​تطبيع الحياة المدنية في عدن

> ​أقام أحد المنتديات العدنية صباح السبت 13 / 5 / 2023 ندوة ثقافية تحت عنوان " تطبيع الحياة المدنية في مدنية عدن، واستعادة تطبيق القانون"،  وتبعته ندوات أخرى طيلة الشهور التالية كان آخرها الأربعاء الماضي 29 نوفمبر بمناسبة الاستقلال الوطني. وكان الموضوع حيويًا  يستحق الوقوف أمامه، ووضع تصورات الحاضرين أمام صانع القرار في السلطات المختلفة. لكن نظرًا للغبن الذي يشعر به أبناء عدن من الإقصاء عن إدارة المدينة والشأن العام، فقد ذهب الحديث للتنفيس عن ما جرى ويجري لمدينتهم، فتوزع بين الحديث عن ماضي المدينة الجميل، وبين المظالم وإهمال الخدمات العامة والعمل المؤسسي، وهم معذورون في ذلك.

تطبيع الحياة المدنية من وجهة نظري مصطلح ملائم، فقد أدت الحرب الثانية على المدينة في 2015، إلى انهيار المؤسسات الذي أدى بدوره إلى التوقف عن تطبيق القانون، وللأمانة لم يكن هذا الانهيار وليد 2015، بل منذ الحرب الأولى الظالمة في العام 1994م، بدأ التراخي في مجال القضاء وتدخلات السلطة العليا في كل شأن، وتدخل العرف القبلي وكل منظومة القيم القبلية في السياسة، وقضت التعديلات الدستورية المتكررة على معظم حقوق المواطنة، فيما أعطت للرئيس صلاحيات مطلقة. وقد انتقصت القوانين من حقوق المرأة، فيما تقلصت العقوبات الرادعة، خصوصًا تلك المتعلقة بالمخدرات وتهريب الآثار وغير ذلك.

تعاني المدينة العتيقة منذ اعتداء 2015 من تردي في مستوى الخدمات. الماء والكهرباء والصحة والبنية التحتية عمومًا. كما تضاعفت حالة الفقر إلى أعلى مستوى في مدينة، الغالبية من سكانها يعتمدون على الرواتب من الوظيفة الحكومية.

كما تعرضت شخصيات مهمة للاغتيالات، وكان الوضع الأمني يتحسن تدريجيًا، تحسنًا نسبيًا، ويبدو الآن أن المدينة مستقرة نسبيًا، إلا من بعض مشاكل الأراضي معظمها في الضواحي. الفساد يهدم كل شيء، القيم والنظام، وتصعب إدارة الموارد. لذلك  تطبيق القانون ما زال بعيدًا، نظرًا لعدم توفر النظم المؤسسية التي تؤسس لسيادة القانون.
ونظرًا لعدم حضور الدولة فقد بدأت على المستوى الشعبي تكوين مؤسسات بديلة أو مساعدة، لتحقيق الأمن المجتمعي، والمساعدة على حل المشاكل الاجتماعية في مسعى، لمساعدة مراكز الشرطة والسجون والقضاء. ذلك ما صار يعرف باللجان المجتمعية في الأحياء السكنية، ثم أضيفت إليها لجان المصالحة، وتلك مؤسسات تبدو الحاجة المجتمعية ماسة إليها، وتؤدي دورًا مهمًا في تكاتف عمل هيئات السلطة المحلية ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع المحلي.
 
تطبيع الحياة المدنية
في الواقع تطبيع الحياة المدنية يعني عودة النظام، والقضاء على الفوضى، وجعل حياة الناس تبدو سلسة، وبما يوفر للناس حدًا أدنى من البنى التحتية، بحيث تستقر حياتهم، ويمارسون أنشطتهم بصورة طبيعية.

عناصر تطبيع الحياة المدنية
التطبيع الأمني:
يتقدم عنصر الأمن على بقية عناصر التطبيع. توفير الأمن يعني تحقيق استقرار حياة المجتمع وتركيز الجهد على التنمية.

يتطلب الأمن حدًا أدنى من التوافق السياسي لدى النخب والأحزاب والمصالح والجماعات. إن التناقضات الاجتماعية تتطلب إدارة كفوءة لهذه التناقضات، وعدم توفر هذه الإدارة يعني استمرار التوترات الاجتماعية وتحولها إلى عنف وحروب. إن كل فوضى أمنية وعدم استقرار مصالح وقوى اجتماعية أو سياسية أو تهميشها أو الاعتداء على مصالحها، يؤدي إلى زيادة مستوى العنف والجريمة المنظمة. والنظام السياسي هو الذي  يدير هذه التناقضات، إذ يوفر النظام السياسي حدًا أدنى من التوفيق بين مصالح القوى والفئات والجماعات السياسية المختلفة.

إن على السلطات القائمة في عدن أن تدرك أن استقرار الأوضاع الأمنية لا يتم عن طريق العنف المخالف للقانون. فليست الدولة الآن هي التي تحتكر القوة والسلاح. فأول شرط أن يكون السلاح بيد الدولة. والشرط الثاني هو عدم تهميش الفئات الاجتماعية وتجاوز مصالحها. إن موضوع الأمن موضوع سياسي بامتياز، والمعالجات للمشكلات الاجتماعية يجب أن تتم عن طريق الوسائل السياسية والحوار. إن القوة المفرطة تتحول إلى كابوس دائم تتخذ ردات الفعل عليه وسائل مشابهة، كما تنتج عن ذلك أحقاد وكراهية وعنف مضاد. ناهيك عن موضوع الإرهاب الذي يجب أن يعالج ليس فقط بالعنف. القوة إحدى الوسائل وليست الوسيلة الوحيدة. إن الرضى الاجتماعي عن أداء السلطات المركزية والمحلية يمثل شرعية حقيقية. وبشكل عام يمكن القول إن تحقيق حدًا أدنى من الحياة الكريمة للمواطن، يمكن أن يؤدي إلى خفض درجات الفوضى وعدم الاستقرار. 

إن عدم انتهاج سياسة حكيمة تراعي مصالح المجتمع بكل فئاته. وتتحد رؤية الدولة مع ثقافة المجتمع والأخذ بعين الاعتبار مصالح الجميع، وعدم تهميش أي طرف هو السبيل الأمثل لجعل الحياة المدنية طبيعية ومستقرة. إن بعض الدول تحرص على ان لا يتعرض المجتمع لأي هزة تفقده استقراره وأمنه. ويكون عادة النظام التعليمي أداة في إعادة إنتاج المجتمع كالمجتمعات الأوربية، للحفاظ على الاستقرار أو تغيير المجتمع نحو الأفضل، ولكن بتوافق مصالح كافة الفئات والقوى الاجتماعية.

وعلى ذلك فإن مدينة عدن تحتاج إلى دراسة القوى الاجتماعية الفاعلة فيها. وكيف يمكن التوفيق بين مصالح السكان والحد من التوترات الاجتماعية، التي تحدث نتيجة الصراع على السلطة أو حول توزيع القوة.  ولذلك أقول إن النقاط العسكرية ليست هي التي تحل موضوع الأمن، بل السياسات الناجعة التي لا تستثني أحدًا.  
لابد من عمل حساب للنظم الفيدرالية في أدنى مستوياتها. مشاركة السكان في اختيار مسؤوليهم وحق عزلهم. هذا الحق يجعل الإدارة تؤمن حدًا أقصى من المشاركة في القرارات الهامة التي تخص المجتمع.
 
التطبيع الثقافي:
أهم شرط لمعرفة تعافي الحياة المدنية هو أن تعود الثقافة إلى الأحياء السكنية. أن يعود المسرح والسينما والحفلات الفنية، وتشجيع الفن التشكيلي، وقيام معارض فنية، ومعارض الكتب، والاستثمار في هذا المجال، يجب أن يشجع القطاع الخاص لأن الارباح فيه غير منظورة. تشجيع الملتقيات الشعرية ودعم الرواية وطباعة الكتب. انتعاش الحياة الثقافية يعني أن المجتمع قد بدأ يتعافى.
تشجع الفرق الرياضية في المدارس، وإحياء المجلات الحائطية، وإعادة حصص الرسم والموسيقى في المدارس مهم في تطبيع الحياة المدنية.
 
العودة إلى النظام المؤسسي:
إن إعادة بناء المؤسسات والعمل بالدستور والقوانين السارية، حتى يتم إعادة إقرار قوانين جديدة، لا يمكن ترك المجتمع بدون قوانين بحجة أن الدستور والقوانين قد انتهت، إما أن يوجد قانون بديل يتم تطبيقه، أو العمل بالقوانين القديمة حتى تستقر الحياة المدنية. هذا الفراغ القانوني والدستوري الذي نشأ نتيجة الحرب كان سببًا في سيادة الأعراف القبلية مكان القانون. إن شرطًا جوهريًا لإعادة البناء المؤسسي هو إبعاد القبيلة عن السياسة، مثل إبعاد رجال الدين عن السياسة. إن السياسة شأن دنيوي ولا علاقة للقبيلة بالسياسة، لكن عدم الاحتكام للقانون يعني سيادة عرف القبيلة، والقبيلة لا مشروع تنموي لديها. إنها عودة خاوية للماضي فارغة من أي مضمون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى