العرب: السعودية تتخلّص تدريجيا من حرب اليمن وتثبّت موقعها بين رعاة السلام

> "الأيام" العرب:

> عبّرت المملكة العربية السعودية على لسان وزيرها للدفاع الأمير خالد بن سلمان عن تشجيعها الأطراف اليمنية على التوصل إلى حل سياسي للأزمة المستمرة في اليمن منذ نحو تسع سنوات.

ويؤشّر هذا الخطاب على رغبة المملكة في التحوّل من طرف رئيسي مشارك في الحرب اليمنية إلى راع للسلام بين الأطراف المتصارعة.

يأتي ذلك فيما أثبتت السعودية بشكل عملي رغبتها في الخروج من حرب اليمن الطويلة والمرهقة، وذلك من خلال التزامها بالهدنة القائمة في البلد رغم عدم تجديدها بعد مضي عام على انتهائها.

والتزمت السعودية في سبيل تثبيت التهدئة أقصى درجات ضبط النفس حتى أنّها لم تردّ على ضربة  نفذتها جماعة الحوثي لمعسكر يقع داخل أراضي المملكة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف قوات بحرينية كانت موجودة بالمعسكر.

لكنّ أكثر الخطوات السعودية جرأة في سبيل الدفع بعملية السلام في اليمن تمثّلت في التواصل المباشر مع الحوثيين عبر إيفاد وفد ممثل لها إلى صنعاء، ثم استقبال وفد للحوثيين في الرياض.

وأكّد الأمير خالد بن سلمان خلال لقاء جمعه في الرياض برئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي وجرى خلاله بحث آخر التطورات والمستجدات في الشأن اليمني والجهود المشتركة لدعم مسار السلام وقوف المملكة مع المجلس “وتشجيع الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي شامل ومستدام لإنهاء الأزمة اليمنية، تحت إشراف الأمم المتحدة، وبما يحقق الأمن والسلام والاستقرار والتنمية في اليمن”.

من جهته أثنى العليمي على مبادرات السعودية “وجهودها المستمرة لتجديد الهدنة وإطلاق عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة”.

وتتكثف منذ فترة مساعٍ إقليمية ودولية لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة في اليمن، شملت زيارات لوفدين سعودي وعماني إلى صنعاء، وجولات خليجية للمبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ والأممي هانس غروندبرغ.

واختتم غروندبرغ الخميس زيارته إلى العاصمة السعودية حيث التقى بمسؤولين ودبلوماسيين يمنيين وإقليميين ودوليين.

وذكر بيان لمكتبه أنّ “المناقشات تركزت على الخطوات المقبلة في سبيل تيسير التوصل إلى اتفاق بشأن إجراءات لتحسين ظروف المعيشة في اليمن، ووقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وعملية سياسية جامعة بين اليمنيين برعاية أممية”.

وفي إطار الزيارة ذاتها التقى المبعوث الأممي بالعليمي، لمناقشة تطوّرات جهود الوساطة الأممية.

وشدد غروندبرغ على أنّ “اليمن يمرّ بمنعطف حاسم مازال يحمل في طياته فرصة تقريب اليمنيين من تحقيق السلام العادل الذي يصبون إليه”.

وأضاف قائلا “لا يمكن صياغة حل مستدام للنزاع في اليمن إلاّ من قبل اليمنيين أنفسهم، ويجب أن تجتمع الأطراف مع آخرين في إطار جامع لبناء مستقبل سلمي مشترك”.

وأكد على أنّ الأمم المتحدة ملتزمة بتقديم المساعدة بمجرد أن تتخذ الأطراف الخطوات الحاسمة اللاّزمة لتحويل هذه الرؤية إلى وا

كما عقد المبعوث الأممي اجتماعا مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي حيث اتفقا على ضرورة استمرار دعم المنطقة لليمن على مدار مسار السلام والتعافي.

كما التقى المبعوث مع سفير المملكة العربية السعودية لدى اليمن محمد آل جابر لبحث سبل استمرار تضافر الجهود الإقليمية والدولية سعيا لاستئناف عملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة.

كذلك أجرى غروندبرغ مناقشات مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن “حول ضرورة استمرار توافق مجلس الأمن على دعم حل سياسي مستدام وشامل في اليمن يلبي تطلعات اليمنيين واليمنيات”.

وتشرّع كثافة هذا الحراك لعدة أطراف يمنية تفاؤلها بقرب السلام في اليمن. وأثنى طارق صالح عضو مجلس الرئاسة

على جهود السعودية لإرساء السلام في اليمن قائلا في منشور على منصة إكس “معركتنا الوطنية والقومية هي استعادة السلام الذي كان ينعم به شعبنا.. ونحن مع كل الجهود التي يبذلها الأشقاء ويؤيدها المجتمع الدولي لتحقيق هذا الهدف بإنهاء الانقلاب (الحوثي) واستعادة الدولة”.

ويرى مراقبون أنّ مرونة السعودية في ما يتعلّق بالملف اليمني فتحت أفقا جديدا للسلام في اليمن، وذلك من منطلق أنّ للمملكة بحدّ ذاتها مصلحة كبرى في التخلص من عبء هذا الملف المعقّد والمرهق واستكمال عملية التهدئة الشاملة في المنطقة وتصفير المشاكل التي بدأتها بالفعل عبر طي صفحة الخلافات مع تركيا، ثم إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران وقبل ذلك المصالحة مع قطر.

وفي المقابل ينبّه هؤلاء إلى أنّ تقديم السعودية لنفسها كمجرّد راعية للسلام بين الأطراف اليمنية المتصارعة لا يعني أنّها ستكون طرفا محايدا بالفعل، بل ستعمل على الإبقاء على خيوط اللعبة بيدها من خلال ما تمتلكه من تأثير كبير على السلطة المعترف بها دوليا ممثلة في المجلس الرئاسي بقيادة العليمي، حيث تظل للمملكة مصالح حيوية في اليمن لا يمكنها التفريط فيها ومن بينها عدم السماح بمرور مناطق إستراتيجية معينة إلى أيدي جهات لا تثق بها.

وأظهرت السعودية مؤخّرا اهتماما استثنائيا بمناطق في شرق اليمن مطلّة على بحر العرب. وقامت بإرسال قوات تابعة لها إلى محافظة حضرموت الأمر الذي فسّره مراقبون بأن المملكة تسعى إلى تأمين ممر مباشر لها باتجاه المحيط الهندي في مرحلة ما بعد الحرب في اليمن.

ورغم شيوع مزاج متفائل بالسلام في اليمن، إلاّ أنّ الخطوات العملية ما زالت متوقّفة عند العناوين الكبرى والعامّة، دون الغوص في التفاصيل التي تنطوي على تعقيدات كبيرة لم تطرح إلى حدّ الآن أيّ مقاربات تفصيلية لحلّها.

ومن بين أكبر التعقيدات قضية الجنوب الذي تطالب أطراف قوية وشريكة للسعودية ذاتها بفصله عن الشمال في إطار الدولة المستقلة التي كانت قائمة قبل الوحدة المنجزة في تسعينات القرن الماضي.

وعلى افتراض بقاء اليمن موحّدا في مرحلة ما بعد الحرب فإنّ قيادة الدولة تطرح إشكالات عويصة، إذ ما تزال عدّة أطراف يمنية ترفض أداء دور الشريك الثانوي لجماعة الحوثيين في تشكيل السلطة التي ستقود البلاد.

كذلك فإنّ هيمنة الحوثيين على الدولة تطرح إشكالا للسعودية ذاتها على اعتبار أنّ هؤلاء موالين لإيران وسيفتحون لها الباب لاختراق جنوب الجزيرة العربية الذي يمثّل مجالا حيويا وحزاما أمنيا للمملكة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى