العرب: قدرات محدودة ومواقف متناقضة في قمة الرياض

> واشنطن "الأيام" العرب:

> ​استغرق القادة العرب والمسلمون 35 يوما من الحرب للدعوة إلى اجتماع "طارئ" لمناقشة الهجوم الإسرائيلي على غزة. وبرزت قدرتهم المحدودة على التأثير في التطورات حين اجتمعوا أخيرا نهاية الأسبوع في العاصمة السعودية الرياض. كما ظهرت الخلافات التي أثارت تساؤلات حول الجهود المبذولة خلال السنوات الأخيرة للحد من التوترات الإقليمية بشكل مستدام دون حل النزاعات والصراعات الأساسية.

وهيمنت القمة المشتركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 عضوا، والتي تشمل جميع الدول العربية، على دعوات إلزامية إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتوفير مساعدات إنسانية غير مقيدة، وإفراج حماس عن 240 محتجزا، معظمهم من المدنيين والرهائن وحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، بالإضافة إلى إدانة سلوك إسرائيل في حرب غزة.

ويرى المحلل السياسي والخبير في قضايا الشرق الأوسط جيمس دورسي أن من المفارقة والنفاق حضور الرئيس السوري بشار الأسد الذي شن حربا دامت عشر سنوات بدعم من روسيا وإيران ضد المتمردين المعارضين لنظامه بنفس الطريقة التي هاجمت بها إسرائيل غزة. وأعادت الدول العربية الأسد إلى الجامعة العربية في إطار جهودها للحد من التوترات الإقليمية وضمان عدم خروجها عن نطاق السيطرة. وكانت الجامعة العربية قد علقت عضوية سوريا في 2011 في بداية الحرب الأهلية.

وأبرز الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في خطابه أمام القمة أن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين بلاده والمملكة العربية السعودية بوساطة صينية خلال السنة الحالية لوقف التصعيد الإقليمي لم تفعل شيئا لتغيير السياسات التي تعتبر جذور العديد من القضايا الإقليمية.

ويرى المحلل السياسي دورسي أنه من المؤكد أن معظم القادة الإسلاميين والعرب سيشعرون بالتفاؤل والتشجيع من دعم رئيسي لوقف فوري لإطلاق النار في غزة ورغبته المعلنة في منع الحرب من التوسع إقليميا. ولكن ربما لم يتنفس أحد الصعداء بعد هذه النقطة، حيث أكد جزء كبير من خطاب رئيسي على أكثر ما يثير قلق دول مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة، وسلط الضوء على الاختلافات السياسية الأساسية.

وأشاد رئيسي بحماس وميليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية، وهما من الجهات الفاعلة غير الحكومية ويُنظر إليهما في الرياض وأبوظبي على أنهما وكيلان لإيران المصممة على التدخل في الشؤون الداخلية العربية. وقال رئيسي "ليس هناك وسيلة أخرى سوى مقاومة إسرائيل، نحن نقبّل أيدي حماس لمقاومتها".

ولا تريد السعودية والإمارات أن تنجو حماس من الحرب رغم صدمتهما من القصف الإسرائيلي العشوائي والمستمر لغزة، فهما تعتبرانها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين. وكان الهجوم الوحشي الذي شنته حماس في 7 أكتوبر، والذي قُتل خلاله ما لا يقل عن 1200 إسرائيلي، سببا في إثارة شبح الجماعات المسلحة الأخرى. وكان منها الحوثيون المدعومون من إيران الذين يتعلمون من قدرة الفلسطينيين على اختراق الدفاعات الإسرائيلية.

وكان رئيسي مختلفا عن جل العالم العربي حين دعا إلى إقامة دولة فلسطينية من “النهر إلى البحر” تحل محل دولة إسرائيل بدلا من حل الدولتين، الذي يتضمن دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الدولة العبرية.

وبغض النظر عن تصريحات رئيسي، سادت وجهة نظر الأغلبية في القمة مع البيان الختامي الذي يدعو إلى حل الدولتين. ووضع رئيسي الدول العربية ذات الأغلبية المسلمة التي اعترفت بإسرائيل في موقف صعب من خلال دعوتها إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية معها. ومن بين الدول العربية الخمس التي تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل، كان الأردن الوحيد الذي سحب سفيره وطلب من إسرائيل عدم إعادة سفيرها إلى عمّان. كما دعا رئيسي إلى المقاطعة الاقتصادية والتجارية لإسرائيل.

وطالب المسؤولون الإيرانيون، بدعم من ليبيا والجزائر ولبنان، في محادثات أولية قبل القمة تداولتها مصادر دبلوماسية، بأن تغلق الدول العربية مجالها الجوي أمام إسرائيل، وأن توقف نقل الأسلحة من القواعد الأميركية في المنطقة إلى الدولة العبرية، ووقف صادرات النفط إليها.

ولم يدرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حين تحدث قبل رئيسي، مواقف إيران في تصريحاته. لكن الخطوات التركية بدت الأقرب إلى تلبية مطالب الرئيس الإيراني. وسحبت تركيا سفيرها لدى إسرائيل، وأوقفت خلال الأسبوع المنقضي محادثات تتعلق بالطاقة معها.

وكرر عضو المكتب السياسي لحركة حماس في بيروت أسامة حمدان كلمات رئيسي في مقابلة مع قناة "الجزيرة". وقال "نحن نتحدث عن أفعال، ولسنا بحاجة إلى خطابات". وفي الوقت نفسه، ردد حمدان مشاعر أوسع في العالم العربي والإسلامي، مضيفا "إذا تحرك القادة العرب والمسلمون، فأنا متأكد من أن ذلك سيلقى ردا من الولايات المتحدة. وسيكون لأي إجراء تأثير".

واقترح أن التحدث علنا واتخاذ نوع من الإجراءات، بغض النظر عن مدى صغر حجمها، يمكّن القادة العرب والمسلمين من تحريك الإبرة في واشنطن التي دعمت حتى الآن حق إسرائيل في شن حرب ضد حماس، حتى بينما ينتقد المسؤولون في الولايات المتحدة بشكل متزايد الكلفة البشرية التي تسببت بها الحملة الإسرائيلية. لكن ذلك لم يمنع الخلافات من إجبار الزعماء العرب والمسلمين على إصدار بيان ردد المطالب الإلزامية دون تضمين أي اقتراح حول كيفية تحقيقها.

وسعى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال مؤتمر صحفي بعد القمة إلى منح البيان بعض الثقل بالتأكيد على أنه في غياب ضغط دولي منسق لكبح إسرائيل تصبح البنية الأمنية الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في حاجة إلى الإصلاح.

وستتجه كل الأنظار خلال الأيام المقبلة نحو الاجتماع المقبل للمجلس المقرر لمناقشة مشروع قرار آخر تقدمت به مالطا والإمارات. ويعتقد أن المشروع يركز على محنة الأطفال الذين يقال إنهم يشكّلون نصف الضحايا في غزة.

ومن النقاط المحورية الأخرى اجتماع الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الاثنين مع نظيره الإندونيسي جوكو ويدودو. وسافر ويدودو من قمة الرياض إلى واشنطن قبل انعقاد قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ هذا الأسبوع في سان فرانسيسكو.

ويشير دورسي إلى أنه بالنسبة إلى الزعماء العرب والمسلمين، الذين أصبحوا محاصرين بين الغضب الشعبي المتصاعد بسبب الهجوم الإسرائيلي، والخيارات المحدودة، والنضال لمنع غزة من تغيير النموذج الذي بنوا عليه إستراتيجيات البقاء، يعدّ دفع الولايات المتحدة إلى الدعوة بقوة إلى وقف الهجمات الإسرائيلية، وضمان دخول العاملين في المجال الإنساني والبضائع إلى القطاع المحاصر وإطلاق سراح الرهائن شرطا لا غنى عنه.

ويضيف أنه من عجيب المفارقات أن الحملة العسكرية الإسرائيلية الوحشية التي شملت الاستهداف المكثف للمستشفيات قد تحقق ما يعجز عنه الزعماء العرب والمسلمون، حيث يهاجم مسؤولون أميركيون وأوروبيون إسرائيل علنا، تزامنا مع احتجاجات واسعة النطاق.

وفي أحدث تحوّل، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقاء جمعه بإذاعة "بي.بي.سي" البريطانية يوم السبت "يُقصف في الواقع اليوم مدنيون. هؤلاء الأطفال، هؤلاء النساء، هؤلاء الكبار في السن يتعرضون للقصف والقتل ولا يوجد أي مبرر ولا أي شرعية لذلك. ونحضّ لذلك إسرائيل على التوقف".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى