تفشي ظاهرة التسول وغياب المعالجات الرسمية

> محمد جسّار:

>
تشهد مدينة عدن ظاهرة تفشي التسول بشكل لافت، بالتزامن مع بروز كثير من الممارسات غير القانونية واستغلال للأطفال من قبل عصابات وشبكات منظمة لتجذير هذه الظاهرة، وسط غياب تام للجهات الحكومية والسلطة المحلية في التعامل مع هذه الظاهرة ووضع حد لهذه العصابات.

صار اليوم لا يخلو شارع في عدن من المتسولين، خصوصًا الأطفال، فقد صارت ظاهرة التسول جزءًا أساسيًّا في الحياة اليومية للمدينة، التي احتضنت عددًا كبيرًا من النازحين خلال سنوات الحرب والصراع في اليمن منذ العام 2015.


توسع الظاهرة، رافقها العديد من الممارسات والانتهاكات التي يتعرّض لها الأطفال وتهدّد كرامتهم وتعرضهم للعديد من المخاطر التي لا تتوقف عند حدود التحرش الجنسي، حيث تنتشر بالتزامن مع ظاهرة التسول عبارة "أنا جاوع" بين الأطفال المتسولين، التي تعكس بشكل صادم الواقع المرير الذي يعيشونه.

يتحدث لـ"خيوط" الاختصاصي الاجتماعي، محمد أحمد، حول ازدياد ظاهرة التسول في عدن، قائلًا: "من الضروري جدًّا التعامل مع ظاهرة التسول بشكل كامل، فهي ظاهرة تترتب على بعدين، إنساني واقتصادي، وهناك عوامل عدة لازدياد هذه الظاهرة.

تتضمن هذه العوامل: الفقر والبطالة في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعاني منها سكان مدينة عدن كغيرها من المدن والمحافظات اليمنية، إضافة إلى النزاعات والاضطرابات، وضعف الخدمات الاجتماعية، وتكاثر أعداد النازحين من مختلف محافظات البلاد".

يضيف أحمد: "يجد الأشخاص الذين يفتقرون إلى فرص العمل والدخل الثابت صعوبةً في تأمين احتياجاتهم الأساسية، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى التسول كوسيلة للحصول على الطعام والمأوى".

تعدد الأسباب وممارسات الاستغلال

شهدت عدن صراعات واضطرابات سياسية وأمنية في السنوات الماضية، مما أثر سلبًا على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في ظل استمرار هذه النزاعات وتسببها في تفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية، ما يؤدي إلى تفاقم الفقر وتفكك البنية الاجتماعية، علاوة على تدهور الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم والسكن؛ الأمر الذي زاد من صعوبة حياة المواطنين ويدفعهم إلى الشوارع والتسول لتلبية احتياجاتهم الأساسية.


الطفل الذي عرّف عن نفسه باسم "كمال"، ولا يتجاوز عمره الثلاثة عشر عامًا، تحدث عن أن أسرته لا تستطيع توفير متطلبات دراسته؛ لذا لم يكن هناك من سبيل سوى الخروج للشارع برفقة ثلاثة من إخوته للتسول بطرق عدة، منها - كما يلاحظ - أسلوب طلب المال، أو مسح زجاج السيارات الواقفة في جولات الشوارع، أو بيع المناديل.
أما الطفل إبراهيم (11 عامًا)، فيؤكد أنه نازح مع أسرته في مدينة عدن، حيث يعيشون حياة صعبة ومتردية، ويعجزون عن توفير أبسط متطلباتهم الغذائية اليومية، كما فهمنا من حديثه وأحاديث كثير من الأطفال المنتشرين في جولات وشوارع المدينة، ويتكدسون مع أسرهم أمام المطاعم والمحلات التجارية بأعداد كبيرة.

أدّى هذا الوضع مع توسع الظاهرة وتزايد أعداد المتسولين، وفق الأخصائي الاجتماعي محمد أحمد، إلى تنظيم أعداد منهم لمهامهم بشكل مركزي أو موزع، حيث يعملون - كما يلاحظ في ممارسة التسول - على شكل جماعات وفرق، يعملون بشكل منظم بالتنقل في الأماكن العامة، مثل الشوارع والأسواق ومحطات الوقود والمصارف والمطاعم، ويستخدمون أساليب مختلفة لجذب المارة لمساعدتهم.

لكن الأهم والأخطر في هذا الجانب، كما يؤكد أحمد، هو انتشار عصابات تنخرط في أعمال التسول، تقوم باستغلال الأطفال، ولا تتوقف عند حدود إجبارهم على التسول لصالحهم، بل هناك أيضًا "الاستغلال الجنسي"، في ظل عدم وجود ما يردعهم أو يمنعهم عن هذه الممارسات سواء أمنيًّا أو ثقافيًّا وفكريًّا.

توسع خطير للظاهرة

في السياق، يشير التربوي والباحث الاجتماعي، حازم علي السفياني، إلى أهمية الالتفات إلى هذه الظاهرة، ومحاولة استيعاب وفهم تحركات هذه العصابات المستغلة للأطفال، التي تعمل في إطار غير قانوني وقد تكون مرتبطة بأنشطة أخرى غير أخلاقية، مثل الإتجار بالبشر أو الاستغلال الجنسي. وتعد عصابات التسول ظاهرة اجتماعية معقدة، وتشكّل تحدّيًا للسلطات في مكافحة هذا النوع من الممارسات غير القانونية.


وتتطلب مكافحة عصابات التسول - بحسب السفياني - جهودًا مشتركة بين السلطات المحلية والمجتمع المدني، وكذا تعزيز التوعية وتوفير الدعم للأفراد الذين يتعرضون للاستغلال في الشوارع لأسباب متعددة، وتعزيز القوانين والعقوبات المناسبة لمكافحة هذه الظاهرة. في الوقت نفسه، يجب على المجتمع أن يعمل على معالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الأشخاص إلى اللجوء إلى التسول كوسيلة للبقاء.

كما يوضح السفياني أن التسول أصبح مصدر دخل لبعض الأفراد والأسر، كذلك هناك - وهو الأهم - العصابات التي تستغل الأطفال والمتسولين، وتمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الطفولة، مع تعرضهم لمخاطر عديدة، كالاستغلال في التسول والتحرش اللفظي والجنسي.

إضافة إلى تأثير التسول على الأطفال على المستوى النفسي والتعليمي، مع توسع ظاهرة التسرب من المدارس، فالأطفال يعانون من نقص في التعليم الأساسي، حيث يُجبرون على البقاء في الشوارع والعمل، بدلًا من الالتحاق بالمدارس.

لذلك هناك مطالبات واسعة للجهات الحكومية المعنية والسلطة المحلية، لمعالجة أسباب توسع هذه الظاهرة، والبحث عن حلول لمعالجتها عبر خطوات متعددة تشمل التوعية والإصلاح الاجتماعي، وتوفير الدعم اللازم للأطفال المتسولين وعائلاتهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى