حرب غزة قد تُسرّع بإيقاف حرب اليمن على حساب الجنوب

>
​مجريات التطورات العسكرية الدراماتيكية التي تجري بالمنطقة (الشرق الاوسط)، مِن غزة والضفة الغربية ولبنان وسورية ومصر شمالًا، إلى العراق وإيران شرقًا، والخليج واليمن جنوبًا تزدادا تعقيدًا وترشح المنطقة لحرب شاملة أو حروب متفرقة يصعب السيطرة عليها وهو ما لا تتمناه أمريكا ولا إسرائيل، في الوقت الراهن على الأقل… فكل يومٍ يمرُّ في حرب غزة تجد إسرائيل نفسها تغرق عسكريًا وأمنيًا، وتتصدع سياسيًا داخليًا، وتنهار أخلاقيًا أمام العالم … وتفاديًا لمزيد من الانزلاق صوب هوة سحيقة من الحروب نراها تستغيث بالولايات المتحدة، لإخراجها من أعماق هذا الوحل المستنقع ومن ظلمة مغارة التيه الجديدة بأرض غزة البطلة، فمخالب المقاومة تنشب بظهر تل أبيب وتزداد شراسة وخطرًا وجوديًا على هذه الدولة الاستعمارية الاستبدادية.

وفعلًا الولايات المتحدة تبذل قصارى جهودها لضبط إيقاع الصراع ووضعه تحت السيطرة، ليس فقط لإنقاذ حليفتها الودودة إسرائيل بل لئلا تتوسع دائرة الصراع بأكثر من جبهة، وتكون قواتها الأمريكية والعربية ومصالحها الاستراتيجية بالمنطقة في مرمى الاستهداف، خصوصًا وأن ثمة ملفات بالمنطقة ما تزال مستعرة، والسخط الشعبي والرسمي  بالمنطقة يتصاعد بوجه واشنطن، جراء انحيازها السافر للعدوان الإسرائيلي وتماهيها مع جرائمه المروعة.

ومن أبرز هذه الملفات الساخنة التي تحاول أمريكا تبريدها بالوقت الراهن ملف الحرب باليمن، فالإدارة الأمريكية التي ترصد تنامي الهجمات الصاروخية والطيران المسيّر على جنوب إسرائيل من الأراضي اليمنية -ولو أن هذا الاستهداف حتى الآن يظل تهديدًا رمزيًا وخطرًا محدودًا- إلا أن الإدارة الأمريكية تحاول أن تخمده  وتغلق نافذة خطر محتملة، من خلال إنضاج تسوية سياسية بين الحركة الحوثية (انصار الله)  الحوثيين من جهة، وبين الطرف الرئيس بالحرب ونعني هنا السعودية والمعسكر المنضوي تحت لواء التحالف، الذي تقوده الرياض من جهة ثانية، وتفوت (أمريكا) بالتالي الفرصة على إيران وتجريدها من أهم أذرعها بالمنطقة، ضمن لعبة قواعد الاشتباك- أو هكذا تخطط أمريكا حيال الحالة اليمنية وإزاء محور المقاومة برمته- كجزء مقلق لها يستعصي تجزئته واحتواءه بالتقسيط من جُملة الوضع العام بالمنطقة، وإن بذلت جهودًا كما نراه الآن.

السعودية من جانبها ومنذ قرابة عامين صارت تتلمس طرق الخروج من قبضة الربقة اليمنية، وباتت أكثر تقبلًا وحماسة لوضع حد للحرب باليمن، وطي صفحتها المريعة، والتوجه صوب تسوية يمنية شاملة، تضمن لها نفوذها وحضورها بهذا البلد الاستراتيجي، بعد أن تخلت الرياض عن فكرة الحسم العسكري مع الحركة الحوثية، التي أظهرت بأسًا شديدًا وصلابة عسكرية غير متوَقعة، خلال أكثر من ثماني سنوات هي عُمر هذه الحرب الأطول بالتاريخ اليمني، والأشد تعقيدًا ودموية، وبعد خيبة الأمل التي تبتلعها الرياض بصمت، بسبب خذلان وفشل شركائها المحليين عسكريًا وسياسيًا بالشمال والجنوب على حد سواء، برغم النصر العسكري اليتيم الذي حققتها القوات الجنوبية بداية الحرب بمواجهة تحالف قوات الحركة الحوثية وقوات الرئيس الراحل صالح، التي آثرت بالتالي الخروج من الجنوب مستفيدًا -أي التحالف- من وجود قضية جنوبية وأوضاع رافضة لبقاء تلك القوات، التي ظل يراها الجنوبيون بأنها قوات قمع أجهزت على المشروع الوحدوي وأخرجت الجنوب عنوة خارج الشراكة والحقوق، وهو النصر الذي استثمره التحالف بشكل منفرد وبصورة أنانية فجة.

فمنذ أسبوع تسارعت وتيرة عجلة التسوية ونشط حراك الوساطات العمانية -التي كانت تباطأت خلال الأشهر الأخيرة. فالولايات دفعت يوم أمس بثقلها الكبير من خلال إرسال مبعوثها في اليمن إلى الرياض، وكثف سفيرها باليمن نشاطه جنبًا إلى جنب مع جهود محمومة للأمم المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وبالتأكيد مع السعودية التي استدعت على عجلٍ أعضاء المجلس الرئاسي اليمني إلى عاصمتها -لإطلاعهم ووضعهم بالصورة ليس أكثر- عما تم التوافق عليه من نقاط ظلت خلافية بينها( السعودية) وبين صنعاء، وربما ليوقعوا على الاتفاق المرتقب. فثمة مؤشرات تشي بأن حُزمة من الملفات والنقاط التي ظلت عالقة قد تم حسمها، ويتم التحضير للتوقيع عليها رسميًا بإشراف ورعاية أممية لا خليجية كما تخطط له السعودية تمامًا.

فالمملكة التي باتت مؤخرًا تقدم نفسها بشكل غريب وسيطًا  وصاحب مبادرات حلول لوقف الحرب وليس كطرف رئيس فيه، عمدت -عطفًا على نتائج الوساطة العمانية- على هندسة توافقات خلسة خلف الكواليس، لإعلان هدنة طويلة المدى بين الحوثيين وخصومهم تلبي فيه جُل مطالب الحركة الحوثية، خصوصًا بالجانب الإنساني والاقتصادي وملف البنك المركزي، واستئناف تصدير النفط وفتح الطرقات وفتح كامل للمطارات والموانئ وإطلاق سراح الأسرى من الجانبين، بعيدًا عن الخوض في الوقت الراهن في الحديث عن أمور سياسية أو عسكرية جوهرية تنتزع تنازلات من جانب صنعاء.

فهكذا اتفاق يثير حفيظة شركاء التحالف، وبالذات الطرف الجنوبي والمجلس الانتقالي الجنوبي تحديدًا، الذي يرى -وهو محق في ذلك- تجاوزًا له وتغييبًا صارخًا للقضية الجنوبية ومواصلة صريحة لنهب الثروات، وتكريسًا ظالمًا لوضع جديد يكون امتدادا لوضع جائر سابق، أتى كوليد منطقي لحرب 94م الظالمة، ومثله بالشمال سنرى تبرمًا من قوى حزبية وسياسية أخرى، ترى أنها باتت مجرد كمالة عدد فوق الطاولة و(شاهد ما شافش حاجة) تحت صولجان خليجي غليظ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى