صحيفة عبرية: حين تسقط فرضيات نتنياهو كلها وتبدو إسرائيل في خطر وجودي

> ​«الأيام» القدس العربي:

>   سيخط 7 أكتوبر في تاريخنا بأنه القصور الأخطر في تاريخ الدولة. قصور الاستخبارات والمنظومة العملياتية، قصور قيادة الأمن ورئيس الوزراء. سترافقنا الندب لسنوات. وبعد ستة أسابيع، توغل الجيش الإسرائيلي عميقاً في غزة، يدمر بنى تحتية لحماس، ويتقدم نحو تحقيق الأهداف، وفي مركزها تحييد قدرة حماس العملياتية والسلطوية، إلى جانب تحرير المخطوفين. تدور الحرب في ظل أربعة اضطرارات، ما قد يحبط قدرتنا على تحقيق الأهداف: تحرير المخطوفين، وردع “حزب الله” وإيران، والإبقاء على الشرعية للعمل لزمن طويل، ومسألة “اليوم التالي”: أمن “الغلاف” وماذا وكيف سيحصل لكي يتمكن سكان الشمال من العودة إلى بيوتهم.

 الولايات المتحدة مشاركة في الحدث، بشكل عميق وغير مسبوق: قطار جوي يحمل أسلحة وعتاداً قتالياً أطلق في غضون 72 ساعة. مجموعتان من حاملات الطائرات انتشرتا تضمان 150 طائرة، وغواصة نووية، وسفناً أخرى مسلحة بصواريخ جوالة واعتراض، ونحو 2000 مقاتل مارينز، وطائرات قصف ثقيلة دفع بها إلى الأمام نحو قاعدة الناتو في صقلية، وعلى الطريق رزمة مساعدة لإسرائيل بمبلغ 14.3 مليار دولار، وحماية من الولايات المتحدة ضد قرارات معادية في مجلس الأمن، فضلاً عن زيارة الرئيس بايدن التي شكلت سابقة، وخطاباته الباعثة على الأمل ولقاءاته الباعثة على الانفعال والتأثر مع عائلات المغدورين والمخطوفين.

عملياً، ثمة تغيير جوهري في الاتجاه؛ فالولايات المتحدة التي أوشكت على “ترك” الشرق الأوسط في صالح أولويات أخرى، مثل المنافسة الاستراتيجية مع الصين والحرب الروسية الأوكرانية، اكتشفت بأن الشرق الأوسط لا يتركها، فعادت بقوة. تقف الولايات المتحدة على رأس محور شرق أوسطي “معتدل ومسؤول” يضم إسرائيل، ومصر، والأردن، ودول اتفاقات إبراهيم، والسعودية، ثم قطر ولو بصلة واهية. وهي تقف أمام محور مضاد لـ “دول وكيانات مارقة”: إيران، وسوريا، و”حزب الله”، وحماس، و”الجهاد الإسلامي” وما شابه. محور “المارقين” مسنود من روسيا وبمشاركة الصين، وبذلك ارتبط بشكل غير مباشر بالحرب في أوكرانيا وبأسواق النفط والغاز.

في أعقاب قصور 7 أكتوبر، تقف إسرائيل أمام الاختبار الأكثر تعقيداً في تاريخها. هناك احتمال حقيقي لفقد جزء من المخطوفين واتساع القتال في الشمال (ربما في الضفة). وهناك خطر من نشوب حرب استنزاف لعدة سنوات، بقوى تصعد وتهبط، مع ثمن عسكري – سياسي، واقتصادي – اجتماعي جسيم للغاية.

يقال من جهة أخرى إن إسرائيل ليست في خطر وجودي. نحو 30 ألف مقاتل حماس مع نحو 10 آلاف صاروخ، وحتى إلى جانب 60 ألف مقاتل من “حزب الله” بحوزتهم أكثر من 150 ألف صاروخ ومقذوفة صاروخية، لا يمكنهم أن يهزموا إسرائيل عسكرياً، وإن كان الحديث يدور في حينه عن حرب طويلة أكثر بكثير مع ثمن باهظ بالخسائر، وكذا ثمن اقتصادي باهظ للغاية. لكن إسرائيل ستتغلب وستنتصر عسكرياً.

لا يوجد كما أسلفنا خطر وجودي، رغم خطر حقيقي على قضم قدرة صمود المجتمع الإسرائيلي. في 7 أكتوبر انهار عقد الدولة مع مواطنيها، المتركز في وجوب ضمان الأمن الجسدي. قامت دولة إسرائيل لتكون مكاناً واحداً في العالم يمكن لليهود فيه التمتع بهذا الأمن. للسيادة ثمن. سنكون مدعوين من حين لآخر لنقاتل في سبيل الحق في الوجود في بلادنا. أن نقاتل – نعم. أن نذبح على أيدي قتلة – لا. لكن هذا حصل. ومن هنا تولد عمق الصدمة ومظاهر القلق.

في كل أبعاد التحدي: مصير المخطوفين، وردع إيران و”حزب الله”، والزمن، وشرعية استكمال المهام، ومسألة “اليوم التالي”، لهذا كله يجب أن يكون للولايات المتحدة دور مركزي، وأحياناً حرج، حتى نحقق أهدافنا. إسرائيل دولة سيادية، وحتى الولايات المتحدة لا يمكنها إملاء شروطها عليها. لكن الحديث يدور عن أهم أصدقائنا وعن رئيس التزم بأمن إسرائيل. فهو يطلب من حكومة إسرائيل النظر بمسؤولية وبوعي إلى الوضع واتخاذ القرارات. قرارات ترتبط بالواقع، ليس فقط بالدم الذي يغلي وعن حق. أو بدوافع وأماني بعض من زعمائنا.

كثير من الفرضيات التي اتخذها نتنياهو انهارت هي أيضا في 7 أكتوبر. انهارت فرضية أن “حماس ذخر والسلطة عبء”. انهارت فرضية أنه يمكن أن نرسم طريقاً للسلام مع العالم العربي بتجاهل الفلسطينيين. انهارت فرضية أنه يمكن الاستخفاف وخداع الولايات المتحدة مثلما فعل نتنياهو لأوباما وبايدن. انهارت فرضية “سيد الأمن” الذي يتحدث قبل 15 سنة عن إسقاط حماس، ووجد نفسه يوجه 1.5 مليار دولار لحماس، والآن أمام أفظع النتائج. انهارت أيضاً فرضية الزعيم من “مصاف آخر”. لقد أخطأ الرجل بالسنوار، وبوتين، وأوباما، وترامب، والآن يخطئ ببايدن.

في الوضع العادي كان معقولاً أن توثق إسرائيل العلاقات مع الولايات المتحدة وتعمل بانسجام، في محاولة لحل موضوع المخطوفين وإنتاج زمن وشرعية لاستكمال الأهداف، وأن تجري لهذا الغرض مباحثات مع الولايات المتحدة ومع الجيران العرب على مخطط “اليوم التالي” الذي تقام فيه قوة عربية تنقل قطاع غزة بالتدريج إلى السلطة الفلسطينية التي يتعين عليها أن تكون معززة وتثبت أهليتها. غير أنه لا يوجد في الولايات المتحدة ولا بين الشركاء في المحور المعتدل من يعمقون مثل هذا الحوار دون أن يقتنعوا بأن إسرائيل مستعدة لفصل جديد من محاولة الدفع قدماً بتسوية سياسية مع الفلسطينيين حتى وإن كانت متدرجة لسنوات ومع علامات طريق ملزمة.

الحكومة الحالية مشلولة عن العمل بمنطق. فوجود سموتريتش وبن غفير في الحكومة يسد الطريق أمام إمكانية البحث مع الولايات المتحدة في الحلول القابلة للتحقق ويؤدي إلى احتكاك خطير معها وإلى خطر على عموم اتفاقات السلام والتطبيع. سموتريتش وبن غفير وُجدا في الحكومة لأن نتنياهو معني ببقائه الشخصي وإنقاذ نفسه من محاكمته. القرار الذي يلوح في الأفق للعمل في ظل تجاهل موقف الولايات المتحدة قد يتبين كبقاء للأجيال ويعرض مكانة إسرائيل وقوتها وحرية عملها للخطر.

إن القتال في الميدان يتقدم كما ينبغي، لكن الحكومة ورئيسها لا يكادان يؤديان مهامهما. موضوع المخطوفين يلفه ضباب كثيف ويبعث على القلق. موضوع الزمن والشرعية يداران دون إنصات للعقل السليم وبفائض إنصات للمظاهر. موضوع “اليوم التالي” مدحور ويثير خطاباً فارغاً سيضطر للتراجع أمام الواقع أو أن يؤدي بإدارة الحرب إلى طريق مسدود. رئيس الوزراء يتصرف كمن هو غير مؤهل للتحدي. مشغول “باليوم التالي” السياسي. يغرد في الليالي ضد قادة جهاز الأمن، ويجمع البروتوكولات ويستخدم “آلة السم”، ويدور في النهار كمدمن على “التقاط الصور” في الوحدات العسكرية التي لا تريد رؤيته. يبعدون “الاحتياط” ويسحبون السلاح من الجنود النظاميين.

 إيهود باراك

 يديعوت أحرونوت

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى