​تغول الفساد في زمن اللا دولة

>
​في زمن اللا دولة هذا الذي وصلنا إليه، يبدو أن مفهوم القانون والنظام لم يعد أكثر من ذكرى بعيدة عن الواقع الذي نعيشه اليوم. فالحكومة وهي الأساس الذي يقوم عليه أي مجتمع فعال، تتباهى بالفساد، ولا تخشى من الاعتراف والمجاهرة به، وأولئك الذين ينخرطون في ممارسة الفساد يفعلون ذلك علنًا، وعلى رؤوس الأشهاد دون أي خوف من العواقب. وفي مثل هذا المجتمع لا يمكن إتمام أي معاملة دون رشوة أو وساطة، ويتآكل نسيج الثقة والنزاهة ببطء بين مؤسسات الدولة والمواطن.

لقد كان الفساد دائمًا آفة على المجتمع، ولكن في ظل غياب الدولة، أصبح متفشيًا وغير قابل للرقابة. فالحكومة التي ينبغي أن تحمي العدالة والإنصاف، أصبحت بدلًا عن ذلك مصدر الفساد ذاته. ولم يعد الأمر سرًا خفيًا، بل أصبح مدعاة للفخر والاعتزاز. وقد أدى التجاهل الصارخ للسلوك الأخلاقي وسيادة القانون إلى خلق بيئة أصبحت فيها الرشوة والوساطة هي القاعدة وليست الاستثناء.

وفي مثل هذا المجتمع يكون تأثير الفساد بعيد المدى. فهو يقوض أسس الثقة والنزاهة، ويؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي الذي يوحد المجتمع. فعندما يعجز المواطن عن إتمام المعاملات إلا من خلال الرشوة أوالوساطة، فإن ذلك يخلق جوًا من عدم الثقة والشك في أوساط الناس، حيث ينظر المواطنون باستمرار إلى فوق أكتافهم، ويتساءلون عمن يمكنهم الوثوق به أواللجوء إليه. ولا يؤثر انعدام الثقة هذا على العلاقات الشخصية فحسب، بل يعيق أيضًا التنمية الاقتصادية ويساهم في توسع رقعة الفقر تحت أقدام المجتمع. في حين يتردد المستثمرون والشركات في الدخول في معاملات في مثل هذه البيئة، لعلمهم أنه من المرجح أن يضطروا إلى الانخراط في ممارسات فاسدة لإنجاز أي معاملة.

علاوة على ذلك، فإن انتشار الفساد يؤدي إلى الشعور بالظلم وعدم المساواة. أولئك الذين يمتلكون الاستعداد للانخراط في الفساد قادرون على تجاوز النظام والتعدي على القانون، والحصول على مزايا غير عادلة، في حين يتخلف الشرفاء والضعفاء عن الركب ويحرمون من حقوقهم. وهذا يؤدي إلى تعميق وتوسيع رقعة الفقروالحرمان، حيث أن أولئك الذين لا يملكون الوسائل اللازمة للانخراط في الفساد يُتركون في وضع غير مؤاتٍ إلى حد كبير.

وفي عصر اللا دولة، من الضروري اتخاذ خطوات لمكافحة الفساد واستعادة الثقة في النظام.  ويبدأ ذلك بمحاسبة المفسدين وخلق ثقافة الشفافية والمساءلة. كما يتطلب إنشاء مؤسسات قوية قادرة على فرض سيادة القانون وضمان تحقيق العدالة
في النهاية، فإن انتشار الفساد يشكل في ظل غياب دولة فاعلة تهديدًا لنسيج المجتمع ذاته. فهو يؤدي إلى تآكل الثقة، وترسيخ اللا مساواة، ويعيق التقدم. ولا بد من اتخاذ خطوات لمكافحة الفساد واستعادة الثقة في النظام، فبدونها سيظل المجتمع ينهار تحت وطأة جشعه وخداعه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى