أول اجتماع للمجلس منذ سنتين.. تنسيق سعودي عماني للتعاون تجاه القضايا الإقليمية والدولية

> مسقط "الأيام" العرب:

> ​عكس عَقْد أول اجتماع لمجلس التنسيق العماني – السعودي بعد مضي أكثر من سنتين على إنشائه، التحولَ الكبير في وجهة العلاقات بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية من الفتور وعدم الثقة، إلى التنسيق والتعاون، بل التخادم في عدد من الملفات الإقليمية على غرار ما يقوم به الطرفان بشأن الملف اليمني.

وجرى الاجتماع الذي احتضنته العاصمة العمانية مسقط تحت الرئاسة المشتركة لكل من وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان اللذين عبرا إثر الاجتماع عن “ارتياحهما لما تحقق من نتائج إيجابية وبناءة” وشددا على “أهمية استمرار دعم وتطوير التنسيق الثنائي وبلورة المواقف المشتركة تجاه القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.

ويقول مراقبون إن ما شهدته العلاقات السعودية – العمانية خلال السنوات الأخيرة يرتقي إلى مستوى انقلاب كامل في طبيعتها من عدم الثقة وارتياب كل طرف من الآخر، إلى التعاون والتنسيق في ملفات شائكة، بل تبادل الخدمات في بعض الملفات مثلما هي الحال في الملف اليمني.

وكانت عمان تسلك في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد سياسة تتميز بالتفرد عن باقي مكونات مجلس التعاون الخليجي ومن ضمنها السعودية، وتتبع دبلوماسيتها نهجا شديد التكتم وكثير المفاجآت، وهو ما مثل على مدى سنوات طويلة مبعث ارتياب المملكة وشكوكها خصوصا وأن القيادة العمانية اختارت الاحتفاظ بعلاقات متينة مع إيران التي جمعتها في مقابل ذلك علاقات متوترة مع السعودية فجرت صراعا بينهما بالوكالة في عدة ساحات على رأسها لبنان واليمن، فضلا عن محاولة الإيرانيين نقل الصراع إلى قلب منطقة الخليج بتحريكهم المعارضة الشيعية في البحرين ما تسبب باضطرابات وقلاقل خلال السنوات الأولى من العشرية الماضية قبل أن تنجح سلطات المملكة في إنهائها بمساعدة السعودية.

كما اختلف الموقف العماني جذريا عن الموقف السعودي من قطر خلال سنوات الأزمة الخليجية التي قادت الرياض خلالها عملية مقاطعة للدوحة بسبب علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين وسياساتها التي كانت السعودية تصفها بالمزعزعة لاستقرار المنطقة. وحين كانت السعودية تخوض صراعا مسلحا في اليمن ضد الحوثيين الذين تعتبرهم المملكة مجرد وكلاء لإيران، كانت مسقط تقيم معهم علاقات طبيعية.

ولم تكن الرياض آنذاك تتوقع أن يصبح ذلك الخيار العماني المتفرد مفيدا لها. وهو ما حدث بالفعل بعد أن وقفت السعودية على عدم جدوى مواصلة الحرب في اليمن وأصبحت تبحث عن مخرج منها بأخف الأضرار. ولعبت سلطنة عمان دورا كبيرا في تهدئة الأجواء بين الحوثيين والسعودية وأفضت وساطتها إلى إطلاق حوار مباشر بينهما خرج إلى العلن في مناسبتين عندما التقى ممثلون عنهما في صنعاء ثم في الرياض.

غير أن السعودية لا تستفيد وحدها من التنسيق مع عمان في الملف اليمني، حيث إن ذلك التنسيق يتحول إلى نوع من التخادم عندما يتعلق الأمر بمحافظة حضرموت المتاخمة لحدود المملكة ومحافظة المهرة المجاورة للسلطنة، حيث يسعى كل طرف لبسط نفوذه في المحافظة اليمنية الأقرب إلى مجاله ويحتاج كل منهما إلى التوافق مع الطرف الآخر بشأن ذلك.

وبشأن العلاقة مع إيران، فإن ما كانت تعتبره السعودية محظورا تقع فيه مسقط بإقامتها علاقات واسعة مع طهران، أصبحت السعودية نفسها تمارسه بلا حرج من خلال المصالحة التاريخية التي أقدم عليها السعوديون مع الإيرانيين.

وبذلك تحوّلت المملكة من لوم السلطنة على شقها شبه الإجماع الخليجي بشأن العلاقة مع إيران، إلى توظيف العلاقة العمانية – الإيرانية المتينة في تحسين علاقاتها مع إيران ومحاولة إقناع القيادة الإيرانية بتغيير سياساتها تجاه المملكة. وبعيدا عن الملفات السياسية يسعى الطرفان العماني والسعودي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية من خلال التعاون بينهما.

وكان العامل الاقتصادي على رأس العوامل التي دفعت عمان إلى التقارب أكثر مع محيطها الخليجي، وذلك عندما واجهت السلطنة في بداية حكم السلطان هيثم بن طارق مصاعب اقتصادية ومالية عمقتها جائحة كورونا، ودفعت مسقط إلى الاستعانة بجيرانها الخليجيين في تجاوزها.

وكان مجلس التنسيق السعودي – العُماني قد تأسس في يوليو 2021 وهو يضم خمس لجان هي: لجنة التنسيق السياسي والدبلوماسي، ولجنة التنسيق الأمني والعدلي، ولجنة التنسيق في مجالات الثقافة والإعلام والسياحة والتنمية الاجتماعية، ولجنة التنسيق في مجالات الاقتصاد والتجارة والصناعة، ولجنة التنسيق في مجالات الطاقة والاستثمار والبيئة والبنى التحتية.

وقال وزير الخارجية العماني في كلمته باجتماع مجلس التنسيق إن العلاقات العُمانية – السعودية شهدت خلال السنوات القليلة الماضية نقلة نوعية في مختلف المجالات، ومبادرات استثمارية ونموا تجاريا مطردا.

واعتبر أن افتتاح منفذ الربع الخالي البري بين البلدين في عام 2022 أضفى دفعة قوية لمسار هذه العلاقات، مشيرا إلى المشروعات المشتركة في مجال الطاقة البديلة وإنتاج الهيدروجين، إلى جانب التعاون في قطاع الطاقة والقطاع اللوجستي والنقل البحري والبنية الأساسية.

ورأى وزير الخارجية السعودي من جهته أن العلاقات السعودية – العُمانية تسير بخطى ثابتة “نحو ترسيخ التعاون وتعزيز الدور الإقليمي والدولي بما يُسهم في إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحقيق تطلعات الشعبين”.

وقال “إن تأسيس المجلس وعقد اجتماعه الأول ولجانه المشتركة، يمثل منصة فاعلة تؤطر عمل البلدين، وتستثمر الإمكانات المتاحة التي يتمتع بها البلدان في تعظيم المنافع والمصالح المشتركة”، مؤكدا أن توافق وجهات النظر في مجمل القضايا، يوضح أهمية مواصلة التنسيق المستمر بشأن القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، وتعزيز التشاور السياسي في جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى