​لنوقف بارانويا الزعماء

>
​بارانويا (paranoia) مصطلح في علم النفس، يعني جنون العظمة، وهو المرض الذي يسيطر على معظم القادة السياسيين، والمديرين، وتعاني شعوبنا العربية من قادة استوطنت فيهم البرانويا.

نظرًا لطول بقائهم في كراسي الحكم أو في الوظائف العليا في الدولة. تقول الدراسات إن المسؤول إذا قضي فترة تزيد عن أربع سنوات في منصبه، يتكون لديه تصور أن لا أحد يستطيع أن يكون أفضل منه، وكأن هذه الوظيفة خلقت له وحده، كما إن البطانات وأصحاب المصالح يكونون دائرة حوله، ويمتدحون كل كلمة يقولها أو أمر يصدره، ويصورون له قدرات خارقة، حتى إذا صدقها وقع فريسة للبرانويا.
  • هم ليسوا عظماء
القادة السياسيون ليسوا فلاسفة عظماء، ولا هم علماء اجتماع أو اقتصاد، حتى وإن كانوا كذلك لا يعني أن يصبح كل كلام يصدر عنهم، وكأنه الحقيقة الساطعة. السياسة ليست نظرية، إنها عملية، ولا توجد كليات تعلمك كيف تكون رئيسًا أو وزيرًا. الأمر يتعلق بخبراتك العملية ومعرفة تفاصيل المجتمع ومشكلاته، لكي يكون لديك تصور للحل. كما إنهم ليسوا الولي الفقيه، ولا مرجعيات دينية لهم اتباع ينفذون ما يصدر عنهم دون اعتراض، وكأنه أمر إلهي.
  • الناس ليسوا قطعانًا
الناس هم أعلى مخلوقات الله، إنهم يفكرون ويعملون، وهم طبقات عليا ووسطى ودنيا، وشرائح وفئات، فهم المثقفون والفنانون، والعلماء والمفكرون، والمخترعون، والمهندسون والمهنيون، والتقنيون، والتجار، والفلاحون والمرأة والشباب.

ولا يمكن إدارة كل هذا التنوع إلا بعقل مفتوح، وتواضع جم، وبالنموذج الأفضل، واحترام عقولهم. وعندما يتمادى الحكام في معاملة الشعب وكأنه قاصر، ويكون هو وصيًا عليه، أو عندما يسرف في وأد المبادرات الاجتماعية ويصادر الحريات، ويطلق يد النظام الأمني لهتك الأعراض والتنكيل بالناس، فإنه يهين الفطرة التي خلق الله عليها، ويهين الإنسانية المكرمة، وتسقط شرعيته ويصبح مغتصبًا للحكم. ذلك أن شرط الشرعية رضى الناس، وقدرة النظام على تلبية احتياجاتهم اليومية.

لذلك لستم قطعانًا تدينون بالولاء لسياسيين في أغلب الأحيان صنعتهم ظروف ملتبسة، وقد يكونون أقل منكم ذكاءً وخبرة. ولذلك لا تأخذوا كل ما يقوله القائد السياسي وكأنه قرآن منزل. وأحيانًا قد تكون بعض التصريحات استجابة لضغوط من أطراف أخرى، فأنت عندما ترفض أحيانًا يكون الرفض دافعًا لمقاومة تلك الضغوط، على العكس حين تتدفق المجاملات والمديح يدفعه ذلك للاستمرار في الطريق الخطأ.

أنتم من يقود السياسيين إلى الإصلاح بالنقد، والاعتراض وقول لا عندما يجب أن تقال، ونعم حين يجب أن تقال، الطاعة العمياء هي التي تجعل منا قطعانًا بشرية تسير حسب إرادة راعي القطيع، وطاعة ولي الأمر لا تعني العبودية، عندما يختصر ولي الأمر في القائد السياسي أو الزعيم الذي تدفعه قابلية الاستبداد، حسب الكواكبي، إلى أن يصدق نفسه أنه عبقري زمانه. لا تصنعوا أصنامًا هم أقل منكم علمًا وخبرة، اعطوهم حجمهم الطبيعي، لكي لا يتمادوا في إذلالنا وانتهاك حقوقنا، اجعلوهم يحترموكم ولا يكبروا عليكم.
  • نموذج لحالة البرانويا
القادة السياسيون ليست لديهم مهارات خارقة، ولا قدرات فوق عادية، هي هالة هلامية أحاطهم بها المنافقون، وتفننت البطانة والمنتفعون في توجيه المدائح والصفات، حتى يصدقها وينفخ ريشه...ما أن تقشروا هذا الهلام حتى تجدوه شخصًا عاديًا جدًا، منبهرًا بإكليل الغار الذي وضعه السفهاء حول عنقه.

يروي دكتور حامد خليل رحمه الله قصة طريفة.
قال: قاد ضابط صغير في إحدى دول أفريقيا الانقلاب، فأصبح رئيسًا، وكانت توجه له دعوات لزيارة الجامعة، فيرفضها، كان خائفًا، كيف سيواجه أساتذة الجامعات المفكرون والباحثون، وهو الذي لم يدخل يومًا طالبًا إلى الحرم الجامعي، بل لم يكمل حتى الثانوية.

لكن مستشاره أشار إليه أن يزور الجامعة، وأن يتحدث كرئيس بيده أمور الدولة كلها، بضع دقائق وسيجد ترحيبًا من قبل الأساتذة.

ذهب الرئيس وتحدث بكلمات بسيطة أمام الهيئة التعليمية، وعندما أنهى حديثه، كان التصفيق حارًا، وبدا الدكاترة يتحدثون بفخر عن هذا الخطاب التاريخي الذي يجب أن يوثق في إرشيف الجامعة، وأن تدرس مقتطفات منه للطلاب، وكان حضوره شرفًا كبيرًا للجامعة...الخ.

عاد الرئيس إلى مكتبه محتارًا، هل يصدق ما سمع، أم أنه فعلا قائد عظيم ولم يدرك عبقريته، حتى سمعها من النخبة الرائدة، التي لا يمكن أن تكذب أو تنافق.
أذن فقد أصبحت كلماته عنوانًا لمرحلة جديدة في تاريخ الجامعة، فهم يقتدون بتوجيهاته العظيمة.

هكذا زرعت البارانويا في الرجل المسكين، الذي لم يعد أحد في البلاد غيره قادر على القيادة سواه، وإن جرى له شيء لا قدر الله ستدخل البلد في مصيبة.

قيل اجتمع الرئيس السابق حسني مبارك في لندن مع مجموعة من المهاجرين المصريين ورجال الأعمال، فسأله أحدهم  لماذا يا ريس ما تعينوا نائبًا لكم، فرد الرئيس هاتوا لي اثنين قلبهم على البلد وأنا أعين واحدًا واحدًا منهم،
فطرح له اسم شخصية مهمة، فرد الرئيس ما تعينه أنت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى