> «الأيام» الشرق الأوسط:
تواجه سمعة البن اليمني العالمية مختلف الظروف التي تهدد زراعته وانتشاره، مثل: الجفاف، وقسوة الظواهر المناخية، ومنافسة نبتة «القات»، وضعف التسويق، والإهمال الرسمي، وعدم الاهتمام المحلي بصناعة القهوة. وفي مقابل ذلك برزت في السنوات الأخيرة مبادرات شبابية وجهود شعبية لإعادة التركيز على زراعته وتسويقه عالمياً.
وعلى الرغم من أن اليمن هو الأول في اكتشاف وإنتاج وتصدير البن، كما تقول المرويات التاريخية، فإن تقديرات كثيرة تضعه في مراكز متأخرة ضمن قائمة الدول المنتجة والمصدرة، فهو يأتي في المرتبة 42 حسب بيانات حكومية تعود لعدة أعوام، في حين يقع في المرتبة 30 وفق جهات دولية قدرت الإنتاج بأقل من 22 ألف طن سنوياً، من مساحة مزروعة تصل إلى 35 ألف هكتار.
ويقول مدرس الآثار في جامعة تعز، سامي الشهاب، إن عدداً من النقوش اليمنية القديمة ذكرت شجرة البن، وربطتها بأحداث زراعية هي بمثابة مشاريع استراتيجية منذ القرن الثالث الميلادي على الأقل، مرجحاً أن ثمة نقوش أقدم حول ذلك قد تظهر مستقبلاً، رغم أن تحول البن إلى مشروب راج في القرون الوسطى بالتزامن مع النشاط المحموم للبعثات الأوروبية.
دعوة لتدخل الدولة
يستعرض المهندس الزراعي خيري الأبيض المشكلات والمعوقات التي لها تأثير اقتصادي على محصول البن في اليمن، مثل الاختلافات في توزيع الأمطار على مدار السنة، ووعورة التضاريس التي يزرع فيها، وصغر الحيازات الزراعية التي تؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، وغياب الإرشادات الزراعية، وانتشار الأمراض والحشرات ومسبباتها المختلفة.
كما يشير الأبيض إلى قلة الدراسات البحثية الاقتصادية والفنية من قبل المختصين، وضعف الترويج لمميزات البن اليمني عالمياً، وغياب الأدوات والمعدات المناسبة الحديثة لما بعد الحصاد للحفاظ على جودة البن، إلى جانب استغلال التجار والكيانات الخاصة للمزارعين بشراء البن بأسعار رخيصة، إلى جانب تأثير الحروب والأزمات التي حدثت في العالم والمنطقة، ومنافسة زراعة نبتة «القات».
ويدعو رئيس مركز الأصول الوراثية في جامعة صنعاء، محمد الأسودي، إلى جمع كل التنوعات الوراثية والطرز من البن من مختلف مناطق اليمن، وحفظها في مدخرات نباتية بمناطق مختلفة للحفاظ عليها، وإيجاد آلية لتشجيع وتمويل الأبحاث والرسائل الجامعية المتعلقة بالبن اليمني، بعد وضع أولويات الأبحاث اللازمة لتطوير المحصول.
وطالب بتدخل الدولة للعمل على حل الإشكاليات القائمة والموجودة بقوة بين المنتجين وصغار المزارعين وبين شركات تصدير البن العاملة في اليمن، لتحديد الأسعار، وإصدار تشريعات للحد من دخول البن المستورد من نوع «روبوستا» منخفض الجودة الذي يخلط مع حبوب البن العربي، ويعاد تصديره إلى الخارج باسم البن اليمني الذي تتأثر مكانته بسبب هذا الغش.
جهود رسمية محدودة
تتضمن الإجراءات المنشودة لتحقيق نهضة في زراعة البن، إنشاء السدود والحواجز والخزانات المائية، ومدها بشبكات الري المناسبة التي تساعد على ترشيد استهلاك المياه، وإنشاء مشاتل البن بمواصفات فنية، وتشجيع الاستثمار في المجالات المتعلقة بالبن، وتبني برامج تدريبية مستمرة للمنتجين ووسطاء الإرشاد، وتوفير أدوات الإنتاج، وإعادة تأهيل المدرجات الزراعية، وفقاً للشرجبي.
إلا أن مسؤولاً في وزارة الزراعة اليمنية نبه إلى صعوبة تنفيذ تلك التوصيات التي وردت في الندوة وغيرها من الفعاليات، رغم أن الحكومة اليمنية لديها استراتيجية خاصة في هذا الشأن تعمل عليها الوزارة، إلى جانب عدد من الوزارات والمؤسسات، موضحاً أن التحديات التي تواجه الحكومة تجعل الاهتمام بدعم زراعة البن في مرتبة متدنية.
المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، أشار إلى أن الصندوق الزراعي التابع للوزارة أنشأ ودعم أكثر من 10 مشاتل خلال العام الجاري لإنتاج شتلات البن اليافعي، المشهود له بأنه الأجود عالمياً، وذلك في سبيل دعم إنتاجه، نظراً للعوائد الاقتصادية الكبيرة التي يمكن أن تتحقق من تصديره.
وأفاد بأن وزارة الزراعة تعمل بالتنسيق مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي على إعداد مشاريع وبرامج للحصول على تمويل دولي للمساعدة في زراعة وإنتاج البن، وتوعية المزارعين بأهميته والتشجيع على مزاولة هذا النشاط الذي يعاني من ركود كبير سببته موجات الجفاف منذ أواخر القرن الماضي.
ونوه إلى أن الوزارة مهتمة بدراسة جودة أصناف البن اليمني المطلوبة حول العالم، والقيام بأبحاث لزيادة جودتها وكميات إنتاجها والظروف الطبيعية والجغرافية والمناخية الملائمة لها، منبهاً إلى أن التحدي الرئيسي يكمن في كيفية إقناع المزارعين اليمنيين بإحلال شجرة البن مكان نبتة «القات» التي شبَّهها بالوباء.