محور المقاومة وخلفية التطبيع

> استطاعت دول وفصائل محور المقاومة في منطقتنا العربية خلال العقدين الماضيين أن تستّغل القضية الفلسطينية أيّما استغلال، لم يكن الهدف منه سوى إظهار الأنظمة العربية الأخرى بمظهر الأنظمة العميلة المنبطحة لدول الغرب وربيبتها في المنطقة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفي كل الأحوال فإن هذا الاستغلال لم يكن يوظّف إلا على مستوى المجال الإعلامي، وهو المجال الذي نجحت فيه دول محور المقاومة وفصائلها المسلحة الموالية لها في بعض الدول العربية، أن تبدو وكأنها وجدت لتحرير أرض فلسطين المغتصبة، وطرد المحتل إلى ما وراء البحر الأبيض المتوسط غربًا، وإنقاذ الفلسطينيين من صلف الاحتلال الصهيوني الجاثم على صدورهم لأكثر من نصف قرن، وصنعت لنفسها واجهة مُمانِعة لوجود دولة يهودية على أرض عربية تحت أي مسمى وتحت أي ظرف.

ولأن الشعوب العربية تحديدًا كانت خلال المرحلة الماضية تحتّكم لعواطفها وتنساق ببساطة خلف الخطاب المؤدلج دينيًا وقوميًا، فقد تخدّرت تحت تأثير التوجه الإعلامي لدول محور المقاومة الذي لم يلامس في حقيقته سوى المشاعر والعواطف الجيّاشة، وظنّت الشعوب العربية في ذواتها أن دول المحور هي الصادقة حقًا في الدفاع عن الكرامة والثوابت العربية والإسلامية، وما عداها من أنظمة الدول العربية ليست إلا صناعة الدول الغربية والصهيونية ووجودها على رأس السلطة يعد وصمة عار على جبين شعوبها الحيّة.

وربما لأن شعوب المنطقة العربية كانت فاقدة للوعي تحت عنفوان إعلام دول المحور الممانع، فلم تفق ولم يهزّها فضائح جسيمة للقادة الممانعين من أمثال نائب الرئيس الإيرانى للشؤون القانونية والبرلمانية محمد على أبطحي، الذي صرّح خلال مشاركته في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل، الذى نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية عام 2006م، وقال قولته المشهورة (لولا إيران لما سقطت كابول وبغداد)، وبعد عام واحد قال صديقه مهندس الاحتلال الأميركي للعراق السياسي الشيعي أحمد الجلبي: (إن احتلال العراق ما كان ليتم دون تفاهم بين أميركا وإيران).

إن هذه التصريحات ليست إلا زلّات سياسية، فجّرتها أفواه ناقمة ترى أن الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا تناست فضل نظام الملالي في إيران، وتنكّرت لجهوده في مساعدتها على احتلال كل من أفغانستان والعراق، أما ما خفي من تخادم متبادل بين إيران وأمريكا فهو بلا شك أعظم بكثير، مع أن الواقع يكشف شيئًا من هذا التخادم، رغم حرص نظامي الدولتين على الظهور كدولتين متناقضتين، تعيشان على صفيح ساخن يترّقب الجميع اندلاع حرب مسلّحة بينهما في أي لحظة.

واليوم، ومع عملية طوفان الأقصى التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة في الـ7 من أكتوبر الجاري، الحدث التاريخي الأبرز على مستوى الوطن العربي منذ خمسين عامًا، نرى محور المقاومة بدولها وفصائلها المسلحة المعروفة قد انكشفت عورتها بوضوح، إذ لم يتجاوز مستوى ممانعتها المزعومة سوى الخطاب الإعلامي الممزوج بلغة التهديد والوعيد المعروف لسنوات، ولا أظن أن الأيام القادمة ستكشف لنا أن هذه الدول والفصائل ستقدّم للفلسطينيين، أكثر من خطابها المتشنج الذي اعتدنا سماعه منذ ثلاثة عقود ماضية.

لا شك أن عملية طوفان الأقصى قد كشفت أوراق سياسية كثيرة منها ماهي متعلقة بدول المنطقة العربية والإسلامية نفسها، ومنها أوراق سياسية أخرى متعلقة بمواقف هذه الدول تجاه القضية الفلسطينية، وما يثير الإعجاب هو موقف الدول العربية المطبّعة مع الكيان الإسرائيلي، وغير المطبّعة البعيدة عن دول المحور الذي ظهر واضحًا وجليًا برفضه القاطع لسياسة التهجير القسري الذي تخطط له دولة الاحتلال والدول الغربية بحق الفلسطينيين في قطاع غزّة، ورفضه أيضًا لسياسة الحصار والتجويع، وبدأت مواقف الدول العربية المطبّعة وغير المحسوبة على المحور أكثر قوةً وصدقًا مع ما يحدث في أرض فلسطين اليوم، ومع ذلك نقول لهذه الدول إن مواقفها هذه لا تكفي، لاسيما في ظل الموقف الغربي الوقح في تعصّبه ودعمه للدولة الصهيونية، ويجب أن نرى مواقف عربية شجاعة تلامس أرض الواقع، ولاعزاء لمن يتاجر بفلسطين وأرضها وقضيتها العادلة، ممّن يرفعون شعار المعاداة للصهيونية والتحرير بهدف تدمير الأوطان والشعوب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى