إعلاء الصفة الإنسانية لخدمات الكهرباء والمياه وتحريرها من الضغوط السياسية

> يواجه الجنوبيون حربًا حقيقية في مجال الخدمات، لا تقل خطورة عن الحروب المستمرة الدائرة على كل جبهات القتال، ترتب عليها خسائر لا حصر لها في الأرواح والمعدات الخاصة والعامة، وأضرار هائلة في الاقتصاديات العامة والخاصة.

فالحرب في مجال الخدمات تمثل المفتاح السحري للعدو، يستطيع الوصول فيه لإلحاق الضرر بالإنسان، في مسكنه ووظيفته وفي المصنع والمستشفى، بل وفي حالات كثيرة إلى حصد أرواح السكان بين صفوف المرضى وكبار السن والأطفال، وخلق كل أشكال الفتن بين أفراد الشعب وقياداته.

ولمواجهة هذه الحرب الصامتة التي تشتد خطورتها وتزداد تداعياتها السلبية على معنويات الناس، ينبغي العمل بما يلي:

أولا: رفع مستوى الصحوة والوصول إلى تشخيص حقيقي يلامس جوهر المشكلة ويقدم معالجات، للخروج من أزمة الخدمات والتعامل معها بأعلى درجات المسؤولية الوطنية، ويأتي تحريرها من الضغوط السياسية الحكومية والخارجية، ووضعها في إطارها الإنساني في مقدمة تلك المعالجات وأهمها على الإطلاق.

ثانيًا: يبدأ ذلك بإنشاء "الصندوق الوطني لدعم الخدمات" يتمتع الصندوق باستقلالية كاملة ويمارس سلطة كاملة في مجال الخدمات، ولا يخضع لأي سلطة إدارية حكومية، أو وصايا خارجية أو داخلية من أي كان، وتكون له صفة الإجراء الاستثنائي المؤقت لمعالجة مشكلات المرحلة الانتقالية الحالية.

ثالثًا: يتم اختيار وتكليف فريق من رجال القانون بإعداد اللائحة الداخلية لتنظيم عمل الصندوق وعلاقاته بالجهات الداعمة وبالدوائر والمؤسسات الخدمية.

رابعًا: مصادر تمويل الصندوق وتأمين استقلاليته، بهدف نجاح الفكرة، وتأمين استقلالية الصندوق وتسخير موارده، لمعالجة المشكلات الخدمية (كهرباء وماء)، يتطلب تعدد الروافد المعنية بتمويل الصندوق والسير في تحقيق الآتي:

1 - قيمة استهلاك الطاقة الكهربائية واستهلاك المياه والصرف الصحي وفقًا لما يلي:

أ - اتباع منهج صارم في تحصيل المبالغ المستحقة (قيمة الاستهلاك) من المؤسسات والمرافق الحكومية، ومن يدخلون في مصنف الشريحة التجارية، والسفارات، والقنصليات، والمنظمات الأجنبية العاملة في بلادنا.

ب - تصحيح العلاقة بين مؤسستي الكهرباء والمياه والمواطنين المستهلكين الداخلين في مصنف الشريحة المنزلية، تمهيدًا لانتظام تحصيل مستحقات قيمة الاستهلاك منهم للمؤسستين.

التصحيح وإعادة العلاقات إلى مسارها السليم، يبدأ بالإقرار بالمشكلات التي حدثت في سنوات الأزمات والحرب والتي مست المؤسستين، وما ترتب عليها من تداعيات طالت جميع المواطنين المستهلكين لخدمات الكهرباء والماء، حيث تعرضت المؤسستين، لانهيار شبه كلي ترتب عليه عجز شبه تام في تأمين المواطنين بخدمة الكهرباء والماء، حتى وإن بذلت بعض الجهود لتخفيف المعاناة وتوصيل الخدمة كانت في الغالب ترافقها انقطاعات طويلة ومملة، لها أضرار لا تحصى على المستهلكين منها إتلاف المستهلكات المنزلية (ثلاجات، تلفزيونات، مكيفات، وكل أنواع الأجهزة الكهربائية والإلكترونية)، واضطرار المواطنين لشراء مواطير، وألواح الطاقة الشمسية، وشواحن، وبطاريات، والمستهلكات الاقتصادية، ودينمات، وخزانات مياه، وشراء المياه وتوصليها إلى المنازل بصهاريج المياه، ولنا أن نتخيل حجم التكاليف والأعباء التي تحملها المواطن جراء ذلك.

ج - لكل هذه الأسباب وغيرها يستوجب اتخاذ جملة من التدابير لتصحيح العلاقة بين المؤسسات الخدمية ومستهلكي الشريحة المنزلية ليشمل الآتي:

- إصلاح التسعيرة وإلغاء نظام الاتجاه التصاعدي لتسعيرة الاستهلاك المنزلي، والإبقاء على تسعيرة "الوحدة الأولى" لكل الاستهلاك المنزلي أيًا كان سقفه.

- إلغاء المديونية (قيمة الاستهلاك القديم) على مستهلكي الشريحة المنزلية، مقابل ما لحق بهم من خسائر وأضرار خلال السنوات الماضية.

- إصلاح وتجديد العدادات المنزلية وتصفيرها (عدادات الكهرباء والمياه).

- حتى يتم الانتهاء من إصلاح العدادات يحدد مبلغ خمسة ألف ريال على كل منزل، تدفع لميزانية صندوق دعم خدمات الكهرباء والماء، وبعد تركيب العدادات يتم الاحتساب بالعدادات حسب الاستهلاك، ويلزم المستهلك بالتسديد كل شهر بشهره.

- فتح باب التبرعات الموجهة لدعم الصندوق الوطني لدعم الخدمات، ورفع نسبة إسهام المجتمع في حل هذه المشكلة.

- معالجة مشكلات الربط العشوائي والاستهلاك المجاني في المباني العشوائية، وكذلك الربط العشوائي المزدوج، والسحب من أكثر من خط كهربائي إلى ذات المبنى.

2 - الرافد الثاني لتمويل صندوق دعم الخدمات هو الدعم المقدم من الرافعة الوطنية لرجال المال والأعمال ومواطني الجنوب في المهجر، وقد أعلن البعض منهم استعدادهم للمساهمة في حل الأزمة.

3 - الرافد الثالث لتمويل الصندوق هو تخصيص عدد من الأراضي المميزة من أراضي وعقارات الدولة وبيعها بالمزاد لرجال المال والأعمال الجنوبيين، وتوريد عائداتها لدعم ميزانية الصندوق.

4 - الرافد الآخر: أي دعم إنساني غير مشروط يأتي من المنظمات غير الحكومية ومن الدول الأجنبية.

5 - أي مبالغ غير مشروطة ترصدها الحكومة لدعم خدمات الكهرباء والمياه تحت مسمى ميزانية أو ما شابه ذلك، دون أن يعطيها ذلك الحق في التدخل في إدارة شؤون الكهرباء والمياه.

خامسًا: إصلاح بنيوي وإداري لمؤسستي الكهرباء والمياه، وتخليصهما من الفساد والمفسدين.

سادسًا: يتولى الإعلام الجنوبي المرئي والمسموع والمقروء بلورة هذه الأفكار وتشكيل وعي جمعي لكل أبناء الجنوب، للتعامل مع خدمات الكهرباء والماء.

* أستاذ الفلسفة السياسية المساعد، كلية الآداب جامعة عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى