مصر تسابق الزمن لتفادي خسائر ناجمة عن ممرات إقليمية واعدة

> محمد أبو الفضل:

> ​منذ الإعلان عن الممر الاقتصادي الجديد في قمة العشرين التي عقدت في نيودلهي أخيرا، تنتاب الكثير من المصريين حالة من القلق على مصير قناة السويس، فالممر القادم من الهند مرورا بكل من الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، وصولا إلى أوروبا، بدا كأنه موجه ضد بلدهم، المستثنى من الممر العابر للشرق الأوسط، ويؤثر على القناة التي تربط البحرين المتوسط والأحمر والعالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.

وينطوي الممر الجديد على أهداف اقتصادية وسياسية عديدة، خاصة بوضع الهند في منظومة القوى الكبرى ودور الصين وممرها العملاق الحزام والطريق والعلاقات مع إسرائيل، وليس المقصود به في حد ذاته الإضرار بالمصالح المصرية مباشرة، لكن روافده يمكن أن تؤدي إلى خسائر إذا لم تحسن القاهرة التعامل مع نتائجه، فبموجبها تتغير خرائط وتحالفات دولية وتفاعلات إقليمية، وتصعد دول وتهبط أخرى.

لم يكن المشروع الهندي أو غيره من المشروعات السابقة واللاحقة التي تم الحديث عنها حول إنشاء شبكة طرقات تنقل التجارة والغاز والنفط بين الشرق والغرب، مفاجئة للعقل المصري، فقد سمعنا عن خط روسي وآخر إسرائيلي وثالث عراقي – تركي، وكلها يمكن أن تؤثر على مكانة قناة السويس في التجارة العالمية.

انتبهت القاهرة إلى هذه المشروعات مبكرا وأدركت أن بقاء القناة التاريخية على حالها من الصعب التيقن منه، فقامت بتوسيع القناة لتستوعب مرور السفن العملاقة التي لن تتحمل الخطوط الجديدة نقل حمولتها عبر الشاحنات والسكك الحديد برا، وشرعت في تطوير المنطقة الصناعية في شرق قناة السويس لتوطين بعض الصناعات من دول مختلفة فيها، وقامت بتطوير جميع الموانئ في العريش بشمال سيناء، والإسكندرية، والعين السخنة وسفاجا، على البحرين المتوسط والأحمر.

أضف إلى ذلك، تدشين خطوط عملاقة للسكك الحديد لربط البحرين، فالقطار السريع لنقل البضائع والركاب من العلمين على البحر المتوسط إلى سفاجا على البحر الأحمر، ثم إلى أسوان في جنوب مصر، ليس الهدف منه خدمة تنقلات المواطنين فقط، بل تشجيع السياحة القادمة من الخارج وسهولة نقلها من وإلى الأراضي المصرية، ونقل البضائع من أوروبا إلى آسيا والعكس، كخطوط موازية وداعمة لدور قناة السويس.

كما تقوم الحكومة المصرية بإنشاء خط سكك حديد يربط شمال سيناء على البحر المتوسط بجنوبها على البحر الأحمر، وهو خط سوف يكون موازيا لمجرى قناة السويس، ومعززا لمكانة مصر في النقل بحرا وبرا.

وكشفت الحكومة المصرية عن طموحات كبيرة للربط البري مع دول شمال أفريقيا، حيث هناك ما يسمى بالطريق الدولي في شمال مصر ويصل بورسعيد في مصر شرقا بحدود ليبيا غربا، بمسافة أكثر من ألف كيلومتر، علاوة على التفكير مستقبلا في إحياء مشروع الربط البري بين الإسكندرية على البحر المتوسط وكيب تاون في جنوب أفريقيا، ويمر بغالبية الدول الأفريقية القريبة من هذا الممر.

وتريد القاهرة من شبكة الطرقات البرية وتطوير الموانئ البحرية وتهيئة المنطقة الصناعية في شرق قناة السويس، تحويل الخسائر المتوقعة من الممرات الإقليمية المعلن عنها أو التي يتم التفكير فيها إلى مكاسب، حيث انتبهت إلى المخاطر التي سوف تحملها مستقبلا، وهي على يقين أن قناة السويس لن تستمر بمفردها محتكرة للنقل البحري في المنطقة ويمر عبرها نحو 12 في المئة من التجارة العالمية.

وتواجه المشروعات المصرية تحديات كبيرة لتنفيذها، فقد تم تطوير غالبية الموانئ المصرية على البحرين المتوسط والأحمر، وتشييد مجموعة كبيرة من الطرقات البرية، والتأسيس لبنية تحتية جيدة في مناطق كثيرة من البلاد، غير أن المشكلة الرئيسية تكمن في تنفيذ مشروعات السكك الحديد العملاقة وتوفير الموارد المالية اللازمة لها.

وتواجه مصر أزمة ديون مستعصية، فحجم القروض بلغ 165 مليار دولار، وخدمة الديون تستنزف جزءا كبيرا من الموارد المصرية، والتعويل على استكشافات الغاز لم تعد مؤشراته مبشرة كما قيل في السنوات الماضية، ما يعني أن هناك أزمة في التمويل، فالاستمرار في القروض لم يعد خيارا مناسبا للقاهرة، وباب المساعدات والمنح والمعونات أغلق تقريبا من قبل الدول الصديقة والحليفة، وأصبح مربوطا بشروط استثمارية يمكن أن تسبب إرهاقا للدولة المصرية.

اللافت أن المشروعات التي تخطط لها مصر تتعارض مع أهداف الخطوط الإقليمية والدولية، في مقدمتها الممر الهندي، وليس منطقيا أن تحصل القاهرة على مساعدات من دول تقف خلف هذا الممر وتؤيد أهدافه، ما يضع الممرات المصرية في ورطة بشأن توفير الإمكانيات اللازمة لتنفيذها.

كما أن المنطقة الصناعية التي يتم الحديث عنها في شرق قناة السويس والتي يمكن أن تصبح مقرا واعدا لتجارة الترانزيت ربما لن تجد ما يكفي لدعمها ماديا، لأنها قد تنافس منطقة جبل علي في الإمارات التي رسخت أقدامها في هذا النوع من التجارة، وبها مستثمرون من دول مختلفة يريدون الحفاظ على مكانتها في التجارة العالمية.

ورسمت الحكومة المصرية مجموعة كبيرة من الخرائط البرية والخطوط البحرية في مجال الممرات، ونجحت في تنفيذ بعضها، غير أن معظمها يواجه أزمة عميقة في توفير التمويل المادي، وعدم تحديد الأولويات بصورة دقيقة.

وأسهم الإنفاق بسخاء على شبكات من الطرقات والتوسع في بناء الجسور على اعتبار أنها تخدم الممرات الجديدة في زيادة حدة الأزمة الاقتصادية، حيث قضمت جزءا كبيرا من الأموال، وزادت مع التصميم على إنشاء عاصمة إدارية في شرق القاهرة بالتوازي مع كل ذلك، حتى استنفدت جانبا آخر.

وقادت هذه المعطيات القاهرة إلى مواجهة مأزق حاد لمواصلة تنفيذ مشروعاتها العملاقة عبر توفير الموارد من خلال بيع عدد كبير من المؤسسات والشركات المملوكة للدولة، أو الدخول في شراكات متباينة مع قوى إقليمية ودولية يمكن أن تؤثر على الأهداف الإستراتيجية لمشروعات مصرية تتقاطع مع ممراتها الاقتصادية.

وتواجه الحكومة المصرية أزمة هيكلية في عملية بيع بعض الشركات المملوكة للجيش، ولا تريد تخفيف الدور الاقتصادي للمؤسسة العسكرية بالطريقة التي تسمح بالمنافسة الحرة بينها وبين القطاع الخاص، وتمنح ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري.

ربما يكون النظام الحاكم لديه من المبررات ما يكفي لتمسكه بهذا الدور لاعتبارات حيوية، غير أن ذلك يخل بمعايير المنافسة، ما يرخي بظلال سلبية على بعض المشروعات التنموية العملاقة التي لن تستطيع الدولة مواصلة الاستمرار فيها وسط غياب الموارد المالية الكافية، لأن كل الممرات الواعدة في الأراضي المصرية تحتاج إلى أموال طائلة يصعب توافرها في ظل الضغوط الاقتصادية الراهنة.

وقد تكون القاهرة مضطرة لتجميد العمل في بعض المشروعات وإعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية، لكنها إذا اقتربت من ملف الممرات وأوقفت العمل فيه ستخسر كل ما كان يمكن أن تربحه من مزايا نسبية بحكم عامل الزمن الذي يلعب لصالحها، فلا تزال الممرات الموازية في طور المقترحات والدراسة ولم تدخل حيز التنفيذ.

بينما المشروعات المصرية قطعت شوطا حقيقيا وإذا توقفت تحت ضغط الشح أو الندرة يمكن أن تصبح فوائدها الاقتصادية أقل في المستقبل مع قدرة الدول المشاركة في المشروعات الإقليمية على توفير ما يلزمها من أموال لإنجازها سريعا.

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى