الصين توسع نفوذها في الشرق الأوسط عبر دور صانع السلام

> الرياض"الأيام" العرب:

> في سياق التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، تسعى بكين بنشاط إلى البحث عن فرص لتوسيع نفوذها العالمي. وزادت الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط بالنسبة لها، خاصة منذ الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق في عام 2013.

وكان شهر مارس/آذار 2023 شهرًا مهمًا تاريخيًا بالنسبة للشرق الأوسط، حيث نجحت الصين في التوسط في اتفاق سلام بين السعودية وإيران. وكانت القوتان الإقليميتان تدعمان مجموعات مختلفة ومتعارضة في النزاعات المسلحة منذ الربيع العربي عام 2011. ومع أن المنطقة اتسمت بالعلاقات المعقدة والهشة بين هويات شعوبها لعقود من الزمن، لكنها شهدت ذروة الصراعات الطائفية في عام 2011، وكان العراق وسوريا واليمن الأكثر تضررا نظرا للدور الإيراني الكبير فيها.

ومع أن تهدئة الصراعات بالوكالة بفضل وساطة السلام الصينية تعتبر مبادرة جيدة، إلا أنها فتحت أيضًا الباب أمام القوة العظمى في شرق آسيا لاكتساب المزيد من النفوذ في المنطقة.

وتقدم الصين نفسها كلاعب محايد بين القوى السياسية المتناحرة في الشرق الأوسط، عازمة على تعزيز الاستقرار والتعاون الاقتصادي من خلال تكتيكات القوة الناعمة، لكن هذا الدور لا يمكن أن يكون مدفوعا بأهداف خيرية فقط، فبالإضافة إلى التنافس المحموم مع الولايات المتحدة فإنه على المدى البعيد قد لا تتوافق مصالح بكين مع مصالح دول الشرق الأوسط.

وفي حين أن دور الصين في التوسط في السلام بين السعودية وإيران يستحق الثناء ظاهريا، إلا أن تقرير بريطاني نشره موقع "إي انترناشيونال ريليشن" يقول أنه يتعين على زعماء الشرق الأوسط أن يتوخوا الحذر وأن يدرسوا العواقب المحتملة الطويلة الأمد المترتبة على السماح للصين بالتحول إلى لاعب مهم في الشؤون الأمنية بالمنطقة.

ويقول كاتب التقرير حسان جابر أن دول الشرق الأوسط تحتاج إلى تقييم دوافع الصين بعناية. والأهم من ذلك، أن مبادرة الحزام والطريق صحيح أنها تجلب فرصا جديدة للتنمية والاستثمارات للدول، إلا أنها تحمل أيضا طموحات الصين في الهيمنة. ويشكل الوجود العسكري الصيني المتزايد في المنطقة سببا رئيسيا للقلق.

وأجرت الصين مناورات عسكرية مع كل من السعودية وإيران وزادت مبيعاتها من الأسلحة الإقليمية، في الوقت نفسه الذي تواجه المنطقة حاليًا طريقا مسدودا في العلاقات مع الولايات المتحدة التي قلصت من أولويات مشاركتها في المنطقة في عهد الرئيس بايدن.

والمخاطر الأمنية الناجمة عن مبادرة الصين لسد الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة قد لا تتحول إلى مشكلة مستقبلية بالنسبة لواشنطن فحسب، بل قد تكون أيضًا مشكلة بالنسبة للمنطقة.

في المشهد الديناميكي للشرق الأوسط، تتصارع العديد من الدول مع التحدي المتمثل في تصاعد الديون، والذي يحركه مزيج من عدم الكفاءة الداخلية وقضايا الحوكمة، والظروف الاقتصادية العالمية المتطورة باستمرار. وهذا يثير المخاوف بشأن النفوذ الاقتصادي والسياسي المحتمل الذي تمتلكه الصين على المنطقة. فوراء فرص الاستثمار الأجنبي يختبئ خطر الاعتماد على الديون، مثل تلك التي اتُهمت الصين بخلقها في البلدان الأفريقية. ويمكن القول إن هذا مصدر قلق أقل بالنسبة لدول الخليج الأكثر ثراء، لكنه قد يكون مزعجا بالنسبة للدول الفقيرة مثل العراق وسوريا ولبنان.

على سبيل المثال، على الرغم من التزام الصين بمشاريع تنموية ضخمة في الأردن، والتي تجاوزت 7 مليارات دولار لمبادرات البنية التحتية على مدى العقد الماضي، بما في ذلك إنشاء جامعة أردنية صينية، وشبكة سكك حديدية وطنية، وخط أنابيب نفط يربط بين العراق والأردن، إلا أنه لا تزال هناك العديد من التحديات. والحقيقة أن أغلب هذه المشاريع لا تزال غير محققة، وهو ما يسلط الضوء على الصعوبات في ترجمة الوعود إلى تقدم ملموس.

إن شبح أزمة الديون الذي يلوح في الأفق في العديد من دول الشرق الأوسط يتطلب اتخاذ تدابير استباقية ودقيقة، والتزاماً حقيقياً بالإصلاح، والشجاعة اللازمة لإعادة هيكلة الديون. ولا يمكن المبالغة في التأكيد على مدى إلحاح هذا الوضع: فقد حان الوقت لاتخاذ إجراء حاسم. والسؤال المهم هو ما إذا كانت هذه الدول سوف تغتنم هذه اللحظة المحورية لتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية الضرورية أو الاستمرار في الانجراف إلى مياه أعمق من الديون. ومع قيام الولايات المتحدة بإلغاء أولويات أهدافها في المنطقة والتعاون بين السعودية وإيران، ينبغي لزعماء الشرق الأوسط أن يغتنموا هذه الفرصة لتعزيز الاستقرار الإقليمي دون الاعتماد على قوة خارجية.

ويوجد نموذج اقتصادي يمكن محاكاته في شرق آسيا. فالنمو الاقتصادي الملحوظ الذي شهدته منطقة شرق آسيا يعود إلى النظام التجاري المفتوح الذي تأسس في فترة ما بعد الحرب.

 وفي المراحل الأولى من تنميتها الاقتصادية، استفادت دول شرق آسيا من الأسواق المفتوحة لتصدير السلع المصنعة البسيطة، مستفيدة من قوتها العاملة الوفيرة ولكن غير الماهرة نسبيا.

وبدأت رحلة نموها بالصادرات كثيفة العمالة، ومع ارتفاع دخولها انتقلت إلى الصناعات ذات القيمة الأعلى، فاستثمرت في رأس المال البشري والمادي لتسلق سلسلة القيمة المضافة.

ومن خلال تبني الترابط الاقتصادي يمكن لدول الشرق الأوسط الاستفادة من نقاط قوتها الفريدة، مثل موارد الطاقة والمواقع الجغرافية الاستراتيجية، لتعزيز النمو الاقتصادي. وكما استخدمت منطقة شرق آسيا الأسواق المفتوحة كنقطة انطلاق للتحول، فإن الشرق الأوسط قادر على تسخير إمكاناته الاقتصادية لتحقيق التنمية المستدامة.

ويتمتع النظام المفتوح في شرق آسيا بمزايا إضافية تتجاوز الرخاء الاقتصادي. فقد عززت العلاقات الاقتصادية الثنائية القوية، والتي كانت متجذرة في توسيع العلاقات التجارية وتعميق التكامل، وكانت بمثابة قوة استقرار في العلاقات الثنائية الحساسة سياسيا واستراتيجية. وقد عزز الترابط الاقتصادي المتزايد داخل شرق آسيا بيئة إقليمية أكثر أمنا وانسجاما، وعزز التعاون والسلام.

ويرى التقرير أنه يجب على دول الشرق الأوسط أن تتجنب دور البيادق في مسرحيات القوة، وفي الوقت نفسه تحافظ على سيادتها واستقرارها، مستشهدا بالنهج الذي تظهره الاستراتيجية الدبلوماسية العمانية. التي حافظت تاريخياً على موقف عدم الانحياز في السياسة الدولية. وقد مكّن هذا الحياد البلاد من الحفاظ على علاقات سلمية مع مجموعة واسعة من البلدان، بما في ذلك تلك ذات المصالح المتعارضة، وسمح لها بالعمل كوسيط في النزاعات الإقليمية.

ويمنح النهج المحايد المقترن بالتعاون الاقتصادي دول الشرق الأوسط الأدوات اللازمة للتنقل في الساحة الدولية مع الحفاظ على مصالحها الخاصة والحفاظ على توازن مستقر في مواجهة منافسة القوى العالمية.
ويتعين على زعماء الشرق الأوسط أن يتخذوا خطوات للحد من المخاطر والشكوك في سياستهم الخارجية وقراراتهم الاقتصادية من خلال الحفاظ على درجة من المرونة وعدم الالتزام الكامل بطرف واحد. وبدلاً من ذلك، قد تعمل الدول على موازنة علاقاتها مع قوى عالمية متعددة دون الاصطفاف بشكل وثيق مع أي منها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى