اشتراطات صنعاء وعدن تكشف جوهر الصراع

> تقرير/ محمد فضل مرشد:

>
  • ​الشمال يسعى للتمدد جنوبًا بمباركة إقليمية ودولية
  • الجنوب يتمسك بـ"طلاق" دون رجعة مع وحدة صنعاء
  • الشرعية فقدت حق رفض أي اتفاق قادم من الرياض
  • تناقضات اتفاق السلام تنبأ بعام جديد من الأزمات والحروب
> عاود الصراع الدائر في البلاد منذ تسع سنوات أدراجه سريعًا صوب مربع التأزيم، بعد أيام قليلة من إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن عن اتفاق الأطراف اليمنية على خارطة سلام تنهي الحرب.

اشتراطات جديدة أعلنت عنها جماعة أنصار الله الحوثيين في صنعاء، أكدت فيها رفض إعلان الاتفاق الصادر عن المبعوث الأممي هانس جرودنبرج.

يقول الحوثيون في اشتراطاتهم الجديدة على اتفاق وخارطة السلام في اليمن، إن ما أعلن عنه أمميًا جاء خلافًا لما أقرته التفاهمات المتمخضة عن مفاوضات وفد صنعاء سواء مع المبعوث الأممي أو السعودية أو عبر الوسطاء في سلطنة عمان.

​الشمال يسعى للتمدد جنوبًا بمباركة إقليمية ودولية
​الشمال يسعى للتمدد جنوبًا بمباركة إقليمية ودولية

تضيف حركة أنصار الله في البيان الذي أصدرته على لسان رئيس وفدها التفاوضي محمد عبدالسلام، بأن بنودًا هامة تم الاتفاق مع المبعوث الأممي والسعودية على تضمينها بخارطة السلام إلا أنها لم ترد في الإعلان الصادر يوم الأحد من قبل الأمم المتحدة بشأن التسوية السياسية الشاملة في اليمن.

ثلاثة شروط قال الحوثيون إنها استبعدت من الاتفاق المعلن، وأولها مغادرة كافة القوات الأجنبية من كافة أراضي اليمن، وثانيها التزام السعودية بدفع التعويضات المالية عن كافة الأضرار التي ألحقتها الحرب باليمن واليمنيين، وثالثا دفع كافة المرتبات التي لم تصرف للموظفين منذ تسع سنوات بمحافظات الشمال من عائدات النفط في الجنوب، وذلك بحسب تصريح لناطق الوفد التفاوضي لجماعة الحوثي.

بيان صنعاء ذهب إلى حد وصف إعلان المبعوث الأممي عن التوصل لاتفاق سلام في اليمن، بأنه "شيء من الخيال"، منوها بأن كل ما جاء فيه ليس سوى "عبارات عائمة لم تحدد أي خطوات عملية مزمنة لتنفيذ اتفاق سياسي شامل ينهي الحرب في اليمن".

مقابل ما سبق، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن عن اشتراطات الجنوب للقبول بتسوية سياسية شاملة لملف الصراع اليمني.

اشتراطات الانتقالي الجنوبي جاءت في بلاغ أعلنه الاثنين الماضي عضو هيئة رئاسة المجلس ثابت سالم العولقي، وأكد فيه رفض أي تسوية لا تلبي مطلب شعب الجنوب في استعادة الدولة الجنوبية، ومشاركة كافة القوى والأطراف الفاعلة في مفاوضات الحل السياسي وعدم قبول حصرها في أطراف دون أخرى، في إشارة إلى الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي.

لحق ذلك تشديد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء عيدروس الزبيدي، التمسك بفك ارتباط الجنوب مع شماله واستعادة الدولة الجنوبية.

الزبيدي، أكد أيضًا في خطاب ألقاه في لقاء سياسي عقده يوم الأربعاء الفائت في العاصمة عدن، قرب استعادة دولة الجنوب، وشدد على أن انفصال عدن عن صنعاء قد أصبح "خيارا لا رجعة عنه من قبل الجنوبيين".

وما بين اشتراطات صنعاء وعدن تتكشف حقيقة جوهر الصراع في اليمن، بسعي الشمال لبسط سيطرته مجددًا على أراضي ومقدرات الجنوب تحت يافطة الوحدة اليمنية، وتمسك الجنوب باستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.

ويتضح ذلك جليًّا من خلال اشتراط الحوثيين خروج كافة قوات التحالف العربي بقيادة السعودية من الجنوب وتركه ليواجه مصيره مع قوات الحوثيين المدعومة بصواريخ ومسيرات إيران، ومنح صنعاء حق استقطاع ما تشاء من إيرادات النفط الجنوبي.

ويقابله في الطرف الجنوبي المضي قدمًا صوب استعادة دولة الجنوب، وفك الارتباط مع الشمال، والذي سبق وأن شن حربيين في كل من العام 1994 والعام 2015 للسيطرة على الجنوب ومقدراته بالقوة العسكرية، وتسببت في توحيد الجنوبيين خلف مشروع استعادة دولتهم.

وبالعودة إلى اللقاءات التي شهدتها خلال الشهرين الماضيين العاصمة السعودية الرياض مع مجلس القيادة الرئاسي اليمني، وفي الجانب المقابل مفاوضات ما بين المملكة وحركة "أنصار الله" الحوثيين،.. فقد كانت في مجملها تفتقر إلى الشفافية، والمحصلة التي خرجت غامضة ولا يعلم عنها الشعب اليمني شيئًا عدا تسريبات تخفي أكثر مما تفصح!. وهو ما دفع الأحزاب والقوى السياسية في اليمن إلى رفضها منذ وقت مبكر، والمطالبة بمفاوضات شفافة تشمل كافة القوى الفاعلة في اليمن لرسم خارطة طريق واضحة لسلام مستدام في اليمن، وعدم رهن مستقبل اليمنيين باشتراطات الحوثيين تسليمهم كامل اليمن في مقابل تحقيق الجماعة حاجة السعودية لخروج سريع وآمن من المستنقع اليمني.

لا شيء واضح في مفاوضات وترتيبات الرياض بشأن اليمن ومستقبل شعبه، والأحزاب والقوى السياسية البارزة على الساحة اليمنية استبعدت من المشاركة بتلك المفاوضات ما دفعها للتحذير من خطورة فرض الرياض اتفاق يضر باليمنيين أكثر مما ينفعهم، وعلى الرغم من ذلك تم الإعلان من قبل الأمم المتحدة عن اتفاق ستوقعه أطراف الصراع اليمني بعد تسع سنوات من الاقتتال.. فهل تراجع الحوثيون بموجب هذا الاتفاق عما تقول حكومة الشرعية بأنه انقلاب على سلطتها وقبلوا بالانسحاب من العاصمة اليمنية صنعاء وتسليم أسلحتهم؟!، أم أن الشرعية قد اعترفت في الاتفاق بسلطة الحوثيين؟!، وماذا حقق المجلس الانتقالي الجنوبي من مشاركته أيضًا بمفاوضات الرياض تحت عباءة الحكومة اليمنية؟ وهل سيكفل الاتفاق حق الاستقلال لشعب الجنوب؟ إم سيرحل القضية الجنوبية إلى أجل مجهول؟، وهل قدم التحالف العربي ضمانات كفيلة بإنهاء الصراع في اليمن دون رجعة وإعادة إعمار البلاد وإنهاء أزماته الاقتصادية والخدمية؟ أو أن ما يحدث هو مجرد تأجيل للصراع لإتاحة خروج آمن للسعودية من اليمن ومن ثم ترك الساحة اليمنية لحرب طاحنة جديدة تقضي على ما تبقى من مقومات حياة الشعب اليمني؟!.

أسئلة عديدة وغيرها الكثير من القضايا الأساسية المرتبطة بحاضر ومستقبل اليمنيين كانت ومازالت مبهمة، ويلفها غموض ينبأ بخارطة طريق مرتقبة لن تقود اليمن وشعبه شمالًا وجنوبًا إلا لفصل جديد من الصراع المدمر، وباختلاف وحيد فقط عن فصول الصراع السابقة وهو ضمان السعودية مغادرة ساحة الحرب اليمنية وتوقف جماعة الحوثي عن استهداف أراضي ومنشآت المملكة بصواريخهم وطائراتهم المسيرة.

الأكيد أن حركة "أنصار الله" الحوثيين لن تقبل بأي اتفاق ينتقص شبرًا من أراضي محافظات شمال اليمن التي تسيطر عليها بما فيها العاصمة اليمنية صنعاء، ولن تتوقف عن حملاتها العسكرية للسيطرة على منابع النفط في محافظة مأرب والتمدد صوب محافظات الجنوب، ولا بالمساس بترسانتها الحربية الضخمة، ولا التنازل عن مشروع الدولة الجديدة التي اقتربت من إعلانها بعد تنفيذها تعديلات وتغييرات جذرية وواسعة في نظام الحكم والقوانين والأنظمة.. فعن أي سلام قادم لليمن يتحدث عنه اللاعبون الإقليميون والدوليون الممسكون بالملف اليمني؟!.

والواقع في الجنوب، هو رفض الجنوبيين لأي اتفاق لا يحمل في طياته الإقرار باستعادة الدولة الجنوبية، وفك ارتباط الجنوب بالشمال دون رجعة.

والمؤكد أن مجلس القيادة الرئاسي، قد حمل منذ ولادته بواعث الضعف والفشل في داخله، ولا يعول عليه في انتزاع اتفاق سلام ندي مع الحوثيين، كما لا يمتلك مجلس القيادة القدرة على رفض اتفاق وإن كان يمنح الحوثيين كل شيء طالما وأن السعودية التي شكلت المجلس قد رعت ذلك الاتفاق.

أما الظاهر جليًّا بمشهد الحراك الأممي والأمريكي المتسارع لطي صفحة الصراع اليمني، فهو حاجة السعودية الملحة للخروج عسكريًّا من حرب اليمن ولو باتفاق يصب في معظمه في مصلحة جماعة الحوثيين وما تبقى منه يصب بمصلحة السعودية نفسها من خلال ضمان عدم استهداف صواريخ ومسيرات صنعاء مستقبلا لأراضي ومنشآت المملكة، أما الحكومة الشرعية اليمنية والمكونات الشمالية والجنوبية المنضوية فيها تبقى الخاسر الأكبر من اتفاق لن ينهي الانقلاب الحوثي بقدر ما يشرعن لوجوده ويمنحه اعترافًا إقليميًّا ودوليًّا برعاية أممية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى