هل تحولت الأمم المتحدة إلى منظمة مساعدات إنسانية على نمط "دبلوماسيون"؟

> نيويورك "الأيام" العرب:

> ​وُصِفت الأمم المتحدة على الصعيد السياسي بأنها فاشلة لأنها في سعيها لحل بعض الصراعات العسكرية والحروب الأهلية الماضية والمستمرة في العالم لم تحقق سوى نتائج هزيلة وعجزت في العديد منها، بما في ذلك فلسطين والصحراء المغربية وكشمير وأوكرانيا واليمن وأفغانستان وسوريا والسودان وميانمار، وغيرها.

لكن الأمم المتحدة أحرزت بعض التقدم الملحوظ في توفير الغذاء والمأوى والرعاية الطبية للملايين من الأشخاص العالقين في صراعات عسكرية، بما في ذلك في أوكرانيا والسودان وسوريا وليبيا والصومال.

ويطرح هذا تساؤلا: هل تحولت الأمم المتحدة تدريجيا إلى منظمة مساعدات إنسانية على نمط “دبلوماسيون بلا حدود”؟

وكان إدخال إصلاحات على الأمم المتحدة مطروحا للنقاش منذ عقود، بما في ذلك تنشيط الجمعية العامة، وزيادة عدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والافتقار إلى تمكين المرأة على أعلى المستويات في التسلسل الهرمي للأمم المتحدة، مع كون التسعة أمناء من الرجال وتسجيل 4 نساء فقط من أصل 78 رئيسا للجمعية العامة. ولا تزال هذه القضايا قائمة.

وقالت ناتالي ساماراسينغ، المديرة العالمية للمناصرة في مؤسسات المجتمع المنفتح خلال مقابلة مع خدمة إنتر برس، “إن التغيير يمثل تحديا في الأمم المتحدة”.

وتقوم المنظمة على الموازنة بين المبدأ والسياسة، ولا يسود الأول إلا عندما يكون من الممكن التوافق مع الثاني.

وكانت المنظمة متمردة، حيث دعمت الكفاح ضد الاستعمار والميز العنصري، ومساعدة المهمشين على النهوض بقضيتهم من خلال التنمية وحقوق الإنسان.

وفي نفس الوقت ساعدت في الحفاظ على هياكل السلطة التي كانت سائدة عام 1945. وينعكس هذا على أولويات الأمم المتحدة وبرامجها وموظفيها.

ويقول الباحث ضاليف دين في تحليل نشر على خدمة إنتر برس إن هذه الصيغة تبدو أضعف الآن، حيث تبدو المنظمة هامشية في مجال السلام والأمن، وتكافح من أجل تنسيق الاستجابات العالمية لصدمات السنوات الأخيرة.

ويضيف دين أن هذا لا يعني أنها لا يمكن أن تتغير؛ فلن تكون الأمم المتحدة مألوفة لمؤسسيها بشكلها الحالي، أي بتركيزها القوي على التنمية المستدامة، وبلوغها أربعة أضعاف عدد الدول الأعضاء الموجودين في البداية، وهيئاتها المكرسة لجل مجالات المشاغل الإنسانية.

ولا يذكر ميثاق الأمم المتحدة الخوذ الزرقاء الشهيرة أو اليونيسيف التي ربما تكون “العلامة التجارية” الأكثر شهرة للمنظمة. كما لا يلمّح إلى دور الأمين العام باعتباره أعلى دبلوماسي في العالم.

وتعد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والتحالف العالمي للقاحات والتحصين، الذي لم يكن من الممكن تصوره قبل سبعة عقود، من الأمثلة الأخرى على قدرة الأمم المتحدة على التكيف مع الحقائق الجديدة.

لكن أجزاء أخرى من المنظمة تبدو مجمدة زمنيا، وأبرزها مجلس الأمن. ومن المحبط أن احتمال تعيين امرأة في منصب الأمين العام مازال يبدو بعيد المنال، أو أن أربعة فقط من رؤساء الجمعية العامة الثمانية والسبعين كانوا من النساء.

ويرى دين أنه لا ينبغي أن يكون هذا هو سقف الإصلاح، بل يجب أن يكون أرضيته. أما مجلس الأمن فقد يكون هو الموقع الذي لا يتوقع تغيره بسهولة. لكن المأزق الذي تردّى فيه شكلا ومحتوى هو الذي أذكى إرادة الإصلاح داخل الجمعية العامة لتشكل هيكل توازن للمجموعة المغلقة والمتحكمة في المجلس.

وأصبحت الجمعية العامة تشكل ما يشبه البرلمان العالمي. وتزايدت أهميتها مع تزايد إحباط البلدان ذات الدخل المنخفض من تحمل وطأة الصدمات العالمية دون أن يكون لها أي دور حقيقي في إيجاد الحلول.

ويبقى هذا جزءا من اتجاه أوسع شمل في 2016 إدخال تحسينات على عملية اختيار الأمين العام للأمم المتحدة، ونجاح ليختنشتاين في ضمان أن يؤدي استخدام حق النقض في المجلس إلى إثارة النقاش تلقائيا في الجمعية العامة، وآلية التحقيق في سوريا. لكن العمل الحقيقي من المرجح أن يكون خارج نيويورك.

ويبدو أن زعماء، مثل الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي إيمانويل ماكرون، قد استجابوا لدعوات ميا موتلي ونانا أكوفو أدو وآخرين لإصلاح البنية المالية الدولية. ورددت مجموعة العشرين في نيودلهي اللغة الواردة في مبادرة بريدجتاون وأجندة مجموعة العشرين بشأن قضايا مثل الديون والحصول على رأس المال.

ويدل كل هذا على أننا ربما وصلنا، أخيرا، إلى نقطة لم تعد البلدان الأصغر حجما والأكثر ضعفا قادرة فيها على تحمل الوضع الراهن، وتدرك البلدان الأكبر حجما والأكثر ثراء فيها أن الاعتماد المتبادل ليس مجرد مفهوم.

وأكدت باربرا وودوارد، سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة، في مؤتمر صحفي عقد الشهر الماضي على “طموح المملكة المتحدة لدفع إصلاح النظام متعدد الأطراف إلى الأمام”، قائلة “نريد أن نرى توسيع المقاعد الدائمة في المجلس لتشمل الهند والبرازيل وألمانيا واليابان والتمثيل الأفريقي”. ولكن حتى لو اعتمدت الجمعية العامة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الاقتراح، فيجب متابعته بتعديل ميثاق الأمم المتحدة.

وكان تشكيل مجلس الأمن عبارة عن تسوية حتى في 1945، حيث كانت العضوية الدائمة وحق النقض يهدفان إلى تشجيع القوى الخمس في ذلك الوقت على حراسة النظام الدولي. وتحطم هذا الوهم قبل أن يجف الحبر على الميثاق، عندما قطعت الحرب الباردة شهر العسل الذي عاشته المنظمة.

ويبقى حل الصراعات طويلة الأمد مثل فلسطين وكشمير مستعصيا، بينما تتراكم الأزمات في أفغانستان وإثيوبيا وهايتي وميانمار والسودان وسوريا وأوكرانيا.

ويرى بعض المعلقين أن العدوان الروسي الوحشي ليس المرة الأولى التي يغزو فيها أحد الأعضاء الخمسة الدائمين دولة ما. ويتبنى آخرون وجهة نظر اختزالية للدور الذي يلعبه المجلس، أي منع الصراع بين الدول الخمس بدلا من الحفاظ على السلام والأمن. وتضعف حتى المجالات التي حققت فيها الأمم المتحدة نجاحات في السابق.

ويعود معظم الناس إلى عقدين من الزمن، إلى ليبيريا أو سيراليون، عندما يُطلب منهم الاستشهاد بعمليات السلام الناجحة. وكانت صفقة حبوب البحر الأسود مثالا نادرا على نجاح الوساطة حتى انهيارها.

وتركز المناقشات الدائرة حول كيفية تعزيز قدرة الأمم المتحدة على تحقيق السلام والأمن على مجلس الأمن. ومنذ غزو أوكرانيا كانت الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، أكثر وضوحا بشأن الحاجة إلى التغيير. لكن هذا الاهتمام المتجدد لم يجعل الإصلاح أكثر احتمالا.

ويتطلب الإصلاح من الناحية الإجرائية تعديل ميثاق الأمم المتحدة. ويحتاج هذا إلى موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وتصديق الهيئات التشريعية في دول هؤلاء الأعضاء، بما في ذلك جميع الأعضاء الخمسة الدائمين.

وحدث ذلك مرة واحدة فقط فيما يتعلق بالمجلس (في عام 1965، عندما رُفع عدد الأعضاء من 11 إلى 15، وبالتالي ارتفعت عتبة التصويت). وتتمثل إحدى أكبر العقبات من الناحية السياسية في عدم الاتفاق داخل المناطق حول من يجب أن يحصل على مقعد.

إن لإصلاح المجلس منافع تستحق العناء، وتتطلب المزيد من الإبداع، فيما يتعلق بدور المنظمات الإقليمية. ولكن قد يكون من الأفضل توجيه هذه الطاقة نحو كيفية الاستفادة من القوة الجماعية التي تتمتع بها منظمة الأمم المتحدة ككل.

ويمكن للجمعية العامة أن تفعل الكثير لتحقيق السلام والأمن، بما في ذلك من خلال البناء على اقتراح ليختنشتاين. كما يمكن للجنة بناء السلام أن تصبح أكثر مركزية، عبر إشراك جهات فاعلة مثل المؤسسات المالية الدولية. ويجب أن ننظر في كيفية تحقيق وساطة مختلفة، بالاستعانة بالمزيد من الموارد ومجموعة من المفاوضين أكثر تنوعا.

وكان عدد منظمات المجتمع المدني الحاضرة عند ميلاد الأمم المتحدة يتجاوز 200. وساعد وجودها في تأمين إشارات في الميثاق إلى حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية.

وبعد مرور ثمانية وسبعين عاما تشارك الكثير من منظمات المجتمع المدني من بعيد. ولا يُسمح إلا بدخول جزء صغير منها إلى مقر الأمم المتحدة، في حين يواجه المتواجدون على الأرض في الكثير من الأحيان عقبات كأداء أمام التعاون.

ورغم كل الحديث عن الشراكات يتشكل وضع مماثل أمام الجهات الفاعلة الأخرى، من الحكومات المحلية إلى قطاع الأعمال. ويتجاهل هذا أن التحول الأكثر عمقا في “المجتمع الدولي” خلال العقود الأخيرة لم يكن إعادة التنظيم الجيوسياسي، بل صعود الجهات الفاعلة غير الحكومية.

ويقول دين “إننا نعيش في عالم تفوق أرباح القطاع الخاص فيه الناتج المحلي الإجمالي، وحيث تستطيع الحركات الاجتماعية حشد الملايين من الناس، وحيث يستطيع أصحاب الحضور على الإنترنت محو المليارات من خلال منشور واحد، وحيث يمكن للفتاة التي تحمل لافتة خارج مدرستها أن تغير المحادثة العالمية. لكن النظام الدولي يظل يتمحور حول الدولة”.

وتلعب منظمات المجتمع المدني دورا حاسما في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتصدي لتغير المناخ. وهي تقدم المساعدة الأساسية في الأزمات الإنسانية وتتدخل عبر الثغرة إلى مناطق النزاع. وتدافع عن أولئك الذين يعانون التهميش وإساءة المعاملة، وهي شريكة للأمم المتحدة وتلعب دور ضميرها.

ومن المهم تقدير مساهماتها وتسخيرها، من خلال مناصرة رفيعة المستوى للمجتمع المدني، وزيادة الموارد للمجموعات الجماهيرية، وإستراتيجية شاملة للمشاركة. وينبغي لهذه الإستراتيجية أن تشمل النقل التدريجي لوظائف الأمم المتحدة التنموية والإنسانية إلى الشركاء المحليين في زمن تزايد المخاوف بشأن الشرعية والقوة.

ويمكن لهذا أن يعزز شعورا أكبر بالملكية والوكالة والمساءلة. ويمكنه أيضا بث حياة جديدة في أهداف التنمية المستدامة. ومن وجهة نظر الأمم المتحدة، قد يساعد هذا على تخفيف التوسع غير المستدام في عبء مهامها، وتحرير الموارد المحدودة وتخفيف عدم التوافق على أرض الواقع بين الوظائف المختلفة التي من المتوقع أن تؤديها (السياسية والإنسانية والتنموية والحقوقية). ومن المرجح أن تواجه مثل هذه الخطوة مقاومة شديدة، بما في ذلك من داخل الأمم المتحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى