انزعاج أمريكي من زيارة حفتر إلى موسكو تقابله روسيا بالسخرية
> واشنطن "الأيام" العرب:
يبدو أن زيارة قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر إلى موسكو ولقاءه مع الرئيس فلاديمير بوتين قد أثارا حفيظة واشنطن وانزعاجها، وأخرجا الجانب الأميركي عن سياسة التحفظ، وفسحا المجال أمام احتمالات عدة قد تتبين مساراتها خلال الفترة القادمة. وحذر متحدث باسم البيت الأبيض المشير حفتر وغيره من القيادات الليبية من الاعتماد على روسيا، وقال "نحن (الإدارة الأميركية) نحذر حفتر وغيره من القادة الليبيين من الاعتماد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وبحسب ممثل الإدارة الأميركية "يجب على القادة الليبيين أن يتّحدوا خلال الأزمة"، مضيفا أن واشنطن "على اتصال بالحكومة لتقديم الدعم”، في إشارة إلى حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها والتي تباشر مهامها من العاصمة طرابلس.
كما حذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر من الآثار المزعزعة للاستقرار لإقامة علاقات مع روسيا، مؤكدا أن أي دولة تفكر في الانخراط أو تعزيز العلاقات مع روسيا، وكذلك التوقيع على اتفاقيات، يجب أن تكون واضحة للغاية بشأن تأثير الأنشطة الروسية المزعزع للاستقرار.
في المقابل علقت السفارة الروسية لدى ليبيا بأسلوب ساخر ومستفز على الموقف الأميركي، وقالت في تعليق عبر قناتها بتطبيق تليغرام "واشنطن تواصل إمتاعنا. ضحكنا طوال المساء". ويرى مراقبون أن الموقف الأميركي جاء ليؤكد أن واشنطن لم تكن على علم مسبق بزيارة حفتر إلى موسكو، وأنها غاضبة من تلك الزيارة، وتعتبرها تحديا لإرادتها.
وكان بوتين قد بحث مع حفتر الخميس الماضي خلال لقائهما في الكرملين الوضع في ليبيا والمنطقة بشكل عام، بحسب تصريحات المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف. واستقبل الرئيس الروسي ووزير دفاعه سيرغي شويغو في موسكو الجنرال حفتر الذي يرتبط بعلاقات وطيدة مع القيادة الروسية بعد أن تلقى منها مساعدات مهمة خلال الحرب التي قادها على الجماعات الإسلامية المتشددة في شرق ليبيا منذ تدشينه معركة “الكرامة” في ربيع 2014.
وبحسب قيادة الجيش الوطني الليبي، فإنه تم “إجراء مشاورات خلال زيارة حفتر إلى روسيا بشأن التطورات في ليبيا، والعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها وتطويرها، بالإضافة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
وأشار محللون سياسيون ليبيون إلى أن موقف واشنطن لا يزعج الجنرال حفتر الذي ينطلق من جملة اعتبارات من بينها أن حلفاءه في المنطقة هم الحلفاء الإستراتيجيون للولايات المتحدة، وأن دوره في ليبيا يتخذ أبعادا إستراتيجية مهمة في تكريس التوازنات الأمنية السياسية والاجتماعية، كما أن الرجل القوي في شرق ليبيا ينطلق من قاعدة اجتماعية واسعة ومن تأثير مالي واقتصادي كبير نتيجة سيطرة قواته على أغلب الحقول والموانئ النفطية في البلاد، بالإضافة إلى إثبات واشنطن عجزها عن التأثير الفعلي على الواقع السياسي وخاصة في المنطقة الغربية التي كانت وراء الإطاحة بأغلب محاولات حلحلة الأزمة المتفاقمة منذ العام 2011.
وكانت واشنطن عبرت في 2017 عن قلقها الكبير من النفوذ الروسي في ليبيا، وقالت القيادة الأميركية في أفريقيا إن ثمة صلة "لا يمكن إنكارها" بين موسكو وحفتر، متحدثة عن وجود روسي على الأرض في المنطقة، معتبرة أن المحاولات الروسية للتأثير في ليبيا مثيرة للقلق.
وفي الأعوام اللاحقة تكررت التحذيرات الأميركية لكن دون جدوى، وفي يناير الماضي حل وليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية ببنغازي لينقل إلى الجنرال حفتر موقف واشنطن الداعي إلى قطع العلاقات مع موسكو وإجلاء مسلحي فاغنر من الأراضي الليبية.
وبات هناك اعتقاد راسخ لدى جانب مهم من الشارع الليبي بأن واشنطن تتدخل بقوة في الشأن الليبي، ولكنها عاجزة عن تغيير الواقع، وأن موسكو تتحرك بهدوء، وهي أكثر فاعلية لاسيما من خلال علاقاتها مع قيادة الجيش في شرق البلاد ورموز النظام السابق، كما أنها لم تقطع جسور التواصل مع سلطات المنطقة الغربية، وهو ما تؤكده عودة نشاط سفارة روسيا بكامل إمكانياتها من العاصمة طرابلس بداية من سبتمبر 2022.
رجحت أوساط سياسية ليبية أن يكون قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر قد تعرض خلال اجتماعه مع الوفد الأميركي برئاسة قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا الجنرال مايكل لانجلي إلى ضغوط، وهو ما دفعه لاستعجال زيارة روسيا التي حظي خلالها بلقاء الرئيس فلاديمير بوتين.
وجاءت زيارة الوفد الأميركي في ظل حديث عن إجراءات أمنية مشددة في مدينة درنة، بدا أن الهدف منها كبح أيّ بوادر تمرد في المدينة بعد مظاهرة نظمها سكانها طالبوا خلالها بتدخل أممي لإدارة توزيع المساعدات والإشراف على إعادة الإعمار ما يعكس مدى انعدام الثقة بالسلطات بما في ذلك الجيش بقيادة حفتر.
ومن المرجح أن يكون حفتر قد تعرض خلال لقائه بالوفد الأميركي إلى ضغوط خاصة وأنه الحاكم الفعلي للمنطقة منذ 2014 ولا يتوانى عن التدخل في الشؤون المدنية والخدمية، وبالتالي فإنه يتحمل المسؤولية في الكارثة التي حلت بالمدينة بسبب التغاضي عن ترميم السدين ما أدّى إلى انهيارهما خلال الفيضانات التي اجتاحت المنطقة الشرقية يوم 10 سبتمبر لكن خسائرها تركزت في درنة.
ولم يرشح عن اللقاء الكثير سوى تأكيد لانجلي دعم تشكيل حكومة يتم اختيارها ديمقراطيا، ما يعني تراجع واشنطن عن دعم تشكيل حكومة تكنوقراط تشرف على الانتخابات وهو مطلب طالما نادت به السلطات في الشرق، وبقاء حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة إلى ما بعد الانتخابات.
ولا يخفى امتعاض الولايات المتحدة من العلاقات القوية بين بنغازي وموسكو وخاصة استعانة حفتر بمجموعة فاغنر الروسية خلال حرب طرابلس، وكان ذلك أحد العوامل التي زادت من التوتر بين الطرفين خلال السنوات الأخيرة.
وكانت استعانة حفتر حينذاك بفاغنر بمثابة رد على رفض واشنطن لتحركه العسكري نحو طرابلس، لكن تدخل المجموعة لم يحدث فرقا كبيرا في الحرب، وما زاد من تدهور الأوضاع انسحابها مع دخول القوات التركية والمرتزقة السوريين، ما دفع حفتر إلى سحب قواته، على وقع حديث عن صفقة روسية – تركية تفضي إلى إنهاء المعركة في طرابلس لصالح حكومة الوفاق حينها.
وساد الفتور منذ ذلك الوقت العلاقات بين حفتر وموسكو التي بدت مهتمة بدعم أنصار النظام السابق وخاصة سيف الإسلام ابن العقيد الراحل معمر القذافي، وبدا حفتر معزولا دوليا وإقليميا وفي نفس الوقت مضطرا للاعتماد على فاغنر في حراسة بعض المناطق الحيوية مثل حقول النفط وبعض القواعد العسكرية في الشرق والجنوب، على وقع مخاوف من هجوم مفاجئ من طرابلس على تلك المناطق.
ويعيد الاهتمام الروسي بحفتر الاعتبار له، لذلك يبدو متحمسا لتعميق التعاون العسكري مع روسيا رغم ما تنطوي عليه الخطوة من مخاطرة قد تضع ليبيا في قلب الصراعات الدولية وخاصة الصراع المتنامي على أفريقيا.
وقال المحلل السياسي الليبي محمود شمام “بعد لقاء بوتين بالمشير حفتر يصبح التحالف رسميا وتجلياته ستظهر في منطقة دول الساحل”، مضيفا “هل يكون الرد الأميركي في ليبيا أو ستعتبرها واشنطن منطقة نفوذ روسية قابلة للكر والفر”.
وسبقت زيارة حفتر إلى موسكو زيارتان لوفد روسي إلى بنغازي بقيادة نائب وزير الدفاع يونس بيك يوفكيورف، الأولى في أغسطس الماضي بحث خلالها تعميق التعاون العسكري بين الجانبين وهو ما ربطه حفتر، وفق تسريبات، بضرورة أن يتم الارتقاء بالعلاقات كي تصبح معلنة ورسمية مع ضمان الحصول على تزكية من مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح. أما الزيارة الثانية فكانت يوم 17 سبتمبر وبحث خلالها سبل تقديم الدعم الروسي بعد عاصفة “دانيال”.
بدوره يرى المحلل السياسي الليبي محمد بويصير أن “ليبيا بموقعها تختلف عن النيجر بل وعن السودان وأيضا سوريا، فهي من تخوم النظام الأمني الأميركي في أوروبا والسيطرة على شواطئها تعني تهديده، لذلك من المتوقع أن رد فعلها سيتصاعد”.
وأضاف “فبعد أن تبنت سياسة التصريحات والبيانات التي تحذر من الوجود الروسي في ليبيا وإرسال باقة من مسؤوليها لتحذير الجنرال حفتر من ذلك، ربما نرى خطوة أخرى إلى الأمام وهنا نكون قد دخلنا وسط صراع الكبار الذي قد يكون قاسيا على ليبيا وندفع ثمن نزعات الجنرال السلطوية التي لا يرى سواها واستثمر فيها الروس”.
وكانت الرئاسة الروسية أكدت الخميس أن بوتين استقبل حفتر في مبنى الكرملين بالعاصمة موسكو.
وقال متحدث الرئاسة ديميتري بيسكوف، في مؤتمر صحفي، “بالفعل، عقد اللقاء بين بوتين وحفتر في الكرملين اليوم (الخميس)”.
ووصل حفتر الثلاثاء إلى روسيا لإجراء مباحثات مع مسؤولي البلاد بشأن تطورات الأوضاع في ليبيا، والعلاقات الثنائية، بناء على دعوة من موسكو، وفق بيان آخر للمصدر ذاته، في اليوم نفسه.
وتشمل الزيارة مباحثات بشأن “العلاقات الثنائية بين البلدين وسُبل تعزيز دعمها وتطويرها والقضايا ذات الاهتمام المُشترك”.