> «الأيام» القدس العربي:
امتلأت شوارع قطاع غزة بالسكان، مع بداية الإعلان عن الهدنة بين المقاومة
الفلسطينية ودولة الاحتلال، بعد أن بقيت الحركة طوال فترة أيام الحرب
السابقة والطويلة مقتصرة على الخروج الاضطراري إما للتسوق أو العلاج أو
غيرها من الضروريات.
وبعد توقف الغارات الجوية الإسرائيلية، والتي لم تهدأ للحظة على مدار أيام الحرب السابقة، وأدت إلى مجازر دامية سقط فيها عشرات آلاف الشهداء والمصابين، وأحدثت دماراً كبيراً في كافة مناطق القطاع، خرج المواطنون بعد اطمئنانهم قليلاً من منازلهم وتجولوا في الشوارع كلّ إلى وجهته.
وكانت الأغلبية من السكان قد خرجوا لزيارة أقارب وأصدقاء لهم، حرموا من رؤيتهم على مدار أيام الحرب، من بينهم أقارب من الدرجة الأولى، فيما قام آخرون بزيارات لمنازل الضحايا من الأهل والأصدقاء لتقديم العزاء في استشهاد أفراد من أسرهم، كما عجّت الشوارع أيضاً بالمارة الذين تفقدوا الدمار والخراب الهائل الذي أحدثته الغارات الجوية التي نفذها الطيران الحربي الإسرائيلي.
وعلت الدهشة وجوه المتجولين من حجم الدمار والخراب الذي لحق بمناطق سكنهم، إذ لم يكن طوال أيام الحرب السابقة التي استمرت فيها الغارات الجوية الإسرائيلية على مدار 48 يوماً، يرى السكان إلا ما يحيط بمناطق سكنهم من غارات ودمار، وتلك التي تكون في طريقهم للأسواق، أو بعض الأماكن التي اضطروا لزيارتها، مثل العيادات الطبية.
ولوحظ خروج الأطفال أيضاً للشوارع بهدف اللعب، بعد أن ظلت حركتهم، طوال الفترة الماضية، مقتصرة بشكل كبير داخل المنازل، إذ كان الأهالي يخشون عليهم من شظايا القصف والغارات، رغم أن غالبية العدد الكبير من شهداء الحرب كانوا من الأطفال، الذين قضوا تحت ركام منازلهم المدمرة، فيما لا يزال هناك آخرون كثر تحت الركام.
وقابلت “القدس العربي” الكثير من المواطنين، رجالاً ونساء وشباناً، بعد دخول الهدنة حيز التنفيذ، خلال تجولهم في الشوارع.
زيارات الأقارب وبيوت الضحايا
وهذا الرجل كغيره اعتمد على إجراء اتصالات بأقاربه خلال فترة الحرب، كلما توفرت شبكة الاتصالات، والتي تعرضت لضرر كبير جراء الاستهدافات الإسرائيلية، جعلها خارج الخدمة معظم الوقت، ويقول إنه ينوي أيضاً زيارة أقارب له فقدوا أبناء لهم خلال الحرب بعد هذه الزيارة.
واستقبل أهالي الضحايا أيضاً الكثير من الأقارب والأصدقاء، معزين بوفاة أبناء لهم، في أيام الحرب الماضية، بعد أن حرمت الظروف تقديم التعازي بالشكل الاعتيادي السابق.
وبسبب الغارات الجوية الدامية والمتلاحقة، لم يقم أهالي الشهداء بفتح بيوت عزاء، على غرار العادة، واكتفوا فقط بمراسم التشييع التي اقتصرت على عدد قليل جداً ومحدود من المتواجدين في محيط السكن، والعودة من المقبرة كل إلى منزله.
ولاحظت “القدس العربي” تجمهرات كثيرة لمواطنين قرب منازل الضحايا، ولم يقم الأهالي مع بداية الهدنة بفتح بيوت العزاء، واكتفوا بتقبّل التعازي في الشوارع، إذ لم تقتصر الزيارات إلا لدقائق.
كما لاحظت “القدس العربي” وجود حركة كبيرة قرب مراكز الإيواء، راجعة لزيارات قامت بها الأسر النازحة من مدينة غزة والشمال لبعضها البعض.
وفي مخيم النصيرات، وسط القطاع، حيث يوجد كم كبير من النازحين، تتباعد بعض مراكز الإيواء عن بعضها البعض لمسافات تصل إلى أكثر من ثلاثة كيلو مترات، وقد اضطرت الأسر النازحة إلى النزول للإقامة في بعضها، دون أن تعرف في البداية أماكن إقامة جيران وأصدقاء وأقارب لهم، قبل أن يعرفوا ذلك عبر اتصالات أجريت في ما بينهم.
وقالت أم عمرو، إحدى السيدات اللواتي قابلت قريبة لها بالعناق الحار، أمام مركز يتواجد جنوب المخيم، إنها لم ترها من قبل الحرب بأكثر من أسبوعين، وأنهما لم تتمكنا من اللقاء بسبب ظروف الحرب.
ولا تزال هذه المراكز تشهد ازدحامات كبيرة، بسبب عدد النازحين الذين أجبروا على ترك مناطق غزة والشمال، ومن المتوقع أن يزداد الازدحام مع استمرار حركة النزوح.
وقد عبّرت تلك السيدة وقريبتها التي قدمت لزيارتها عن أملهما، في أن تستمر الهدنة الحالية، بما ينهي الحرب بشكل كامل، ويمكّنهما وأسرهما من العودة إلى مناطق سكنهم شمال قطاع غزة.
والجدير ذكره أن قوات الاحتلال، حتى قبل وقت وجيز من دخول الهدنة حيز التنفيذ، كانت تشن غارات على عدة مناطق في القطاع، كما صعدت من تلك الغارات الجوية طوال ليل الخميس وفجر الجمعة.
ورغم الهدنة، التي دخلت صباح الجمعة حيز التنفيذ، بعد وساطات كبيرة قامت فيها عدة أطراف، تستمر حركة نزوح سكان مدينة غزة والشمال إلى مناطق “جنوب وداي غزة”، وهي مناطق الوسط والجنوب المتمثلة في مدينتي خان يونس ورفح.
وشاهدت “القدس العربي”، في طريق توجّهها إلى مدينة دير البلح، التي تعد مركز المنطقة الوسطى، عوائل تسير على جانبي طريق صلاح الدين، بعد اجتيازها ذلك المقطع من الشارع الرئيس الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال، وهي في طريقها إلى المدينة، وأخرى إلى جنوب القطاع.
وهذه العوائل تسير أحياناً مشياً على الأقدام، وتستقل أحياناً عربات تجرّها حيوانات، وفي بعض المرات تستقل شاحنات، في رحلة الوصول الشاقة.
وذكرت الشابة نور، التي تحدثت بدلاً عن والديها المنهكين من التعب، خلال الاستراحة قليلاً على مدخل مخيم النصيرات، القريب من نقطة الوصول بعد رحلة النزوح، إنهم قدموا من مخيم جباليا شمال القطاع، مستغلين الهدنة ووقف إطلاق النار، حيث لم يعد هناك أي شكل للحياة، وتقول تلك الشابة الجامعية، إن منطقة سكنها كما باقي المناطق، لم يصلها أي مساعدات، فيما نفدت المواد الغذائية من الأسواق، ولم يتبق ما يأكلونه.
وتحدثت عن أيام مريرة عاشتها الأسرة بسبب الخوف من الموت إما جوعاً أو قصفاً بالصواريخ التي أطلقتها قوات الاحتلال، وطالت مرات عديدة الحي الذي تقطنه.
ولم تكن هذه العائلة تأمن النزوح، في الأيام الماضية، خشية من تعرضها للقتل على أيدي قوات الاحتلال، بعد أن سمعت عن أخبار النازحين الذين قضوا في طريق النزوح، وقد امتلأت الطرق بجثامينهم.
ورغم معرفتها بظروف النازحين، وحتى غير النازحين، السيئة “جنوب وادي غزة”، من حيث ندرة الطعام، وازدحام مراكز الإيواء، إلا أن هذه العائلة قررت النزوح، كون الحياة باتت مستحيلة في مناطق غزة والشمال.
ويقدر عدد النازحين من منازلهم بسبب الحرب نحو 1.7 مليون مواطن، من أصل 2.3 مليون يقطنون قطاع غزة، وتقول “الأونروا” إن مراكزها تؤوي ما يقرب من 884,000 نازح، من بينهم حوالي 724,000 نازح، في 97 منشأة في مناطق الوسط وخان يونس ورفح، فيما باقي النازحين يقيمون في ساحات المشافي وفي منازل الأهل والأصدقاء، أو في ساحات عامة أو في الشوارع.
ورغم الهدنة، لم تسمح قوات الاحتلال بحركة السكان من مناطق الوسط والجنوب إلى غزة، واقتصرتها فقط على حركة النزوح، لكن عائلة هذه الشابة التي وصلت لتوها، وتستعد للوصول إلى منزل أحد الأقارب في مدينة خان يونس، أكدت أنها لو انتهت الحرب، وفتح المجال للعودة، فإنها مستعدة لذلك من هذه اللحظة.
إلى ذلك، قام مواطنون نزحوا من مناطق سكنهم شمال قطاع غزة إلى بعض المدارس ومنازل الأقارب في مناطق أخرى هناك، بتفقد منازلهم التي تقع في مناطق تعرضت للتدمير الكبير من قبل قوات الاحتلال، وذلك قبل الانسحاب منها خلال عملية التوغل البري.
وحاول مواطنون العودة إلى مناطق سكنهم في مدينة غزة والشمال، عن طريق صلاح الدين، غير أن قوات الاحتلال استهدفتهم بإطلاق الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى سقوط شهداء وإصابات، كذلك استهدفت قوات الاحتلال المتوغلة في مدينة غزة سكاناً حاولوا تفقد منازلهم في محيط مشفى الرنتيسي بإطلاق النار، وحالت دون ذلك.
وقد تعرضت مناطق واسعة في مدينة غزة والشمال إلى عمليات تدمير ممنهجة نفذتها قوات الاحتلال، سواء من خلال القصف الجوي العنيف على أحياء كاملة، أو من خلال عمليات التجريف الواسعة بالجرافات وقصف الدبابات خلال عمليات التوغل البري.
وكان جيش الاحتلال مهد الطريق أمام الدبابات المتوغلة بعمليات قصف جوي عنيفة جداً، على شكل “أحزمة نارية”، طالت أحياء سكنية كاملة، كما قامت الآليات المتوغلة بعمليات تدمير خطيرة وواسعة النطاق.
وأظهرت لقطات مصورة نشرها سكان من مدينة غزة، بعد انسحاب الدبابات الإسرائيلية منها، حجم الدمار الخطير لمناطق تقع في حي الرمال، أحد أكثر أحياء مدينة غزة شهرة ورقياً، حيث جرفت الشوارع بالكامل، بما في ذلك منطقة “ميدان الجندي المجهول”، وهي عبارة عن منتزه عام كان قبل الحرب مزروعاً بأشجار الظل والزينة، قبل أن يتحول إلى منطقة صفراء من الرمال القاحلة.
كما أظهرت لقطات أخرى، نشرها مواطنون لمناطق سكنهم، بعد تمكّنهم من تفقد الدمار، مع حلول الهدنة، عمليات الخراب الكبير والدمار للكثير من المناطق، وظهرت أحياء كاملة قد مسحت عن الخريطة.
ومن بين المناطق التي تعرضت لدمار كبير جداً، علاوة عن أحياء عدة في مدينة غزة، كل من مخيم الشاطئ غرب المدينة، وكذلك بلدة بيت حانون شمال القطاع ومخيم جباليا، وقد سبق أن بيّنت صور لأقمار صناعية حجم ذلك الدمار المخيف.
وقد تعمدت قوات الاحتلال تدمير عشرات آلاف المباني في قطاع غزة، وجعل الكثير من المناطق غير صالحة للسكن.
وذكر المكتب الإعلامي في غزة، في إحصائية رسمية، أن عدد الوحدات السكنية التي تعرّضت إلى هدم كلّي بلغ 43,000 وحدة سكنية، إضافة إلى 225,000 وحدة سكنية تعرضت للهدم الجزئي، ما يعني أن حوالي 60% من الوحدات السكنية في قطاع غزة تأثر بالعدوان ما بين هدم كلي وغير صالح للسكن وهدم جزئي.
وقد خرج آخرون إلى محطات تعبئة غاز الطهي بحثاً عن كميات ولو قليلة، لتعبئة أسطوانات الغاز المنزلي التي نفدت من غالبية المنازل، لكن دون أن يجدوا ما يبغون، بسبب استمرار سلطات الاحتلال في منع دخول الوقود بكافة أشكاله إلى المواطنين، واقتصاره فقط على وكالة “الأونروا” لاستخدامه في تشغيل عرباتها وبعض المراكز الأساسية، كمحطات تحلية المياه ومحطات ضح مياه الصرف الصحي.
كما قطع مواطنون آخرون مسافات طويلة مستغلين الهدنة، بحثاً عن إيجاد كميات من الحطب لإيقاد النار واستخدامها في الطهي وخبز الدقيق، والتي انتشرت بشكل كبير في كافة مناطق القطاع، كبديل عن الأفران والمواقد التي تعمل بغاز الطهي.
ولوحظ أيضا بحث الكثير من المواطنين عن مواد غذائية أساسية، وفي مقدمتها الدقيق، الشحيح بشكل كبير من الأسواق.
وتنص بنود الهدنة، التي دخلت حيّز التنفيذ صباح الجمعة، إلى جانب تبادل الأسرى، على السماح بزيادة حجم المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة، بما في ذلك إدخال الوقود اللازم لاستخدام السكان.
وتنص التهدئة، حسب بيان توضيحي لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس”، على وقف جميع الأعمال العسكرية، من كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية، وكذلك الاحتلال، طوال فترة التهدئة.
كما تشمل وقف “الطيران المعادي” عن التحليق بشكل كامل في جنوب قطاع غزة، وكذلك توقف هذا الطيران عن التحليق لمدة 6 ساعات يومياً، من الساعة الـ 10 صباحاً وحتى الــ 4 مساء في مدينة غزة والشمال.
وخلال الهدنة، وفق توضيح “القسام”، يتم الإفراج عن 3 أسرى فلسطينيين من النساء والأطفال، مقابل كل أسير إسرائيلي واحد، وأنه خلال الــ 4 أيام يتم الإفراج عن 50 أسيراً إسرائيلياً من النساء والأطفال دون الـ 19 عاماً.
كما تنص على أن يتم يومياً إدخال 200 شاحنة من المواد الإغاثية والطبية لكافة مناطق قطاع غزة، إضافة إلى إدخال 4 شاحنات وقود، وكذلك غاز الطهي لكافة مناطق قطاع غزة.
وقد طالب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بإمداد جميع محافظات القطاع بالوقود اللازم، وخاصة لتشغيل جميع المستشفيات والطواقم التي تقدّم الخدمات الإنسانية، مثل طواقم الدفاع المدني والإنقاذ والإغاثة والطوارئ والبلديات، لتشغيل شبكات المياه والآبار والصرف الصحي وكافة المؤسسات ذات العلاقة، في إطار تسيير حياة المواطنين في جميع المحافظات.
كما طالب تزويد جميع المستشفيات في محافظات قطاع غزة بالمستلزمات الطبية اللازمة لإعادة تشغيل 26 مستشفى وعشرات المراكز الطبية.
وشدد على ضرورة تزويد محافظات قطاع غزة بالمواد الغذائية الأساسية، وتسيير قوافل الإمدادات الإغاثية العاجلة، وضمان تشغيل المخابز والأسواق والمحال التجارية، في إطار تجنب وقوع مجاعة أو أي كارثة إنسانية.
حركة نشطة في الشوارع
وبعد توقف الغارات الجوية الإسرائيلية، والتي لم تهدأ للحظة على مدار أيام الحرب السابقة، وأدت إلى مجازر دامية سقط فيها عشرات آلاف الشهداء والمصابين، وأحدثت دماراً كبيراً في كافة مناطق القطاع، خرج المواطنون بعد اطمئنانهم قليلاً من منازلهم وتجولوا في الشوارع كلّ إلى وجهته.
وكانت الأغلبية من السكان قد خرجوا لزيارة أقارب وأصدقاء لهم، حرموا من رؤيتهم على مدار أيام الحرب، من بينهم أقارب من الدرجة الأولى، فيما قام آخرون بزيارات لمنازل الضحايا من الأهل والأصدقاء لتقديم العزاء في استشهاد أفراد من أسرهم، كما عجّت الشوارع أيضاً بالمارة الذين تفقدوا الدمار والخراب الهائل الذي أحدثته الغارات الجوية التي نفذها الطيران الحربي الإسرائيلي.
وعلت الدهشة وجوه المتجولين من حجم الدمار والخراب الذي لحق بمناطق سكنهم، إذ لم يكن طوال أيام الحرب السابقة التي استمرت فيها الغارات الجوية الإسرائيلية على مدار 48 يوماً، يرى السكان إلا ما يحيط بمناطق سكنهم من غارات ودمار، وتلك التي تكون في طريقهم للأسواق، أو بعض الأماكن التي اضطروا لزيارتها، مثل العيادات الطبية.
ولوحظ خروج الأطفال أيضاً للشوارع بهدف اللعب، بعد أن ظلت حركتهم، طوال الفترة الماضية، مقتصرة بشكل كبير داخل المنازل، إذ كان الأهالي يخشون عليهم من شظايا القصف والغارات، رغم أن غالبية العدد الكبير من شهداء الحرب كانوا من الأطفال، الذين قضوا تحت ركام منازلهم المدمرة، فيما لا يزال هناك آخرون كثر تحت الركام.
وقابلت “القدس العربي” الكثير من المواطنين، رجالاً ونساء وشباناً، بعد دخول الهدنة حيز التنفيذ، خلال تجولهم في الشوارع.
في مدينة دير البلح، وسط القطاع، نزل رجل وزوجته من على ظهر عربة يجرها حصان، قادمة من مخيم المغازي القريب، إذ لا تتوفر المواصلات العادية وركوب السيارات إلا بصعوبة، وقال هذا الرجل، ويدعى صالح إسماعيل، وهو في بداية العقد الرابع، إنه قدم لزيارة شقيقته في هذا المكان، والتي لم يرها قبل أن تبدأ الحرب بأسبوع.
وهذا الرجل كغيره اعتمد على إجراء اتصالات بأقاربه خلال فترة الحرب، كلما توفرت شبكة الاتصالات، والتي تعرضت لضرر كبير جراء الاستهدافات الإسرائيلية، جعلها خارج الخدمة معظم الوقت، ويقول إنه ينوي أيضاً زيارة أقارب له فقدوا أبناء لهم خلال الحرب بعد هذه الزيارة.
واستقبل أهالي الضحايا أيضاً الكثير من الأقارب والأصدقاء، معزين بوفاة أبناء لهم، في أيام الحرب الماضية، بعد أن حرمت الظروف تقديم التعازي بالشكل الاعتيادي السابق.
وبسبب الغارات الجوية الدامية والمتلاحقة، لم يقم أهالي الشهداء بفتح بيوت عزاء، على غرار العادة، واكتفوا فقط بمراسم التشييع التي اقتصرت على عدد قليل جداً ومحدود من المتواجدين في محيط السكن، والعودة من المقبرة كل إلى منزله.
ولاحظت “القدس العربي” تجمهرات كثيرة لمواطنين قرب منازل الضحايا، ولم يقم الأهالي مع بداية الهدنة بفتح بيوت العزاء، واكتفوا بتقبّل التعازي في الشوارع، إذ لم تقتصر الزيارات إلا لدقائق.
كما لاحظت “القدس العربي” وجود حركة كبيرة قرب مراكز الإيواء، راجعة لزيارات قامت بها الأسر النازحة من مدينة غزة والشمال لبعضها البعض.
وفي مخيم النصيرات، وسط القطاع، حيث يوجد كم كبير من النازحين، تتباعد بعض مراكز الإيواء عن بعضها البعض لمسافات تصل إلى أكثر من ثلاثة كيلو مترات، وقد اضطرت الأسر النازحة إلى النزول للإقامة في بعضها، دون أن تعرف في البداية أماكن إقامة جيران وأصدقاء وأقارب لهم، قبل أن يعرفوا ذلك عبر اتصالات أجريت في ما بينهم.
وقالت أم عمرو، إحدى السيدات اللواتي قابلت قريبة لها بالعناق الحار، أمام مركز يتواجد جنوب المخيم، إنها لم ترها من قبل الحرب بأكثر من أسبوعين، وأنهما لم تتمكنا من اللقاء بسبب ظروف الحرب.
ولا تزال هذه المراكز تشهد ازدحامات كبيرة، بسبب عدد النازحين الذين أجبروا على ترك مناطق غزة والشمال، ومن المتوقع أن يزداد الازدحام مع استمرار حركة النزوح.
وقد عبّرت تلك السيدة وقريبتها التي قدمت لزيارتها عن أملهما، في أن تستمر الهدنة الحالية، بما ينهي الحرب بشكل كامل، ويمكّنهما وأسرهما من العودة إلى مناطق سكنهم شمال قطاع غزة.
والجدير ذكره أن قوات الاحتلال، حتى قبل وقت وجيز من دخول الهدنة حيز التنفيذ، كانت تشن غارات على عدة مناطق في القطاع، كما صعدت من تلك الغارات الجوية طوال ليل الخميس وفجر الجمعة.
استمرار النزوح القسري
ورغم الهدنة، التي دخلت صباح الجمعة حيز التنفيذ، بعد وساطات كبيرة قامت فيها عدة أطراف، تستمر حركة نزوح سكان مدينة غزة والشمال إلى مناطق “جنوب وداي غزة”، وهي مناطق الوسط والجنوب المتمثلة في مدينتي خان يونس ورفح.
وشاهدت “القدس العربي”، في طريق توجّهها إلى مدينة دير البلح، التي تعد مركز المنطقة الوسطى، عوائل تسير على جانبي طريق صلاح الدين، بعد اجتيازها ذلك المقطع من الشارع الرئيس الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال، وهي في طريقها إلى المدينة، وأخرى إلى جنوب القطاع.
وهذه العوائل تسير أحياناً مشياً على الأقدام، وتستقل أحياناً عربات تجرّها حيوانات، وفي بعض المرات تستقل شاحنات، في رحلة الوصول الشاقة.
وذكرت الشابة نور، التي تحدثت بدلاً عن والديها المنهكين من التعب، خلال الاستراحة قليلاً على مدخل مخيم النصيرات، القريب من نقطة الوصول بعد رحلة النزوح، إنهم قدموا من مخيم جباليا شمال القطاع، مستغلين الهدنة ووقف إطلاق النار، حيث لم يعد هناك أي شكل للحياة، وتقول تلك الشابة الجامعية، إن منطقة سكنها كما باقي المناطق، لم يصلها أي مساعدات، فيما نفدت المواد الغذائية من الأسواق، ولم يتبق ما يأكلونه.
وتحدثت عن أيام مريرة عاشتها الأسرة بسبب الخوف من الموت إما جوعاً أو قصفاً بالصواريخ التي أطلقتها قوات الاحتلال، وطالت مرات عديدة الحي الذي تقطنه.
ولم تكن هذه العائلة تأمن النزوح، في الأيام الماضية، خشية من تعرضها للقتل على أيدي قوات الاحتلال، بعد أن سمعت عن أخبار النازحين الذين قضوا في طريق النزوح، وقد امتلأت الطرق بجثامينهم.
ورغم معرفتها بظروف النازحين، وحتى غير النازحين، السيئة “جنوب وادي غزة”، من حيث ندرة الطعام، وازدحام مراكز الإيواء، إلا أن هذه العائلة قررت النزوح، كون الحياة باتت مستحيلة في مناطق غزة والشمال.
ويقدر عدد النازحين من منازلهم بسبب الحرب نحو 1.7 مليون مواطن، من أصل 2.3 مليون يقطنون قطاع غزة، وتقول “الأونروا” إن مراكزها تؤوي ما يقرب من 884,000 نازح، من بينهم حوالي 724,000 نازح، في 97 منشأة في مناطق الوسط وخان يونس ورفح، فيما باقي النازحين يقيمون في ساحات المشافي وفي منازل الأهل والأصدقاء، أو في ساحات عامة أو في الشوارع.
ورغم الهدنة، لم تسمح قوات الاحتلال بحركة السكان من مناطق الوسط والجنوب إلى غزة، واقتصرتها فقط على حركة النزوح، لكن عائلة هذه الشابة التي وصلت لتوها، وتستعد للوصول إلى منزل أحد الأقارب في مدينة خان يونس، أكدت أنها لو انتهت الحرب، وفتح المجال للعودة، فإنها مستعدة لذلك من هذه اللحظة.
إلى ذلك، قام مواطنون نزحوا من مناطق سكنهم شمال قطاع غزة إلى بعض المدارس ومنازل الأقارب في مناطق أخرى هناك، بتفقد منازلهم التي تقع في مناطق تعرضت للتدمير الكبير من قبل قوات الاحتلال، وذلك قبل الانسحاب منها خلال عملية التوغل البري.
وحاول مواطنون العودة إلى مناطق سكنهم في مدينة غزة والشمال، عن طريق صلاح الدين، غير أن قوات الاحتلال استهدفتهم بإطلاق الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى سقوط شهداء وإصابات، كذلك استهدفت قوات الاحتلال المتوغلة في مدينة غزة سكاناً حاولوا تفقد منازلهم في محيط مشفى الرنتيسي بإطلاق النار، وحالت دون ذلك.
وقد تعرضت مناطق واسعة في مدينة غزة والشمال إلى عمليات تدمير ممنهجة نفذتها قوات الاحتلال، سواء من خلال القصف الجوي العنيف على أحياء كاملة، أو من خلال عمليات التجريف الواسعة بالجرافات وقصف الدبابات خلال عمليات التوغل البري.
وكان جيش الاحتلال مهد الطريق أمام الدبابات المتوغلة بعمليات قصف جوي عنيفة جداً، على شكل “أحزمة نارية”، طالت أحياء سكنية كاملة، كما قامت الآليات المتوغلة بعمليات تدمير خطيرة وواسعة النطاق.
وأظهرت لقطات مصورة نشرها سكان من مدينة غزة، بعد انسحاب الدبابات الإسرائيلية منها، حجم الدمار الخطير لمناطق تقع في حي الرمال، أحد أكثر أحياء مدينة غزة شهرة ورقياً، حيث جرفت الشوارع بالكامل، بما في ذلك منطقة “ميدان الجندي المجهول”، وهي عبارة عن منتزه عام كان قبل الحرب مزروعاً بأشجار الظل والزينة، قبل أن يتحول إلى منطقة صفراء من الرمال القاحلة.
كما أظهرت لقطات أخرى، نشرها مواطنون لمناطق سكنهم، بعد تمكّنهم من تفقد الدمار، مع حلول الهدنة، عمليات الخراب الكبير والدمار للكثير من المناطق، وظهرت أحياء كاملة قد مسحت عن الخريطة.
ومن بين المناطق التي تعرضت لدمار كبير جداً، علاوة عن أحياء عدة في مدينة غزة، كل من مخيم الشاطئ غرب المدينة، وكذلك بلدة بيت حانون شمال القطاع ومخيم جباليا، وقد سبق أن بيّنت صور لأقمار صناعية حجم ذلك الدمار المخيف.
وقد تعمدت قوات الاحتلال تدمير عشرات آلاف المباني في قطاع غزة، وجعل الكثير من المناطق غير صالحة للسكن.
وذكر المكتب الإعلامي في غزة، في إحصائية رسمية، أن عدد الوحدات السكنية التي تعرّضت إلى هدم كلّي بلغ 43,000 وحدة سكنية، إضافة إلى 225,000 وحدة سكنية تعرضت للهدم الجزئي، ما يعني أن حوالي 60% من الوحدات السكنية في قطاع غزة تأثر بالعدوان ما بين هدم كلي وغير صالح للسكن وهدم جزئي.
البحث عن وسائل الحياة
وقد خرج آخرون إلى محطات تعبئة غاز الطهي بحثاً عن كميات ولو قليلة، لتعبئة أسطوانات الغاز المنزلي التي نفدت من غالبية المنازل، لكن دون أن يجدوا ما يبغون، بسبب استمرار سلطات الاحتلال في منع دخول الوقود بكافة أشكاله إلى المواطنين، واقتصاره فقط على وكالة “الأونروا” لاستخدامه في تشغيل عرباتها وبعض المراكز الأساسية، كمحطات تحلية المياه ومحطات ضح مياه الصرف الصحي.
كما قطع مواطنون آخرون مسافات طويلة مستغلين الهدنة، بحثاً عن إيجاد كميات من الحطب لإيقاد النار واستخدامها في الطهي وخبز الدقيق، والتي انتشرت بشكل كبير في كافة مناطق القطاع، كبديل عن الأفران والمواقد التي تعمل بغاز الطهي.
ولوحظ أيضا بحث الكثير من المواطنين عن مواد غذائية أساسية، وفي مقدمتها الدقيق، الشحيح بشكل كبير من الأسواق.
وتنص بنود الهدنة، التي دخلت حيّز التنفيذ صباح الجمعة، إلى جانب تبادل الأسرى، على السماح بزيادة حجم المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة، بما في ذلك إدخال الوقود اللازم لاستخدام السكان.
وتنص التهدئة، حسب بيان توضيحي لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس”، على وقف جميع الأعمال العسكرية، من كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية، وكذلك الاحتلال، طوال فترة التهدئة.
كما تشمل وقف “الطيران المعادي” عن التحليق بشكل كامل في جنوب قطاع غزة، وكذلك توقف هذا الطيران عن التحليق لمدة 6 ساعات يومياً، من الساعة الـ 10 صباحاً وحتى الــ 4 مساء في مدينة غزة والشمال.
وخلال الهدنة، وفق توضيح “القسام”، يتم الإفراج عن 3 أسرى فلسطينيين من النساء والأطفال، مقابل كل أسير إسرائيلي واحد، وأنه خلال الــ 4 أيام يتم الإفراج عن 50 أسيراً إسرائيلياً من النساء والأطفال دون الـ 19 عاماً.
كما تنص على أن يتم يومياً إدخال 200 شاحنة من المواد الإغاثية والطبية لكافة مناطق قطاع غزة، إضافة إلى إدخال 4 شاحنات وقود، وكذلك غاز الطهي لكافة مناطق قطاع غزة.
وقد طالب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بإمداد جميع محافظات القطاع بالوقود اللازم، وخاصة لتشغيل جميع المستشفيات والطواقم التي تقدّم الخدمات الإنسانية، مثل طواقم الدفاع المدني والإنقاذ والإغاثة والطوارئ والبلديات، لتشغيل شبكات المياه والآبار والصرف الصحي وكافة المؤسسات ذات العلاقة، في إطار تسيير حياة المواطنين في جميع المحافظات.
كما طالب تزويد جميع المستشفيات في محافظات قطاع غزة بالمستلزمات الطبية اللازمة لإعادة تشغيل 26 مستشفى وعشرات المراكز الطبية.
وشدد على ضرورة تزويد محافظات قطاع غزة بالمواد الغذائية الأساسية، وتسيير قوافل الإمدادات الإغاثية العاجلة، وضمان تشغيل المخابز والأسواق والمحال التجارية، في إطار تجنب وقوع مجاعة أو أي كارثة إنسانية.