الصواريخ الإسرائيلية أنارت ظلام الليل بدل الألعاب النارية.. والسكان استذكروا الماضي بحسرة

> «الأيام» القدس العربي:

> كانت ألسنة النار تتصاعد في عنان سماء غزة بسبب انفجار الصواريخ التي أطلقتها الطائرات الحربية، والقذائف التي أطلقتها المدفعية الإسرائيلية، لتحصد المزيد من أرواح الضحايا الفلسطينيين، في الوقت الذي كانت فيه الألعاب النارية ذات الألوان والأشكال الجميلة، تضيء سماء عواصم العالم، احتفالاً بدخول العام الجديد 2024.

وملأ الخوف والرعب قلوب سكان قطاع غزة، خشية من الموت والدمار، الذي تحدثه آلة الحرب الإسرائيلية، التي تشن، منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، حرباً هي الأعنف في تاريخ الصراع.

ذكريات ممنوعة

لم يكترث سكان قطاع غزة بقدوم العام الجديد، على خلاف سكان العالم، فالأحداث الدامية التي يشهدونها، والتي أوقعت عشرات آلاف الضحايا والمصابين، جراء الحرب الإسرائيلية، أنست الكثيرين منهم أن العام الجديد كان يقرع الأبواب، خاصة أن الكثيرين منهم لم يعودوا منذ وقت يعرفون التاريخ بقدر ما كانوا يحسبون عدد أيام الحرب.

وبدلت أحوال الحرب عادات السكان في القطاع، فقد كان سكان المناطق الحدودية، ومناطق العمليات البرية التي ينفذها جيش الاحتلال، سواء في غزة أو في وسط القطاع ومدينة خان يونس جنوباً، يبحثون عن منطقة آمنة في منازلهم يحتمون فيها من الرصاص المتطاير الذي تطلقه الدبابات والآليات الإسرائيلية المتوغلة، ويصيب منازلهم.

ويقول شريف، وهو رجل في بداية العقد الخامس، وكان يقيم في مدينة غزة، ونزح قسراً إلى مناطق وسط القطاع، بناء على أوامر عسكرية إسرائيلية، رحل بموجبها أكثر من مليوني مواطن من القطاع من مناطق سكنهم إلى مناطق نزوح جديدة، إنه كان يمضي الليلة الأخيرة من العام برفقة أسرته في أحد أماكن التنزه، وإنه في تلك الليلة كان يحرص على أن يتناول طعام العشاء في أحد المطاعم، قبل العودة ليلاً إلى المنزل.

واستذكرت الإعلامية هداية شمعون، في تدوينة على فيسبوك احتفالات العام الجديد، فكتبت: “في مثل هذا اليوم مع نهاية العام، نتحلق معاً، إعلاميات من كل الأجيال في نادي الإعلاميات الفلسطينيات لنفكر معاً، ونجري تقييماً حول واقعنا كإعلاميات، ما هي التحديات التي واجهناها، وما هي الفرص التي يمكن أن نستقبلها مع عام جديد”؟.

وقد وضعت صورة تجمع الإعلاميات في العام الماضي، وكتبت: “من هن في الصورة الآن مطحونات في حرب الإبادة الجماعية على غزة، منذ السابع من أكتوبر، بعضهن يعملن ليل نهار في ظروف غير إنسانية وغير مهنية، معرضات للقتل والإصابة، بعضهن دمرت بيوتهن وفقدن الأمن والأمان، بعضهن فقدن بعض أفراد أسرته، وبعضهن قد يكنّ شهيدات الآن، بعضهن حوصرن في بيوتهن بفعل الدبابات الإسرائيلية في أماكن سكنهن، وبعضهن نجا من الأحزمة النارية التي زلزلت كيانهن، بعضهن فقدن أبواب رزقهن ومكاتبهن، بعضهن قتلت آمالهن وطموحاتهن، أغلبهن نزحن وافترشن مدارس الإيواء التي لا حياة فيها، بعضهن تقطعت بهن السبل مع عائلاتهن وأصدقائهن وصديقاتهن، بعضهن يحاولن النجاة ولازلن يقفن أمام الكاميرات ليوصلن رسالة غزة، وهن في العراء وفي خيمة لا تقيهن برد الشتاء، بكين وربطن على الجرح، هذا عام بائس دمر حياة كل من هو في غزة، وأعادنا للموت بطرق متنوعة”.

وأضافت: “هذا العام لم نلتق، ولن نلتقي، فاليوم آخر يوم في عام القهر والخيمة التي تقف الآن بيننا وبين كلماتنا”، مشيرة إلى أن أمنياتهن حالياً أن “تقف الحرب، وينجو من تبقى من الإعلاميات وعائلاتهن وأحيائهن ومدينة الحب والحرب غزة”، وتابعت: “أمنياتنا أن نحتضن بعضنا مرة أخرى، لنبكي كثيراً ونضمّد قلوب بعضنا البعض، فمن لنا سوانا”.

الدمار بدل الاحتفال ولم تقم في هذا العام أي احتفالات في المناطق الفلسطينية بالعام الجديد، ومن قبل لم تقم أيضاً أي احتفالات بأعياد الميلاد المجيدة، وذلك بسبب الحرب على غزة.

والجدير ذكره أنه، في مثل هذا الوقت من العام، كانت المحال التجارية في قطاع غزة، وكذلك المطاعم وأماكن التنزه، تحرص على تزيين واجهاتها وتكتب عليها أرقام العام الجديد، غير أن الحرب الإسرائيلية منعت كل ذلك، فالمحال التجارية دمرت غالبيتها، هي ومناطق التنزه والمطاعم، حيث أعادت الحرب قطاع غزة إلى أكثر من 50 عاماً إلى الوراء.

وشهد أكثر أماكن تجمع المواطنين في غزة احتفالاً بالعام الجديد، وهو ميدان الجندي المجهول غرب مدينة غزة، تدميراً ممنهجاً من قبل قوات الاحتلال، التي وصلت إلى قلب مدينة غزة، فجرفت ساحات المكان التي كانت مزينة بالأشجار والورود، وحولتها إلى أكوام من الرمال والحطام، كما هدمت وفجرت قوات الاحتلال الكثير من المطاعم المشهورة، والكثير من مناطق الترفيه كالملاهي وغيرها، بصورة كان هدفها الانتقام من سكان غزة، وحرمانهم من أي شكل ينسيهم مأساة الحرب.

وفي دلالة على ذلك، فقد كثفت، ليلة رأس السنة الجديدة، الطائرات الحربية الإسرائيلية من غاراتها الجوية على العديد من مناطق القطاع، وسجل، في هذه الليلة واليوم الأول من العام الجديد، سقوط عشرات الشهداء الجدد، بينهم أطفال صغار، كانت أحلامهم تنحصر في توقف الحرب، وعودتهم لممارسة اللعب دون خوف، بعد أن أصيبوا جميعاً بصدمات ستبقى تلازمهم لوقت طويل حتى بعد انتهاء الحرب.

وبسبب الأحداث الدامية التي عاشها سكان غزة، وفقدانهم في العام الماضي الكثير من أفراد أسرهم وأحبتهم وأقاربهم وأصدقائهم، جراء الحرب الإسرائيلية الدامية، أطلق الكثيرون منهم اسم “عام الحزن” على العام المنصرم، وتمنوا أن تنتهي الحرب سريعاً في العام الجديد، وأن يتوقف مسلسل التدمير والمجازر.

أحلام السكان

وظهر ذلك في تدويناتهم وتعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب الشيف وريف، وهو صاحب مطعم مشهور في مدينة غزة، تعرض للتدمير والتخريب خلال الحرب، معلقاً على قدوم العام الجديد على موقع فيسبوك: “لم تعد إلا ساعات معدودة على انتهاء عام بأكمله، ونحن نستعد للعام الجديد، والذي نتمناه أن يأتي بحلة جديدة تزيل هذا الجرح العميق في نفوسنا، في أعماقنا، في ذكرياتنا، في داخل كل طفل، في داخل كل بيت وكل حارة وكل شارع، ولا يسعنا إلا أن نقول الحمد لله رب العالمين على كل حال”.

أما شعيب أبو جهل فكتب: “كل عام والجميع بألف خير، إنشاء الله سنة تحمل الأمن والأمان والسلام في ربوعنا”.

فيما كتبت أم سامر: “آخر أيام السنة، يا رب اجعله آخر أيام الحرب”. وهذه التدوينة عبّرت عن كل سكان قطاع غزة، الذين يتمنون انتهاء الحرب بشكل عاجل، ليتوقف مسلسل القتل والتدمير.

ولم تكن هذه الأحلام والأمنيات بعيدة عن أطفال قطاع غزة، الذين كانت نسبتهم الأعلى بين عدد الشهداء والمصابين الذين سقطوا في الحرب، وكانوا يمثلون أيضاً العدد الأكبر من النازحين، الذين تركوا منازلهم قسراً، ويقيمون حالياً في “مراكز الإيواء” المزدحمة، وفي خيام في ساحات عامة، وفي باحات المستشفيات، بعد أن طلب جيش الاحتلال من أسرهم مغادرة أماكن سكنهم، باعتبارها مناطق عمليات عسكرية برية، وبعد أن دمرت منازل الكثير منهم وباتوا بلا مأوى.

ويقول الطفل قصي، وهو طفل يبلغ من العمر (12 عاماً)، ويقيم مع أسرته حالياً في مدينة دير البلح وسط القطاع، بعد أن نزح إليها قادماً من مدينة غزة، إنه يأمل أن يعيش كباقي أطفال العالم، ويضيف لـ “القدس العربي”: “نفسي الحرب تخلص، ونرجع للمدرسة واللعب”.

أما الطفل خالد محمد، وهو أحد الذين أصيبوا خلال الحرب، وتسبّبت له الحرب بصدمة كبيرة، فيأمل في انتهاء الحرب في أقرب وقت، ويضيف: “أنا خايف كثير من الحرب، ونفسي أعيش وألعب وأتمنى أن أرجع لبيتي بدلاً من التشرد في الإيواء، ونفسي أرجع أكمل دراستي”.

أما الطفلة سما فاختصرت أمنياتها بكلمات قليلة قالت فيها: “نفسي أنام بهدوء، وتخلص الحرب، وما أسمع الطائرات”.

ويصاب الأطفال في قطاع غزة بنوبات خوف شديد، عند سماع أصوات الطائرات الحربية تحلق فوق مناطق سكنهم، ويفزع الكثير منهم ويصرخون عند سماع أصوات الانفجارات الكبيرة الناجمة عن إطلاق تلك الطائرات الصواريخ الحربية.

وبسبب الحرب، حرم الأطفال من اللعب بطريقتهم الخاصة، ولم يعد هؤلاء ينزلون إلى الشوارع إلا في أوقات قليلة جداً، حيث تخشى أسرهم عليهم حدوث غارات أو سقوط صواريخ قريبة، رغم علم الأهالي أن منازلهم لم تعد آمنة.

كما حرم أطفال غزة، منذ بداية الحرب، من الذهاب لمدارسهم، التي أغلقت بشكل كامل، وحولت لاحقاً إلى “مراكز إيواء”، ومن بين هؤلاء الأطفال كثر من أقام في المدارس كنازح، بدلاً من أن يكون طالباً يتلقى الدروس.

وفي تلك المراكز لا يجد الأطفال ما يلهيهم وينسيهم أهوال الحرب، فهم لم يحملوا معهم، وقت النزوح، ألعابهم، التي تركت خلفهم في المنازل، وداستها الدبابات الإسرائيلية، أو احترقت ودمرت بفعل الصواريخ الحربية، ويسمعون كغيرهم من سكان غزة، على مدار ساعات اليوم، أصوات الغارات والقصف.

ومثلت نسبة الأطفال الشهداء والمصابين النسبة الأعلى من العدد الإجمالي للضحايا، الذين سقطوا منذ بداية الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر الماضي.

وكانت الجهات الرسمية في قطاع غزة أعلنت، في آخر إحصائية لها، عن ارتفاع عدد الشهداء في قطاع غزة منذ بداية الحرب إلى أكثر من 21800 شهيد، وأكثر من 56 ألف مصاب.

وخلال الحرب، اقترفت قوات الاحتلال نحو 1800 مجزرة، فيما بلغ عدد الشهداء من الأطفال نحو تسعة آلاف شهيد، علاوة عن أعداد المصابين الكبير، حيث لا يزال عدد كبير منهم يتلقون العلاج من إصابات خطيرة في المشافي، أدت إلى بتر أطرافهم، أو إصابتهم بجروح غائرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى