الحطب والطهي الجماعي بدائل أهل غزة للكهرباء والغاز

> عز الدين أبو عيشة:

> يغطي الدخان المتصاعد من موقد حديدي صدئ أجواء المكان أثناء محاولة هند إشعال النار في كومة من الحطب لإعداد قليل من الخبز لإطعام صغارها الجائعين ولتحضير وجبة طعام لأسرتها.
ما إن تمسك النار بأعواد الخشب اليابسة، تجلس هند خلف موقد الحطب الذي صنعه زوجها يدويًا من نصف برميل حديدي تالف وعمل على إعادة تدويره، ونصبه في ساحة منزلهم بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
  • نفاد الغاز
وكان خيار هند في اللجوء إلى موقد يعمل بالحطب اضطراريًا، إذ نفد من بيتها غاز الطهي، ولم يستطع زوجها إعادة تعبئة أسطوانة واحدة، فتقول "بحثنا في جميع مناطق الجنوب عن غاز ولم نجد".

في الواقع، يفتقر جميع سكان غزة إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة في ظل الحصار الشامل الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ الحرب والذي يحول دون إمداد غزة بالوقود، فتل أبيب تربط فك الحصار بإطلاق سراح كل رهائنها المحتجزين لدى حركة "حماس".

وأعاد الحصار المطبق والحرب سكان غزة إلى ظروف الحياة البدائية القديمة، إذ باتوا يعتمدون على الفحم والحطب للطهي، وعلى رغم هذه الظروف يصر المواطنون على مواصلة حياتهم عن طريق إيجاد بدائل تساعدهم في البقاء على قيد الحياة.

من خلف موقد الحطب، تحاول باسمة أن تتحكم في قوة وضعف النار التي بدأت تستعر عن طريق إضافة كميات من الأخشاب إلى بيت النار أو سحبها منه، لضبط اللهب بما يتناسب مع إعداد الخبز، لكنها لا تستطيع فعل ذلك كما الحال مع أسطوانات غاز الطهي التي كانت تستخدمها سابقًا.
  • خوف من الدخان
وبسبب الحياة البدائية، تضطر هند إلى بدء يومها مع بزوغ الفجر، إذ تقوم لتضرم النار في الموقد، وتباشر في صناعة الخبز وإعداد وجبة طعام واحدة تكفي طوال النهار لنحو 30 فردًا نزحوا إلى منزلها بسبب القصف الذي طاول بيوتهم.

وهي تقلب أرغفة الخبز الرافخة، تقول هند "كنا نشتري الخبز من الأفران، لكن جميعها توقفت عن العمل هي الأخرى بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد غاز الطهي، ولهذا اتجهنا إلى مواقد الحطب للحصول على الخبز وطهي الطعام، إذا توافر أصلًا".

في كل مرة تهمد النار تضيف هند أعوادًا من خشب الأشجار، وتلقائيًا يتصاعد عمود الدخان، وتضيف أنه "بصراحة أخاف من مواقد الحطب، لدي اعتقاد بأن الدخان ربما يعتبره الجيش هدفًا عسكريًا، لكن ليس في اليد حيلة ونحن مجبرون على المخاطرة".
  • رحلة البحث عن الحطب
ليس من السهل أن يحصل سكان غزة على أكوام الحطب، بل يخوضون رحلة شاقة لجلبها، ويسير فهد (زوج هند) تحت أزيز طائرات الاستطلاع المسيّرة، ويمشي في شوارع أحياء مدينة خان يونس جنوب غزة يبحث بين جوانب الطريق عن أخشاب جافة، يحملها على رأسه أو يجرها إلى بيته.

ويقول فهد "إذا لم أجد في الطرقات أخشابًا حينها أضطر إلى الذهاب للحقول الزراعية، وأقطع ما أستطيع من أغصان وجذوع، وهذه مغمارة سيئة لكن لا سبيل آخر، فالأشجار باتت واحدة من مصادر الحياة".

يحاول فهد أن يبحث عن حطب أشجار الزيتون والحمضيات التي تؤجج النيران لفترة طويلة، لكنه يشير إلى أن الأخشاب اليابسة التي باتت مصدر إضرام النار في غزة هي الأخرى شارفت على النفاد مثل الوقود والكهرباء، إذ يتعمد الجيش الإسرائيلي قصف الأراضي الزراعية أو إلقاء قنابل حارقة وفوسفورية، ما يتسبب في حرق الأشجار.

ما تقوم به هند وفهد، ينسحب على جميع سكان غزة، إذ بات يمتلك كل بيت في القطاع موقد نار يعمل على الأخشاب اليابسة، وأصبح في كل منزل مخزن للحطب لأن وجوده ضروري.
  • رفض للموت
وحتى الطهاة الذين يعدون الطعام لمراكز الإيواء والنازحين في معسكر الخيام، باتوا يعتمدون على الحطب.

وينشغل جميل وهو أحد الطهاة الذين يعدون الطعام للنازحين، في توجيه عماله لوضع مزيد من الحطب أسفل القدور لاستعجال استواء قدر يطبخ فيه الرز، ويقول "نلجأ اضطراريًا إلى هذه الوسيلة البدائية لأنه لا يمكن إظهار العجز وترك النازحين في مراكز الإيواء القريبة بلا طعام".

ويضيف أنه "ربما ينظر بعضهم إلى عملنا على أنه مجرد إعداد طعام، لكن هو أكبر من ذلك، هذه رسالة تتعلق بإرادة الحياة لدى الفلسطينيين ورغبتهم في استمرارها بالطرق شتى، نحن نحب الحياة ونرفض الموت قصفًا أو نتيجة غياب مقومات الحياة، لدينا إصرار على الاستمرار وإيجاد البدائل حتى لو كانت وسائل بدائية، لا يمكننا الاستسلام لنتائج الحرب والقبول بالواقع القاتم".
"إندبندنت عربية".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى