية التي رفعها المشاركون في المخيم، وبحسب النّكَت، فإن التوصيات ستتابع ما بعد المخيم، لتنقل إلى قمة المناخ المرتقبة في الإمارات العربية المتحدة.

وبحسب المنظّمين والقيمين، فإن محور هذه التوصيات سيكون تحميل الدول الغنية المسؤولية الأكبر عن التلوث، وإلزامها بأخذ زمام المبادرة في الانتقال التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري، ودفع التعويضات الماليّة عن الخسائر والأضرار، كذلك تمويل الانتقال العالمي السريع والعادل إلى الطاقة المتجددة والذي يضع احتياجات المجتمعات على الخطوط الأمامية.

وفي هذا السياق قالت النّكت: "سيكون هناك ممثلون عن الشابات والشباب الذين كانوا في المخيم ليشاركوا في قمة المناخ بصفة مراقبين، وفي نفس الوقت ستكون فرصتهم من أجل أن يوصلوا صوتهم من خلال المفاوضات ومن خلال الإعلام في القمة".

وختمت بأن المخيم لن يتوقّف عمله مع انتهاء أيامه، بل سيبقى هناك تعاون بين المشاركين والمنظمات، للدفع باتجاه العدالة المناخية وتحقيق المطالب التي وضعها جميع المشاركين والمشاركات.

"رصيف22 "

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى