الدكتاتورية والديمقراطية في الميزان

> المستشار: أحمد علي محمد جحاف:

>
  • مقدمة
يظل الإنسان، مهما بلغ علمه وصلاحه وكفاءته، وقدراته، وتقاه، وذكاؤه، هو موطن خطأ وموضوع قصور، الكمال شأن إلهي وليس بشريًا، تلك قضية محسومة لا نقاش فيها ولا يسري عليها نظام وجهات النظر لأنها حقيقة مطلقة ثابتة.

حتى الأنبياء والرسل كانوا في كل أفعالهم وأقوالهم ينفذون الفهم العقلاني لنصوص الرسالات، يجتهدون بعقولهم، ويستشيرون ويستعينون بالعارفين ذوي العلم والاختصاص في التخطيط والتنفيذ وتطوير وسائل التنفيذ،(( يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها)) ...((قال الذي عنده علم من الكتاب...))

وكانوا عليهم الصلاة والسلام موطن خطأ أو قصور في بعض المواقف والمسائل الدنيوية، ويحضر الوحي فورًا للتصويب والتعديل.
  • الدكتاتورية
الدكتاتورية بكل أنواعها وأشكالها {دكتاتورية الفرد أو الأسرة، أو الأيدلوجيا (ماركسية أو مذهبية)، أوالطائفة أو القبيلة} هي أكبر كارثة وأشد بلاء حضر في حياة الإنسان بشكل عام، وهي السبب الرئيسي في فشل الأمم في تطبيق العدل، وحماية حقوق الإنسان، وتحقيق المواطنة المتساوية، وانتهاك قيم الفضيلة والأخلاق، وفشل خطط التنمية وإعمار الأرض وتحقيق التقدم العلمي، والهزيمة في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية بكل أنواعها، سواء عسكرية أوأمراض أو جهل وتخلف، وهي السبب في الحروب وسفك الدماء وكل البلاء والعناء وكل أصناف الشقاء. في العالم القديم والحديث نماذج للدكتاتورية كانت نهايتها الهلاك منها {عاد وثمود، وطغيان فرعون، وظلم النمرود، و…و…وفى أوروبا دكتاتورية الكنيسة، ثم حديثًا نازية هتلر، وفاشية موسيليني، اللتان أدتا إلى طوفان من الموت والدمار}.

أما في تاريخ الدولة الإسلامية فقد حضرت الدكتاتورية بكل أنواعها وأشكالها، منذ السقيفة {حين جعلناها قرشية قبلية، ثم قرشية وراثية، ثم سلالية، وعلى نفس النسق أيوبية، ثم مالكية ….ثم ماركسية اشتراكية، ثم ناصرية يسارية، ثم صدامية فردية، وهكذا} ووصل الأمر إلى طغيان هوية الحاكم على هوية الوطن وهوية الدولة حيث حملا هوية الحاكم، على سبيل المثال {أموية- عباسية- فاطمية- أيوبية} وزاد البلاء أكبر بلوى تقزيم وتأطير الدين والعقل في أطر ضيقة، هو إطار الحاكم، على سبيل المثال {سنة- شيعة- وهابية- إخوانية- داعشية وهكذا} وكل منها يكفر الآخر، ويرفض التعايش معه، والقبول به، فكان الصراع والحروب وسفك الدماء والتهميش والسجون والحرمان من الحقوق، وحضر التخلف والفشل الكامل في كل المجالات، وتلاحقت الهزائم ومنها {48 - 67 - ثم هزائم صدام} واحتلت الأرض وانتهك العرض، وصارت الأمة في أدنى السلم بين أمم الأرض، وسوف تكون كذلك يوم العرض.
  • الديمقراطية
على مدى مراس طويل وعسير، اهتدى الإنسان إلى سواء السبيل، فأنتج أعظم نعيم، نجاه من ويلات الجحيم، نعيم الديمقراطية العظيم، تداول سلمي للسلطات، وتجنب ويلات الصراعات، والسير في فلك تطوير نظام الحكم وتجديد الحاكم على مدار موعد الانتخابات.

بذلك وصلت بريطانيا وفرنسا إلى العلا، والأمريكي على عرش الدنيا استوى، أمطري حيث شئتي فخراجك إلي، يا دنيا الهوى، والدول الأسكندنافية أصبحت وكأنها في جنة المأوى، ونحن مازلنا ندور وندور في فلك الردى، في أحضان الدكتاتورية وبين مخالبها ننزف الدماء، نموت ونجوع وأسرى للحروب وويلات الكروب، ولا زالت أم قشعم هي عشيقتنا اللعوب.

عصر الرسل والأنبياء انتهى، وجاء عصر تطبيق ما جاءوا به من الهدى، عبر ديمقراطية تنتج دولة تحكم بدستور وقانون، وتحقق العدل للجميع، وترتقي بوطن يبنيه وينعم بخيره الجميع، والشيطان عدو للجميع، ومواطنة متساوية للجميع، والحريات بكل أنواعها مضمونة للجميع، وعدل الله في كل شيء ينعم به الجميع.

الديمقراطية ليست دين ولا هي علمانية، هي وسيلة، وللعدل آلية، وخير سبيل لتداول الحكم بطريقة سلمية، وإنتاج دولة مؤسسات حديثة تستوعب وترعى خصائصك الدينية والقومية والعرقية والفكرية مهما كانت وكيفما كانت، ويكون فيها دور الموظف من الرئيس إلى الغفير هو تنفيذ والعمل وفق القانون، لا اجتهاد ولا رأي، وألا إرادة تعلو على سيادة الدستور والقانون.

الديمقراطية ودولة المؤسسات الحديثة المنتجة عبر الديمقراطية، لا تتعارضان مع الإسلام بل هما آليتان لتحقيق عدل الإسلام، والذي يعني العدل بشكل عام، فالعدل هو العدل وهو قيمة ثابتة في كل زمان ومكان، والمتغير المتطور هو آليات تنفيذ العدل، وآلية تنفيذ العدل تطورت من رسول لأخر، ومع تطور الإنسان لتصل في هذا العصر إلى نظام الدولة المؤسساتية الديمقراطية، أيضًا لا تتعارض بأن يكون لنا {مرجعية روحية مقدسة عليا}، بما لا يخل بسيادة الدستور والقانون، وهي أيضًا آلية للحفاظ على منظومة الفضيلة والأخلاق وكل قيم الإنسان، فلا قلق بشأن تلك القيم.

أكرر... تستوعب وترعى خصائصك الدينية سواء كانت إسلامية أوغير إسلامية، ولا مشكلة في الإسلام إطلاقًا، بل في فهمنا وتطبيقنا للإسلام.

الديمقراطية، والدولة المؤسساتية الحديثة هما نتاج تراكم معرفي، وكم هائل من علم وخبرات وتجارب الإنسان عبر كل العصور والأزمان، من أجل تطبيق عدل الله في أرض الله، وتمكين الإنسان من القيام بمهام الاستخلاف من بناء وتنمية وصنع رفاهية الإنسان وإعمار أرض الله يا عباد الله.
  • خاتمة
الديمقراطية والدولة المؤسساتية هما أعظم نعيم على الإنسان، اهتدى إليه واكتشفه واخترعه الإنسان، لتحقيق عدل الله في أرض الله، والدكتاتورية هي أكبر بلاء، وأبشع داء، وأعظم بلاء ابتلي به الإنسان، وأكفأ آلية لظلم الإنسان والحيوان والنبات وكل الوجود، لدرجة أن الدكتاتور يصبح هو الله وإرادته وقراره فوق الدستور والقانون بل فوق القرآن.

كفانا الله شر الدكتاتورية، وأسبغ علينا نعيم الديمقراطية، إنه سميع مجيب الدعاء، ولا يكفي الدعاء دون العمل فعلينا العمل من أجل ذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى