خارطة طريق الأزمة اليمنية في انتظار تهدئة التوترات الإقليمية

> واشنطن «الأيام» الحرة:

>
​بعد بوادر ازدادت وتيرتها خلال العام الماضي، بشأن إمكانية التوصل إلى سلام ينهي المعاناة التي يعيشها اليمن منذ نحو 8 سنوات، وتحديدا منذ انقلاب الحوثيين الموالين لإيران على الحكومة الشرعية، اندلعت الحرب بين حركة حماس في قطاع غزة وإسرائيل، لتجر معها المنطقة إلى توترات إقليمية زادت المشهد تعقيدا وأثرت على فرص السلام هذه.

وخلال العام الماضي، قبل إقدام الحوثيين على مهاجمة السفن في البحر الأحمر بذريعة دعم الفلسطينيين في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، كان اتفاق "السلام" بين اليمن والتحالف الذي تقوده السعودية يلوح في الأفق، لكن مع ما يحدث من توترات أمنية، تتضاءل الفرصة يوما بعد يوم.

ويقول محللون تحدثوا لموقع "الحرة"، إن مسار السلام في اليمن قد لا تظهر ملامحه بشكل واضح "إلا بعد انتهاء الحرب في غزة"، وهذا ما يؤكد أهمية الجهود الأميركية في "التهدئة في الشرق الأوسط، واتباع مسار حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، لقطع الطريق أمام من يستخدم النزاع كذريعة لـ "تفجير حروب أخرى في المنطقة".

وقال السفير الأميركي في اليمن، ستيفن فاجن، في منشور عبر منصة إكس: "تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية سيدخل حيز التنفيذ نهاية الأسبوع المقبل، إذا لم توقف الميليشيا هجماتها على السفن".

وأسفرت جهود الوساطة بين الحوثيين والسعوديين عن "خارطة طريق" لنحو 3 أعوام، وهو ما تأمل الأمم المتحدة أن يصبح أساسا لحل طويل الأمد ومستدام للصراع، بحسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، عن مسؤولين أميركيين وسعوديين ويمنيين ومسؤولين من الأمم المتحدة، في تقرير سابق لها.

وأشارت الصحيفة إلى أن المحادثات كانت تتجه نحو المزيد من النجاح هذا العام، لكن "الحرب في غزة تهدد بقلب المفاوضات الحساسة بين أطراف الصراع".

واندلع النزاع في اليمن عام 2014، مع سيطرة الحوثيين على مناطق شاسعة في شمال البلاد، من بينها العاصمة صنعاء. وفي العام التالي، تدخلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعمًا للحكومة الشرعية في اليمن، مما فاقم النزاع الذي خلف مئات آلاف القتلى. وتراجعت حدة القتال بشكل ملحوظ منذ إعلان هدنة في أبريل 2022.

محمد الباشا، كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة "نافانتي" الاستشارية الأميركية، قال إنه رغم "الاختراقات التي حققتها المفاوضات" مع السعودية، والتي لعبت فيها سلطنة عُمان دورا مهما خلال الفترة السابقة، فإن "التوترات الإقليمية تلقي بظلالها على فرص السلام في اليمن".

وقال في حديث لموقع "الحرة"، إن مفاوضات السلام كانت قد توصلت لـ "رؤى لحلحلة الأزمة، لا سيما بعد المفاوضات بين الرياض وصنعاء، والتوافق على خارطة طريق لحل أزمة اليمن".

وأواخر عام 2023، أعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس جروندبرج، أن طرفي النزاع في اليمن "التزما بالانخراط في عملية سلام" تقودها الأمم المتحدة، كجزء من خريطة طريق لإنهاء الحرب.

من جانبه، اعتبر الباحث السياسي اليمني، نبيل البكيري، أن "فرص السلام تكاد تكون منعدمة"، مضيفا أن ذلك "ليس بسبب ما يحدث من توترات في البحر الأحمر فقط، إذ أن جذور الأزمة اليمنية لا يتم النظر إليها في الحديث عن السلام"، مشيرا إلى وجود تأثيرات لـ "تدخلات إقليمية ودولية".

وأضاف: "البنية الفكرية والعقائدية لجماعة الحوثي، هي أكبر عائق أمام أية عملية سلام في اليمن، خاصة أنها قائمة على فكرة الحق الإلهي في حكم البلاد، حيث ينظرون لزعيمهم عبد الملك الحوثي على أنه بمثابة إمام وعالم وملك متوج من السماء، لا يحق لأحد منازعته، بحسب مصطلحاتهم".

رئيس مركز واشنطن للدراسات اليمنية في العاصمة واشنطن، عبد الصمد الفقيه، قال إن "ما يجري في البحر الأحمر، أحبط فرص السلام التي كانت تقترب من شكلها النهائي".

وشرح في رد على أسئلة موقع "الحرة"، أنه قبل بدء الهجمات الحوثية (على السفن) في نوفمبر الماضي، "كانت اللمسات الأخيرة توضع على اتفاق السلام، لكن ما حدث في البحر الأحمر تسبب في تعطيلها، إذ تغير الموقف الدولي".

وأشار الفقيه إلى أن "السعودية كانت داعمة بأن يتعامل المجتمع الدولي من دون تصعيد مع الحوثيين، على أمل طي ملف الخلافات والتوصل لسلام دائم، لكن ضربات الحوثيين المتكررة لم تعط الفرصة للتهدئة، مما دفع دول غربية للرد بالقوة على التهديدات التي تنامت في البحر الأحمر".

وتابع أن "مصير اتفاق السلام لم يعد معروفا بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، والتي فرضت مزيدا من التعقيد على المشهد".

ورجح الفقيه أن الحوثيين "قد يكونوا راضين عما وصلت إليه الأمور من تعقيد، لأنهم قد يريدون الاستمرار في ممارسات العنف بما يخدم مصالحهم، وركوب موجة ما يحصل في غزة لكسب الشعبية في المنطقة، رغم أن ما تقوم به إسرائيل في غزة لا يقل فظاعة عما يقوم به الحوثي في اليمن"، منوها بأن "ممارسات الحوثيين غير محسوبة على الإطلاق".

رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، توفيق الحميدي، اتفق بأن "الممارسات الحوثية تعيق فرص السلام في اليمن"، مشيرا إلى أن الحوثيين يستندون إلى "موقف تعاطفي كبير باستغلال حرب غزة، وتصدر المشهد العسكري في البحر الأحمر".

وتوقع أن الحوثيين "سيستمرون بسلوكياتهم المثيرة لعدم الاستقرار في المنطقة، بهدف تحقيق مكاسب خاصة بهم، من دون إيلاء أي أهمية للجانب الإنساني لليمنيين".
وأعرب الحميدي عن تخوفه من أن التحركات الحوثية على المستوى الدولي، "قد تعطيهم دفعة للتفكير في تحقيق مكاسب سياسية لحسم معركتهم الداخلية".

وأعرب الباحث البكيري عن اعتقاده بأن "مسار السلام الممكن تحقيقه في اليمن، لا يمكن أن يحدث من دون العودة للقرارات الدولية ذات الصلة، والتي قاربت جذر المشكلة اليمنية، وهو القرار الدولي 2216".

وأضاف أن هذا القرار "حدد المشكلة في البلاد بدقة فيما يتعلق بانقلاب جماعة الحوثي، وعرقلتها لمسار الانتقال السياسي والديمقراطي في اليمن، وأنها ميليشيات محتلة لعاصمة اليمن، وعليها المغادرة وإعادة الأسلحة التي استحوذت عليها من مخازن الدولة، وبعد ذلك يمكن النظر في طبيعة تفاعل هذه الجماعة وانخراطها في المجال السياسي اليمني".

وأكد حميدي أن "إحلال السلام والاستقرار في اليمن مهمة صعبة ومعقدة، لانعدام الثقة بين الأطراف الداخلية والخارجية، وعدم قدرة طرف ما على الحسم العسكري، لذا يظل هذا السلام مرهون بحسابات الأطراف والتقلبات الأساسية الإقليمية والدولية".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى