الحوثيون و البحر الأحمر والانتخابات

>
ما من شك أن تصريحات وتصرفات جماعة "أنصار الله" الحوثية أضحت مصدر قلق وإزعاج كبيرين في عدد من العواصم الكبرى وعواصم الإقليم لقدرتها على القيام بعمليات عسكرية متكررة أربكت حركة الملاحة في البحر الأحمر، وهو واحد من أهم الممرات البحرية في العالم، كما أنها عرضت في الوقت ذاته الاقتصاد الإسرائيلي لخسائر فادحة، ومنحت الحركة شعبية دعمًا وتأييدًا واسعين خارج اليمن أكبر بكثير مما حصدته داخليًا.

إن مرد التناقض بين الدعم العربي والدعم الداخلي أمر طبيعي نظرًا إلى الانقسام الذي يزداد حدة داخل اليمن بين فريقين يرى أحدهما أن ما تفعله "الجماعة" يصب في خانة دعم القضية الفلسطينية وتهديد إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، بينما فريق يمني آخر يرى أن هذه العمليات ليست أكثر من أعمال دعائية غير مجدية، وهذا بطبيعة الحال غير دقيق وإلا لما تحركت الأساطيل الأمريكية والبريطانية لمهاجمة ما تقول إنه مواقع عسكرية داخل اليمن.


في الواقع أنه رغم صعوبة الاعتراض أو انتقاد ما تفعله "الجماعة" من رفع شعارات مناصرة القضية الفلسطينية وتهديد إسرائيل والمطالبة برفع الحصار عن غزة وحماية أهلها ووقف عملية الإبادة الجماعية اليومية، فإن هذا يتناقض كليًا مع ممارساتها الداخلية التي كان من الممكن في حال انسجمت مع الطروحات التي تنادي بها لرفع الحصار عن غزة أن تسهم في خلق حالة من الإجماع الداخلي حول كيفية التعامل مع قضية كبرى تهم أنصار الحوثيين وخصومهم في آن واحد.

ما من يمني كما ما من عربي ينكر بشاعة ما تفعله إسرائيل ضد الفلسطينيين وسعيها المعلن لتهجيرهم قسرًا، ولكن الأعمال الحربية التي قام بها الحوثيون زادت من حدة الانقسام حول كيفية التعاطي داخل اليمن مع حرب غزة، بسبب تمزق النسيج الاجتماعي الذي حجب عنهم التأييد الشعبي، الذي كان متوقعًا لو أن البلاد كانت تعيش أوضاعًا مستقرة ولو كانت الطرقات مفتوحة بين المدن، وهنا يضع خصومهم الذين يطالبون بفتح منفذ الحوبان الذي يسيطر عليه الحوثيون منذ عام 2015 المقارنة بين الدعوة الصائبة لفتح كافة المعابر التي تتحكم فيها القوات الإسرائيلية بينما هي (الجماعة) ترفض فتحها لعبور الناس والبضائع من وإلى تعز.

من المحزن والمؤسف بطبيعة الحال أن يضطر يمني لمناشدة يمني آخر لإطلاق أسير يمني، وفتح طريق يخفف على الناس متاعبهم والأعباء المالية والجسدية التي يتجرعونها إذا أرادوا التنقل بين المدن، وأيضًا مشاعر القهر والكراهية التي تتنامى داخل النفوس التي تشعر بالظلم والعجز.

كان بإمكان جماعة "أنصار الله" الحوثية أن تكون نموذجًا أخلاقيًا بعيدًا عما تفرضه وتفعله إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة بالذات من حصار غير إنساني وغير أخلاقي، ناهيك بكونه غير قانوني، وفي الوقت ذاته فإن من غير المعقول توجيه انتقاد للفلسطينيين والعرب الذين يشيدون بالعمليات التي تقوم بها "الجماعة" في البحر الأحمر أو حتى إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل حتى وإن لم تصل إلى وجهتها.

في 27 ديسمبر  2023 نشرت تغريدة "تظن جماعة أنصار الله أنها أصبحت قوة إقليمية لكنها في الواقع قوة طائشة ومزعجة. التعرض للسفن يجلب الأضواء ويحدث الفوضى، لكنه لن يجعلها أكثر من طالبان. الأجدر أخلاقيًا ووطنيًا الالتفات إلى المساهمة في إنهاء معاناة اليمنيين من دون تفرقة بين صعدة وبقية اليمن وحينها ستكون قد انتصرت فعلًا".
واليوم ترى "الجماعة" أنها حققت انتصارًا معنويًا بدفعها الولايات المتحدة إلى توجيه ضربات إلى بعض من المنشآت العسكرية داخل اليمن، وهي بذلك ترى أنها في مواجهة مباشرة ضد العدو الذي تخصه مع إسرائيل بالعداوة والخصومة بحسب شعارها "الديماجوجي" الذي ينادي بالموت لأميركا ولإسرائيل، ولكن هذا الشعور بتحقيق هدف معنوي أكثر منه عسكريًا ستكون كلفته باهظة على اليمنيين ويمكن للجماعة أن تخلق توازنًا بين مناداتها برفع الحصار عن غزة وهو أمر أكرر أنه لا يمكن الاعتراض عليه أو حتى التقليل من قيمته، وإنما هي في الوقت ذاته مطالبة بتغيير سلوكها الداخلي مع اليمنيين.

إن ما يضعف موقف "الجماعة" تجاه القضية الفلسطينية التي تعيش في وجدان كل عربي هو عدم استعدادها أو ربما عدم رغبتها في التحرك من دون قيد أو شرط للانفتاح على اليمنيين، وإذا ما اقتنعت بأهمية ذلك فإنها حينها فقط تكون قد شكلت جبهة يمنية داخلية لا تشكك في أقوالها ولا ترى فيها مجرد هرب من استحقاقات وطنية أو أنها تفعلها بإيعاز من دولة أو جماعة غير يمنية.

إن الضربات التي وجهتها القوات الأمريكية والبريطانية تبدو في ظاهرها رد فعل تزعم الدولتان بأنها قانونية وطبيعية لردع الحوثيين، ولكن الحقيقة هو أنها ليست أكثر من عمل غير مجد في إطار الحملات الانتخابية التي يدخلها الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك وهما في أضعف مراحل حياتهما السياسية ومنحتهما "الجماعة" فرصة يظهران فيها أنهما عازمان على الدفاع عن إسرائيل تحت غطاء حماية البحر الأحمر والملاحة الدولية.

سينتصر الحوثيون إذا ما انتصروا لليمنيين وأسهموا في إغلاق ملفات الحروب والعداوات الداخلية وحينها سيكون الجميع في جبهة واحدة.

"إندبيندت عربية".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى