العرب: استقالة مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان ليست انتصارا للبرهان

> «الأيام» العرب:

> تعامل مؤيدو قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان مع استقالة رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس على أنها انتصار سياسي لهم، ولم ينتبه هؤلاء إلى أن إفادته الأخيرة أمام مجلس الأمن تمثل إدانة للجيش الذي حمّله جزءا كبيرا من مسؤولية الحرب وتداعياتها. وقدم بيرتس شهادة وافية للمجلس، الأربعاء، شرح فيها الأوضاع الراهنة في السودان والمخاطر التي ستفضي إليها مستقبلا، وأبرزها اشتعال حرب أهلية في ربوع البلاد.

واستقبلت دوائر قريبة من البرهان والنظام السوداني السابق استقالته بترحيب شديد وكأن مهمة البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان "يونيتامس" انتهت، أو أن مجلس الأمن لن يعيّن بديلا، أو أن من سيأتي بعده سيتبنى وجهة نظر الجنرال البرهان.

ولم تدرك هذه الدوائر أن بعثة الأمم المتحدة مهمتها سياسية وتكمن في دعم الانتقال والتحول الديمقراطي وتسليم السلطة من الجيش إلى حكومة مدنية، ولا يرتبط ذلك بشخص معين، فمن يتولى رئاسة البعثة محكوم بتصورات أممية وليست شخصية.

تراجع الأهمية السياسية للبعثة الأممية قد يصيب قائد الجيش وفلول البشير بخيبة أمل ويأتي بنتائج عكسية

وجاء ارتياح هذه الدوائر للاستقالة اعتقادا في أن المبعوث الأممي استجاب للضغوط التي مورست عليه مؤخرا واضطرته إلى مغادرة السودان إلى كينيا، أو أن الأمم المتحدة رضخت لضغوط الخرطوم عليها، وهما استنتاجان غير دقيقين، لأن بيرتس أو غيره عمليا لن يستطيع أداء مهمته وأحد الأطراف الرئيسية في الأزمة يرفضه.

وعطّل اشتعال الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع في منتصف أبريل الماضي وفشل المبادرات المختلفة في وقفها ديمومة العملية السياسية التي كانت تقودها بعثة “يونيتامس” في السودان، وتمخض عنها اتفاق إطاري ينص على تسليم السلطة لحكومة مدنية، وهو ما خالفه قائد الجيش بمراوغاته المستمرة.

وباتت المهام السياسية التي تقوم بها البعثة الأممية شبه معطلة في خضم استمرار الحرب، وأصبح دور بيرتس عمليا يقتصر على تقديم التقارير ورفع المعلومات إلى أعضاء مجلس الأمن، والتي ترصد تطورات الأوضاع في السودان، ودور كل طرف في تغذية الصراع أو الحد من تصاعده.

ولا تمكّن الحالة التي وصل إليها السودان أي مبعوث أممي من القيام بدوره السياسي، فالحرب اتسع نطاقها ولم تعد محصورة في الخرطوم، وفرص تمددها في أماكن عديدة كبيرة مع إصرار الطرفين المتصارعين على تغليب الحل العسكري.

ويقول متابعون إن تراجع الأهمية السياسية للبعثة الأممية قد يصيب قائد الجيش وفلول البشير بخيبة أمل، حيث يفتح الباب للحديث عن تدخل دولي يعيد دور الأمم المتحدة إلى سابق عهدها في دارفور (يوناميد)، والتي لعبت دورا مهما في حفظ الأمن والسلم في الإقليم، والحد من ممارسات القوات المسلحة في مواجهة المدنيين.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن السعادة التي بدت على فريق الجنرال البرهان "خادعة" لأنهم حاولوا الترويج لانتصار معنوي عقب مخاطبات وتصريحات عنيفة صدرت ضد رئيس بعثة الأمم المتحدة، والإيحاء إلى أن الاستقالة جاءت نتيجة لذلك. وأكدت وزارة الخارجية السودانية في الثامن من يونيو الماضي أن الدبلوماسي الألماني (فولكر بيرتس) شخص غير مرغوب فيه ومنعته من دخول البلاد.

والحاصل أنه لا يحق لأي حكومة الإعلان أن مبعوث الأمم المتحدة غير مرغوب فيه أو تطرده من البلاد، وبموجب ميثاق المنظمة الدولية يتعين على الدول الأعضاء احترام مسؤوليها، ويمتلك الأمين العام للأمم المتحدة فقط السلطة لسحب موظفي المنظمة، وهو ما فعله أنطونيو غوتيريش، حيث قبل استقالة بيرتس بناء على رغبته. واتهم البرهان في نهاية مايو الماضي مبعوث الأمم المتحدة بتأجيج الصراع وطالب بإقالته، لكن المنظمة الأممية رفضت مرارا اتهامات البرهان لمبعوثها في السودان.

وواجه بيرتس اعتراضات مبكرة من تيارات سياسية موالية لنظام الرئيس السابق عمر البشير طالبت بإبعاده واتهمته بالتدخل في الشؤون الداخلية للسودان. وخلال خطابه أمام مجلس الأمن، الأربعاء، حذر بيرتس من اندلاع حرب أهلية في ظل تعبئة يقوم بها فلول البشير ودعوتهم إلى استمرار القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع. وبعث مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس في الثامن من سبتمبر الجاري بخطاب لمجلس الأمن حمل تحفظات على إحاطة يوم الأربعاء.

ولوح السودان بمقاطعة جلسة مجلس الأمن وإعادة النظر في التفويض الممنوح لبعثة الأمم المتحدة، إذا خاطب رئيسها الجلسة، وبمجرد البدء في إلقاء كلمته التي أعقبها بإعلان استقالته وانسحاب الوفد السوداني من القاعة. ولم يتمكن بيرتس في جلسة مجلس الأمن في أغسطس الماضي من تقديم تقريره واستبدل بمارثا بوبي مساعدة الأمين العام بأفريقيا لبناء السلام والشؤون السياسية.

وقال وزير الخارجية المكلف علي الصادق في حينه إن السودان نجح خلال جلسة مجلس الأمن حول الأوضاع في البلاد في استبعاد بيرتس عن الجلسة لأول مرة منذ تعيينه ممثلا خاصا بالسودان، بينما الحقيقة هي أن قرار اختيار المتحدثين بمجلس الأمن تتخذه الأمم المتحدة بمنأى عن أي ضغوط. وقد يطول وقت تعيين مبعوث جديد إلى السودان، لأنه يجري بالتوافق بين القوى الدولية الكبرى، والتي لديها تباينات لا تظهرها كثيرا حيال الحرب في السودان.

ويتبادل الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، الاتهامات بالمسؤولية عن بدء القتال في أبريل الماضي، وارتكاب خروقات خلال اشتباكات لم تفلح عدة هدنات في إيقافها، ما خلف أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، وأكثر من 5 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى