منع الدراجات النارية.. يفاقم معاناة آلاف الأسر في عدن

> ماهر البرشاء

> "منعوني عن العمل، فكيف سأعيل أسرتي وأسدد إيجار منزلنا نهاية كل شهر 150 ألف ريال؟”.


هكذا تحدث عيسى إبراهيم (30 عامًا) بكل مرارة وهو يوجز وضعه المعيشي بعد أن مُنع من العمل في الدراجة النارية التي كان يعتمد عليها في توفير متطلبات أسرته.

إبراهيم من بين الآلاف من النازحين الذين فروا من المواجهات المسلحة في محافظة الحديدة (غربي اليمن) قبل أكثر من خمس سنوات، واستقروا في مدينة عدن (جنوبي اليمن).

هو يعول أسرة مكونة من أربعة أشخاص، فبعد أن قتل والده نتيجة المواجهات المسلحة أصبح هو المعيل الوحيد لأمه وثلاثة من إخوانه.

يقول عيسى في حديثه: إن قرار منع العمل بالدراجات النارية في مدينة عدن حول حياته إلى معاناة مستمرة، فقد كان العمل بالدراجة النارية يمثل دخلًا مناسبًا له ولأسرته يستطيع أن يوفر مصاريف عيش أسرته وإيجار المنزل الذي تسكن فيه، ومتطلبات مصاريف الدراسة لإخوانه الثلاثة.

حاول عيسى البحث عن عمل بديل كما يقول، فلم يكن أمامه غير بيع الماء في الجولات والشوارع، لكن هذا العمل حسب تعبيره غير مجدٍ.

ويواصل عيسى حديثه حين التقيناه في أحد شوارع مدينة عدن وعلى ملامح وجهه الحزن، قائلًا: “عملي الجديد في بيع قنينات الماء لا يكاد يكفي لوجبة غداء واحدة، وفي بعض الأحيان لا أحد يشتري مني الماء، وعندها أكون قد خسرت يومي وخسرت الماء من حرارة الشمس الحارقة، لأنه لا يباع إلا وهو بارد أو ثلج، كما يحبه المواطنون في عدن التي تُعرف بحرارتها الجافة”.

ملامحه وهو يذهب لعرض قنينة الماء للبيع فيها الكثير من الحزن والتعب والوجع، يقول: “أترون كيف حالي؟ منذ ساعة كاملة لم أتمكن من بيع إلا قنينة واحدة بـ300 ريال، 200 ريال للموزع الذي يموّلنا بالماء ومائة ريال لي، وفي حال لم أبع سأقوم بدفع مبلغ للموزع، كل قنينة محسوبة عليّ بـ200، وهكذا أكون قد أضعت يومي وأضعت قوت أسرتي التي تنتظره نهاية كل يوم لتجابه به الحياة وقسوتها”.

ويعد عيسى من بين الآلاف من الشباب العاملين في كسب عيشهم من العمل في الدراجات النارية سواء من أبناء مدينة عدن أو من الشباب النازحين من المحافظات الأخرى، وتسبب قرار منع الدراجات النارية في توقف مصدر دخلهم الأساسي، وعطلهم عن إعالة أسرهم.

قرار منع الدراجات في عدن


في 4 أكتوبر 2023 أقرت إدارة أمن عدن خلال اجتماع برئاسة العميد أبو بكر حسين جبر، نائب مدير الأمن، منع حركة الدراجات النارية بكافة أشكالها وأنواعها في المحافظة، وإعطاء ملاك الدراجات مهلة أقصاها 10 أيام ابتداءً من يوم عقد الاجتماع وحتى الـ14 من الشهر نفسه، حسب ما نشرته الإدارة على صفحتها في “فيسبوك”.

وأكد الاجتماع الأمني على اتخاذ الإجراءات اللازمة بعد انتهاء المهلة المحددة من خلال مصادرة الدراجات النارية ومحاسبة مالكيها لمخالفتهم قرار المنع، وبرر القرار بأنه يعمل على تعزيز الإجراءات الأمنية والحد من انتشار الجريمة والحوادث المرورية.

رفض شعبي

قرار اللجنة الأمنية قوبل برفض شعبي كون الآلاف من الأسر باتت تعتمد على هذه الدراجات كمصدر دخل رئيسي.

وعلى الرغم من حالة الغضب الشعبي التي أثارها قرار منع الدراجات النارية في عدن، إلا أن إدارة الأمن في 1 نوفمبر 2023 أكدت على صفحتها في “فيسبوك”، أن الحملة مستمرة، ولن تتوقف حتى تحقق كافة أهدافها التي قامت لأجلها، ومنها حظر العمل بالدراجات النارية.

وبينت الإدارة أن الحملة لن تستثني أحدًا، وأنهم يعملون بالتنسيق مع كافة الأجهزة الأمنية وغرفة العمليات المشتركة وفقًا لتوجيهات رئيس اللجنة الأمنية، محافظ عدن أحمد حامد لملس.

ردود أفعال


وعلق الصحافي فتحي بن لزرق، رئيس تحرير صحيفة “عدن الغد”، في صفحته على “فيسبوك”، على قرار المنع، معتبرًا أن هذا القرار واحد من أكثر القرارات خطورة منذ سنوات، وسيخلق مشكلة للمجتمع ولمحافظة عدن وسلطاتها هم في غنى عنها.

وقال بن لزرق إن “ثلاثة آلاف شاب يعمل منذ الصباح الباكر وحتى ساعة متأخرة من الليل، لأجل إعالة أسرة فقيرة مصدر عيشها الوحيد هذه الدراجة، بتطبيق هذا القرار سيكون لدينا ثلاثة آلاف عاطل عن العمل، وثلاثة آلاف أسرة بلا معيل، والكارثة سيكون لدينا ثلاثة آلاف مشروع بلطجي وسارق وقاتل وذاهب للمخدرات”.

وأضاف: “هناك ثلاثة آلاف شاب كافي خيره شره طوال يومه يسعى لكسب زرقه ومنشغل به، فلماذا تذهب إلى قرار سيحيله إلى عنصر مؤذ في المجتمع؟ ما هو الضرر من هذه الدراجات ذوات الثلاث عجلات خصوصًا إذا علمنا أنها أساسًا تعمل في أربع مديريات فقط من أصل ثماني مديريات، وتعمل في المديريات المفتوحة التي لا يشكل فيها عملها أي عائق أو مشكلة”.

ودعا بن لزرق الجهات المعنية إلى التوقف عن إصدار القرارات غير المدروسة والعشوائية، مشيرًا إلى أن عدن كمدينة لا تحتمل أزمات إضافية، وليس من مصلحة السلطات الإضرار بأكثر من ثلاثة آلاف أسرة.

واعتبرت أستاذة الإعلام بجامعة عدن رنا الحطيبي، أن قرار منع الدراجات النارية في محافظة عدن، الذي أقرته القوى الأمنية، بغرض الحد من السرقات أو الاغتيالات، هو قرار سبقه قرار بعمل كرسي جانبي (لحام) إلى الدراجة النارية، وهذا يدل على التخبط في القرارات وعدم الاكتراث لما يعانيه المواطن الذي يعاني من الفقر والبطالة واتخاذ الدراجات النارية وسيلة دخل له في ظل ظروف معيشية سيئة جدًا وانهيار العملة المحلية، حسب تعبيرها.

وأضافت الحطيبي: أن قرار المنع سيؤدي إلى توقف دخل عدد كبير من الأسر تصل إلى الآلاف.

وأشارت إلى أن ترقيم هذه الدراجات النارية حل بديل يساعد في استمرارها، أيضًا يكون تحركها في إطار المديرية نفسها (داخلية)، وفي أوقات غير الذروة، وهذا لا يقطع الأرزاق بذريعة الحد من الجريمة، والتي أظن أنها ستزيد بفعل هذا القرار.

"المشاهد نت"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى