> «الأيام» القدس العربي:
لتحليل وفهم خطوات حماس على طول القتال، يجب أن نفهم أولاً مبدأ مهماً، هذا
المبدأ يشدد على الفجوة التي بين إسرائيل وحماس. نحن نتحدث عن صراع عسكري،
نصر في الميدان، حماية حياة الجنود، تحرير مخطوفين وإعادتهم، وأساساً
العودة إلى حياة هادئة وآمنة في إسرائيل.
لكن كل هذا ذو صلة بالعبرية فقط، أما حماس فتتحدث بلغة أخرى؛ هذه اللغة عربية، إسلامية متطرفة، حالمة، مسيحانية ومجنونة. لغة لا تعنى بهذا النصر أو ذاك على الأرض، لا تهمها حياة الإنسان فلسطينيين كانوا أم إسرائيليين. لغة ترى أمام عينيها شيئاً واحداً فقط – هدف مجنون بإقامة خلافة إسلامية متطرفة ووحشية في كل الشرق الأوسط.
عندما نفهم هذا الموضوع، نفهم أيضاً لماذا كان ينبغي للحرب أن تكون قبل عقد فأكثر. ومحاولات الحكومة في إسرائيل الإبقاء على هدوء نسبي واحتواء الحكم الحماسي في القطاع كانت زائدة وعديمة الغاية ونبعت أساساً من أسباب سياسية إسرائيلية ومن عدم فهم أساسي لرؤيا حماس.
ليس لحماس وزعيمها أي نية للاستسلام أو لوقف القتال ولتحرير المخطوفين بمبادرتها، كما أن حماس لا تعتزم التنازل طوعاً عن السيطرة في قطاع غزة. وإن أي حرب أو ضغط عسكري وأي مفاوضات سياسية لن تؤدي بالسنوار والضيف والقتلة الذين يحيطون بهما للتخلي عن حلمهم المجنون وعن إيمانهم الأصولي عديم المساومة. هم هنا كي يخدموا الله حسب إيمانهم، كي يقاتلوا حتى آخر قطرة دم من أجل إقامة الخلافة الإسلامية، ولا يخشون الموت كشهداء. لذا، ترى حماس أن مصلحتها في استمرار القتال لأطول زمن ممكن، لاستنزاف إسرائيل عسكرياً ونفسياً، ولدفع العالم لممارسة الضغط على إسرائيل ونيل مزيد من النقاط في الرأي العام الفلسطيني حيال حكم أبو مازن الضعيف.
لهذا السبب، ليس متوقعاً أن يستسلم السنوار أو يعتزل، وبالتأكيد لن يتنازل طوعاً عن حكم حماس في القطاع. ولا يهم رجال حماس أن يقتل الجيش الإسرائيلي كل مواطني القطاع؛ لأن هذا يخدم الحرب على الرأي العام العالمي. تدرك حماس أن حياة الإنسان عزيزة جداً على إسرائيل، ولهذا ستقاتل المنظمة بكل قوتها قبل أن تحرر المزيد من المخطوفين أو توقف المس بالجنود. لإسرائيل مصلحة واضحة للعمل على تحرير كل المخطوفين، وإبادة قدرات حماس العسكرية والسلطوية في القطاع. لكن، للمفارقة، لرئيس الوزراء نتنياهو مصلحة خاصة به لمواصلة القتال قدر الإمكان؛ لأن هذا سيسمح له للبقاء في منصبه للتملص من ربقة المحكمة والابتعاد عن أحداث 7 أكتوبر التي ستذكر بفشله الشخصي والزعامي، بل وأعلن رسمياً نيته البقاء في منصبه وترميم الدولة بعد الحرب.
كما أن نتنياهو حرص على تعزيز حماس لسنوات لمنع أي تقدم في المفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية. وهكذا، فإن خليط مصالح متعذر بين زعيم حماس ورئيس وزراء إسرائيل هو الذي سمح باستمرار وجود وتعاظم حماس في القطاع. هو الذي أدى إلى وقوع المأساة التي أدت إلى نشوب الحرب – وهو الذي سيؤدي إلى تواصل القتال لفترة زمنية غير محدودة.
على الجيش الإسرائيلي العمل بتصميم وقوة عالية جداً في الشهر المقبل لرفع الضربة ضد حماس وبناها التحتية الإرهابية في القطاع. بالتوازي، على إسرائيل مواصلة محاولات المفاوضات لإعادة عموم المخطوفين والاستعداد لمواصلة قتال أكثر تركيزاً وبقوى أدنى في الأشهر التالية.
لا نملك الوقت، ويجب العمل استخبارياً وعملياتياً، بتصميم وقوة، انطلاقاً من فهمنا أن القتال لن يتوقف إلا باستكمال أهدافه؛ لأن حماس لن تستسلم ولن تتنازل طوعاً، والسبيل الوحيد هو الحسم العسكري في الميدان بشكل يتناسب ومصلحة دولة إسرائيل.
ربما يحتاج استمرار هذا القتال إدارة من حكم آخر جديد ونقي من مصالح شخصية وقضائية أو سياسية؛ حكم لا يرى أمام عينيه إلا الدولة ومواطنيها.
معاريف