الحرب في الشرق الأوسط انهت التوتر بين روسيا وتركيا

> موسكو "الأيام":

> ​شهدت العلاقات بين روسيا وتركيا في الآونة الأخيرة فترات من التوتر على خلفية عدة تطورات، إلا أن الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط قد وضعت حدا على ما يبدو لتلك التوترات.

ويقول الباحث والكاتب الروسي رسلان سليمانوف المتخصص في قضايا الشرق الأوسط في تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن الفترة الأخيرة من التوتر بين روسيا وتركيا قد انتهت على ما يبدو.

وقبل بضعة أشهر فقط، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يختبر الخطوط الحمراء لموسكو من خلال القيام بمبادرات ودية تجاه أوكرانيا. والآن جاء رد الحكومتين الروسية والتركية على الحرب في الشرق الأوسط متماثلا تماما، باستخدامها كعصا لضرب إسرائيل وداعميها الغربيين.

ومن المرجح أن تسعى موسكو وأنقرة إلى تعزيز علاقاتهما الخاصة، ومواءمة مواقفهما بشأن القضايا الإقليمية الشائكة. لكن هذا لا يعني أن أحد الطرفين لن ينتهي به الأمر إلى اتهام الطرف الآخر بطعنه في الظهر.

واتخذ أردوغان عدة قرارات هذا الصيف كان الكرملين يعتبرها عدائية. وخلال زيارة قام بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في يوليو إلى إسطنبول، قال الرئيس التركي إن أوكرانيا “تستحق” عضوية الناتو.

وبالإضافة إلى ذلك، سلّم أردوغان إلى كييف خمسة قادة من فوج آزوف الأوكراني الذين كانوا في تركيا بموجب شروط تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.

وفي تلك اللحظة كان الكرملين مشغولا ببدء الهجوم المضاد الأوكراني والتمرد من قبل مجموعة فاغنر الروسية الخاصة، وكان عليه أن يكتفي بالاعتراضات اللفظية التي قدمها كبار المسؤولين.

وكان الرد الروسي الجاد الوحيد هو التراجع عن صفقة الحبوب في البحر الأسود على الرغم من جهود تركيا للتفاوض على التمديد، والتي تضمنت تدخلا شخصيا من قبل أردوغان.

وفي حين أدركت أنقرة أن موسكو في موقف ضعيف، كان أردوغان يختبر فقط الخطوط الحمراء لموسكو. ولم يكن يحاول إحداث تدهور في العلاقات الثنائية بشكل جذري.

ووافق أردوغان على الذهاب إلى منتجع سوتشي الروسي المطل على البحر الأسود في 4 سبتمبر للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، على الرغم من أن الخطة الأصلية كانت أن يذهب بوتين إلى تركيا.

وعلى الرغم من التوقعات، لم تؤد المحادثات إلى إحياء صفقة الحبوب، أو في الواقع تحقيق أيّ نتائج مهمة. وكانت النتيجة الرئيسية إشارة إلى العالم بأن العلاقات بين موسكو وأنقرة في حالة جيدة.

ويقول سليمانوف إن البيانات الاقتصادية تقدم دليلا حيا على الصداقة. وارتفع حجم التجارة بين روسيا وتركيا بأكثر من 80 في المئة في عام 2022 إلى 62 مليار دولار، حيث أصبحت روسيا أكبر مصدر لواردات تركيا. ومن المتوقع أن تكون أرقام هذا العام أعلى من ذلك.

ومع ذلك، كانت السياسة الخارجية دائما نقطة شائكة، مع استمرار الخلافات حول سوريا وليبيا ومنطقة ناغورني قرة باغ المتنازع عليها في جنوب القوقاز.

ومع ذلك، تمكنت روسيا وتركيا من تجنب المواجهة المفتوحة في السنوات الأخيرة. والآن، مع اشتعال الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، يجد البلدان نفسيهما في نفس المعسكر، وهو أمر لم يكن عليه الحال قط في أيّ قضية دولية كبرى أخرى، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التنبؤ بأن العلاقات بين البلدين سوف تتحسن بسرعة.

وذكر بيان للكرملين نقلا عن مكالمة هاتفية بين أردوغان وبوتين في 24 أكتوبر حول الحرب بين إسرائيل وحماس أن موسكو وأنقرة لديهما “مواقف متشابكة عمليا، تركز على تنفيذ حل الدولتين المعروف، الذي ينص على إنشاء فلسطين مستقلة تتعايش مع إسرائيل في سلام وأمن”.

وقد تكون مواقف الرئيسين متشابهة، إلا أن دوافعهما مختلفة تماما. فعندما يقول ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إن إسرائيل كقوة احتلال ليس لها الحق في الدفاع عن نفسها، فإنه يحاول تصوير روسيا كواحدة من قادة ما يسمى بالجنوب العالمي. وفي المقابل، يطمح أردوغان إلى قيادة العالم الإسلامي.

ويرى سليمانوف أن دعم روسيا المفتوح لحماس هو ظاهرة حديثة نسبيا، ونتيجة مباشرة للغزو واسع النطاق لأوكرانيا. وعلى وجه التحديد، أدّى الغزو إلى فتور العلاقات مع إسرائيل ودفء العلاقات مع إيران، الراعي الرئيسي لحماس.

وقبل هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل، كان من الممكن تفسير مشهد وفود حماس في موسكو على أنه سعي من قبل روسيا للتوسط بين الفصائل الفلسطينية. ومع ذلك، تنظر إسرائيل الآن إلى مثل هذه الاتصالات بشكل مختلف تماما.

ومن ناحية أخرى، لطالما دعّم أردوغان حماس، وسمح لمقاتلي الحركة بالإقامة في تركيا ومنحهم جوازات سفر تركية. وخرج الرئيس التركي نفسه من عباءة الدوائر الإسلامية، ودعم حماس مهمّ من الناحية الأيديولوجية بالنسبة إليه.

وفي الأيام الأولى من الحرب الحالية، حاول أردوغان التنقل ذهابا وإيابا بين إسرائيل وحماس (وألمحت بعض التقارير إلى أنه طرد قادة حماس من إسطنبول). لكنه سرعان ما تخلى عن هذا التكتيك وقرّر تقديم دعمه الكامل “للأشقاء” الفلسطينيين.

وقد دفعت الطرق المختلفة موسكو وأنقرة إلى اتخاذ القرار نفسه بالتضحية بالعلاقات مع تل أبيب، ممّا يعني أنه لا يمكن لأيّ منهما أن يكون وسيطا في الصراع الحالي.

ويبدو أن اقتراح تركيا الأخير بإنشاء مجموعة من الضامنين لتسهيل التوصل إلى حل للقتال غير قابل للتحقيق وحتى موسكو لم تكن متحمّسة للفكرة.

وفي الوقت نفسه، لم تكن تفاعلات أيّ من البلدين مع حماس فعّالة بشكل خاص. وعلى الرغم من التنسيق مع القيادة السياسية للجماعة، لم تحقق روسيا ولا تركيا تحرير أيّ رهائن.

وهذا يتناقض مع الجهود الأكثر نجاحا التي تبذلها مصر وقطر، على سبيل المثال، وهما على اتصال مع الجناح العسكري لحماس في غزة.

ومع ذلك، فإن نهجهما يسمح لروسيا وتركيا بتوجيه انتقادات متكرّرة إلى الغرب، وهو أمر مهم لهما محليا أمام مواطنيهما. ومن خلال اتهام الولايات المتحدة بتأجيج الفوضى في الشرق الأوسط، يعزز بوتين روايته بأن الغرب هو مصدر كل المحن في روسيا والعالم الأوسع.

وبنفس الطريقة، فإن انتقاد أردوغان للغرب لمحاولته بدء حرب بين المسيحية والإسلام يروق لمشاعر قوية مناهضة لحلف شمال الأطلسي في تركيا.

ومع ذلك، فإن مثل هذا الخطاب من أردوغان لا يعني أنه يريد تدمير علاقاته مع الناتو. ولم يكن من قبيل المصادفة أنه قبل يومين فقط من إلقاء خطاب غاضب لدعم حماس، قدم أردوغان مشروع قانون إلى البرلمان من شأنه أن يوافق على عضوية السويد في الحلف العسكري الغربي، وهو أمر قاومته تركيا في السابق.

ويقول سليمانوف إنه لذلك من غير المرجّح أن يتمكن الكرملين من تجنيد تركيا في حملته المناهضة للغرب نيابة عن الجنوب العالمي.

وإذا احتاج أردوغان إلى إظهار الولاء لشركائه في الناتو (كما هو الحال مع تصويت عضوية السويد)، فسوف يفعل ذلك دون حتى إلقاء نظرة إلى الوراء على موسكو.

ويضيف سليمانوف أن الاتفاق حول الصراع بين إسرائيل وحماس يعني أن التعاون الدبلوماسي بين روسيا وتركيا حول جنوب القوقاز وسوريا على سبيل المثال سوف ينمو. لكن أيّ دفء في العلاقات سيكون ظرفيا، ولن يكون هناك أيّ ضمان على الإطلاق ضد الخلافات المستقبلية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى