> «الأيام» القدس العربي:

إن جر أرجل حكومة إسرائيل في النقاش حول اليوم التالي في قطاع غزة يمس بقدرتها على تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تقررت للحرب. فغياب خطاب معمق وأساساً غياب خطوات عملية، يقلل القدرة على خلق واقع جديد وأفضل في غزة حين يستكمل الجهد العسكري، ويخلق رواسب وعدم ثقة بالعلاقة التي بين الحكومة والإدارة الأمريكية والجمهور الإسرائيلي، وهذان الأخيران يطالبان بوضوح استراتيجي حول المستقبل بعيد المدى في غزة.

النظرة الواعية تبين أن أمام إسرائيل بضعة بدائل استراتيجية، كلها سيئة، وأن عليها اختيار الأقل سوءاً. الأفكار حول دحر الفلسطينيين إلى سيناء بـ “الترحيل الطوعي” أو السيطرة المباشرة دون قيد زمني على غزة مطلوب ردها رداً باتاً؛ كون الثمن السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والدولي سيكون أثقل من الاحتمال. ومثل هذا، يجب استبعاد بديل القضاء على حكم حماس ثم تحقيق انسحاب سريع، الأمر الذي سيبقي في غزة فوضى ستملأها جملة من المحافل المتطرفة التي ستشكل تهديدات أمنية متواصلة على الجناح الجنوبي من الدولة.

لقد رفضت الحكومة إعادة السلطة في شكلها الحالي إلى غزة لأسباب سياسية داخلية، لكنها عملياً ليست قابلة للتطبيق بسبب ضعف الحكم في رام الله الذي بالكاد يسيطر في الضفة ويعاني من اغتراب جماهيري عميق وانعدام الوسائل الحقيقية لفرض السيادة في غزة التي غاب عنها على مدى 16 سنة. أما فكرة سيطرة قوة متعددة الجنسيات أو عربية في غزة فموضع شك في ضوء الدافع المتدني لجهات خارجية كالانخراط في مثل هذه المغامرة، إلى جانب تجربة إسرائيل السيئة مع نجاعة قوات دولية مثل اليونيفيل.

في ضوء استبعاد معظم البدائل، يقف بديل واحد “شاحب” مطلوب التعمق في تحليله أو البدء في تنفيذه. ويدور الحديث في اتجاه حكم مدني فلسطيني بدلاً من حكم حماس، يقوم على أساس قوى محلية لا تتماثل مع المنظمة – كرؤساء بلديات، وعشائر، واتحادات مهنية وجامعات، وكذا رجال أعمال وكبار مسؤولين من حركة فتح. هؤلاء سيوفرون الخدمات المدنية في غزة ويفرضون نظاماً عاماً، بينما تكون إسرائيل مسؤولة عن المجال الأمني، بما في ذلك القضاء على التهديدات.

يدور الحديث عن كيان يقيم صلة وثيقة بالحكم في رام الله ويوصف كجزء منها بعد أن تجتاز هذه تغييراً عميقاً، وفي صلبه تطهير من الفساد والتحريض. من الحيوي أن تحرص إسرائيل على شرطين في أثناء إقامة ذاك الكيان: منح موطئ قدم فقط للمحافل التي تعتبر إيجابية ومصداقة (بخاصة الإمارات والسعودية) وصد تلك التي ثبت ضررها (قطر)؛ وفي كل سيناريو، وجود نظام دائم ليس فلسطينياً بالحدود التي بين غزة ومصر – دولي، إسرائيلي أو كلاهما معاً.

تحليل البدائل يستوجب نهجاً واقعياً: إقامة الكيان الغزي يتطلب تدخلاً إسرائيلياً عميقاً؛ بمحافل محلية تتحفظ من الانخراط في جسم يكون مسؤولاً عن مهمة ثقيلة الوزن تتعلق بـ إعادة بناء المنطقة؛ وربما تعاني تلك الإدارة المدنية من اغتراب جماهيري، ومن استفزاز من جانب حماس التي ستعمل كمعارضة أو حتى كتنظيم سري. وليس لإسرائيل بديل أفضل. إذا ما تثبت هذا البديل، يمكن التفكير بانسحاب تدريجي من الأماكن التي يثبت فيها الحكم الفلسطيني نجاعته.

إن بداية البحث في اليوم التالي ستنطوي على إصلاح خطأ في واحد من عناصر المفهوم الذي ساد في إسرائيل حتى 7 أكتوبر: الإيمان بإمكانية تثبيت استقرار في السياق الفلسطيني دون استراتيجية مرتبة وبوسائل اقتصادية فقط. الواقع الجديد كفيل بأن يشكل أساساً للوصول إلى حسومات استراتيجية امتنعت عنها القيادة في إسرائيل بمواظبة ونهج أثبت مرات عديدة بأنه محمل بالمصائب.

ميخائيل ميلشتاين
يديعوت أحرونوت