كنت انتقاليًا

> ولدت من أبوين جنوبيين، في عهد رئيس الكادحين (سالمين)، ومثل أبناء جيلي، جرفتنا تياراتهم، وصراعاتهم، ومؤامراتهم، حتى أمسينا قضية بلا وطن.

ذهبوا إلى الوحدة، فكنت يمنيًا جنوبيًا وحدويًا، وبعد بطشهم، وكابوس نظامهم، عدت مواطنًا جنوبيًا حراكيًا، ومتهمًا كشرذمة انفصالية.

كما كنت جنوبيًا مقاومًا.. من الذين صمدوا في عدن، عندما غزتها جحافلهم، ومن الذين كبروا لنصرها، وسجدوا حمدًا وشكرًا لليلة تحريرها.

وكنت جنوبيًا فخورًا، حضرت يوم استقبلوا المقاوم الشجاع (عيدروس الزبيدي) في عدن، واختاروه قائدًا لقيادة المقاومة الجنوبية.

وكنت جنوبيًا مفجوعًا، شهدت اغتيال المحافظ النبيل (جعفر)- رحمة الله تغشاه- وربما خفف من أحزاني، ترشيح القائد (عيدروس) مكانه، وغضبت حين عزلوه.

وكنت جنوبيًا انتقاليًا من لحظة صعود القائد (عيدروس) منصة ساحة العروض، ملوحًا لنا بيده، ومن أول المفوضين، وباركت ميلاد المجلس بهتافاتي، وقلمي.

كنت انتقاليًا مخلصًا مؤمنًا بالتحرير والاستقلال، ولم يهمني حينها، إن كان مشروعهم بلا رؤية، طالما الهدف، والمصير واحد.

كنت انتقاليًا مثاليًا بشريحة جنوبية واحدة، ولم يهز ثقتي وجود متحزبين، وأسماء أبو شريحتين، وأن المخبرين في مقدمة صفوف المجلس، فالنبش لا يخدم القضية، وكان من الضرورة طي الصفحة.

كنت انتقاليًا متحمسًا لم يزعجني تهميش وإقصاء الشرفاء، والمناضلين، والحراكيين الحقيقيين، معتقدًا أن المشاريع الوطنية العظيمة لا تقف عند الأشخاص، وكلنا سيأتي دورنا.

كنت انتقاليًا من صميم وجداني معجبًا بتكتيكاتهم، ولم يكن يراودني شك أن اللقاء بالسفير خطوة تاريخية، والاجتماع بمبعوث سيفتح الأبواب للقضية، والجلوس على طاولة التفاوض انتصار، ولم توسوس نفسي، أنهم ربما يركبون المناصب، ويزبطون الشعب والقضية.

كنت انتقاليًا بريئًا مطمئنًا أن تضحية آلاف الشهداء لن تذهب هباء، وأن الجرحى لن يتعفنوا على فراشهم، وأن قائدنا سيكون أخًا للأرامل، وأبًا للأيتام.

كنت انتقاليًا بثوابت، على يقين أن الجنوب بأيادٍ أمينة، وأننا قاب قوسين من استعادة دولتنا، وأن الشعب تنتظره حياة كريمة.

كنت انتقاليًا متفائلًا .. قناعتي أن المجلس سيعيد الاعتبار لأبناء عدن، كوادرها، ولن تخونهم عدالتهم.

كنت انتقاليًا زاهدًا متعبدًا.. أراهم يزوروني في المنام، وإذا هجاني أحدهم بتأليه الأصنام، أرد بنشوة، وثقة: " نحن لا نعبد البشر، ولكن نعرف قيمة الرجال".

كنت انتقاليًا طبلًا .. مطبلًا أصيلًا، وكان ظني أنهم يملكون أجنحة الحرية، ولكن أرهقني زحفهم، وتخبطهم.

بعد سنة تقريبًا من تأسيس الانتقالي، حملت رسميًا بطاقته، وبعد سنة تقريبًا من العضوية، انسحبت.

وجدت نفسي على هوامشهم، وفي زاوية رمادية، واكتشفت أن مشروعهم صغير، وأنهم اكتفوا بالحاشية.

طالما كان التحزب قيدًا نكرهه، ولكني حسبته كيانًا شعبيًا يمثلني، أكثر من كونه نهجًا سياسيًا، يشرع اللعب بالبيضة والحجر.

كانت تجربة حية، وقد هذبتني، وبرأتني من عدم المبادرة، ولا أسجل ندمي، بقدر شعوري بالخيبة تصفعني في كل مرة.

لن نخرق السفينة، ولكن لأبد من عقد اجتماعي جديد في الجنوب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى