سلام بلا مصالح بين مصر وإسرائيل

> محمد أبوالفضل:

>
​يؤكد توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل من وقت إلى آخر، أنهما فشلتا في إيجاد شبكة قوية من المصالح بينهما، فمنذ التوقيع على اتفاقية السلام قبل أكثر من أربعة عقود، لم يَحدُث تحول ملموس بينهما، والصعود الذي نراه وقت الدفء، والهبوط في زمن التوتر، يكشفان عن العثرات الرئيسية، التي استعيض عنها بعبارات: السلام البارد، التطبيع الرسمي، والرفض الشعبي، عدم الاستعداد للعودة إلى الحرب.

تؤكد هذه النوعية من العبارات الرمادية أن اتفاقية كامب ديفيد وقعت لوقف الحرب والتمهيد لإنهاء الصراع مع العرب بصيغة مبهمة، وفشلت في بناء مستوى جيد من المصالح، أو أن مصر وإسرائيل لا ترغبان في ذلك بسبب قناعةٍ أن التسوية السياسية التي تمت بينهما مؤقتة أو هدنة قد يعقبها استئناف القتال في أي لحظة.

لا تزال مصر ترى إسرائيل عدوا حقيقيا في الأدبيات العسكرية، والسياسية أحيانا، وهي عدو محتمل لدى إسرائيل، خاصة بعد نجاح القاهرة في تطوير ترسانتها المسلحة بصورة مذهلة مؤخرا، حيث لا يوجد خصم ظاهر في الأفق أمامها خلاف إسرائيل.

شهدت العلاقات بينهما نموا أمنيا واقتصاديا في العقد الأخير، تصور كثيرون أنه يكفي للحديث عن تطبيع كامل الدسم، يشمل مجالات مختلفة، ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تبيّن أن ما بدا هو تطور يستند على مصالح انعكاس لعدم وجودها بشكل يمنعهما من تحميل كل طرف للآخر مسؤولية طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي.

لن يكون هناك سلام بين مصر وإسرائيل في غياب حزمة كبيرة من المصالح، وعدم التوصل إلى صيغة قوية هو أحد مظاهر توتر يطفو على السطح من حين إلى آخر، ويشير اللايقين دوما إلى صعوبة الوصول إلى هذه الصيغة، ففي مصر تيار واسع لا يستوعب التطبيع العملي، ينسجم مع رغبة تيار آخر يعمل في دولاب الدولة.

قد لا يعبر التيار الثاني عن موقفه صراحة لدواع دبلوماسية، غير أنه يطرب كثيرا لارتفاع صوت معارضي إسرائيل، ويعلن دوما التمسك بالسلام معها وما ترتب عنه من استحقاقات عسكرية وسياسية، لكنه لا يثق في تحويل السلام من بارد إلى ساخن، وأقصى ما وصل إليه رفعه لمرتبة الدفء عندما توجد حاجة إقليمية أو دولية لذلك.

تريد إسرائيل القفز على البرودة والدفء، وتسعى إلى إدخال السلام مربع السخونة المستمرة من خلال شبكة مصالح واهية، تعتقد أنها كفيلة لنسيان ما مر بمصر وبعض الدول العربية من مرارات، فلم تقدم إسرائيل ما يجعل القاهرة قادرة على الثقة في توجهاتها، والانطلاق إلى مصالح حقيقية.

بينما نجحت تل أبيب في الاقتراب نسبيا من بعض الدول البعيدة عن حقل المواجهة الرئيسية معها، غير المكبلة بميراث يضبط حركتها بصورة عميقة، مع ذلك هناك دول عربية تربط تطوير العلاقات مع إسرائيل بإيجاد حل للقضية الفلسطينية.

يردد البعض اسم الأردن كنموذج ناجح، فشبكة المصالح التي تربطه مع إسرائيل أضعاف ما هو حاصل بين الثانية ومصر، في حين أن المملكة من دول المواجهة.

يكمن تفسير التناقض بهذه المقاربة في الحالة الأمنية والجغرافية الضاغطة على العرش الأردني، بما يجعله يميل إلى الهدوء كثيرا مع إسرائيل مهما ارتفع الغليان في الأراضي المحتلة، ولا تستطيع المملكة أن تتحمل ضغوطا قاسية على بعد خطوات منها، ناهيك عن أن جذور نحو نصف سكانها من أصول فلسطينية.

أكدت حرب غزة أن السلام القائم بين مصر وإسرائيل هش ويمكن أن يتعرض لمحنة مصيرية، فمع تهديدات الثانية باجتياح مدينة رفح في جنوب القطاع وما ينجم من احتمال للتهجير القسري قد تدخل العلاقات مع القاهرة في نفق مظلم بعد وضع خطوط حمراء حول هذا السيناريو، والذي كاد يفجر ما هو مكتوم في صدر مصر التي لجأت إلى التحذير مباشرة تارة، والتهديد بتجميد اتفاقية السلام تارة أخرى، مقابل اتهامات أطلقها مسؤولون في إسرائيل حول تسريب أسلحة من مصر إلى حماس.

يدل الخلاف حول التحكم في معبر صلاح الدين (فيلادلفيا) في جنوب غزة على بعد آخر لتفسير التباعد بين مصر وإسرائيل وأهمية الحاجة إلى تطوير بنود السلام بينهما لاحقا، لأن أحد إشكاليات هذا الممر عدم مراعاة التبعات التي خلّفها العدوان على غزة، والناجمة عن المسافة الكبيرة لجدوى عملية تسوية وجدت أصلا لإنهاء الحرب بين الجانبين، على أمل أن تفتح الطريق لسلام أكبر ينهي الصراع مع العرب.

قاد التباين في الرؤية للسلام ذاته بين مصر وإسرائيل إلى عدم تطوير آلياته والحفاظ على حد أدنى من العلاقات، لأن كل طرف رأى العملية وسيلة لغاية، هي التقاط الأنفاس، وربما الاستعداد لجولة جديدة من الصراع، ما يفسر الابتعاد عن الدخول في تفاصيل متعددة خاصة بالمصالح المتبادلة، فالقاهرة تتمسك بشكل التسوية وعدم الخوض في عمق السلام، وإسرائيل سعت لتسوية مريحة تمكنها من السيطرة على مساحة واسعة من الأراضي الفلسطينية مقابل التضحية بالانسحاب من سيناء.

وكانت النتيجة الماثلة في الأذهان وجود تسوية سياسية مؤقتة وليس سلاما راسخا، لأن الأخير يفرض التوصل إلى قواسم مشتركة من المصالح، والتمهيد لحل الخلافات الإقليمية التي يمكن أن تعرقل توسيع أطره، وأبرزها القضية الفلسطينية التي تظل أم القضايا أو عقدة العقد لتطوير صيغة السلام الحالية، فعند كل هبة في الأراضي المحتلة تتعرض مصالح القاهرة لاهتزاز وربما انهيار، بينما إسرائيل ترغب في شبكة مصالح لتفكيك روابط مصر مع قضية بات حلها جزءا حيويا من أمنها القومي.

تبقى التسوية، أو السلام في قول آخر، محافظة على هدفها الرئيسي وهو عدم الحرب إلى حين أن تؤدي استفزازات إسرائيل إلى إحراج مصر فتخرج عن حلمها، أو يسعى الطرفان إلى البحث عن صيغة منتجة وخلّاقة تمنع ظهور هذا الشبح.

ولن تكون هناك صيغة أفضل من تطوير المصالح المرهونة في العقل المصري بحل القضية الفلسطينية أولا، الأمر الذي انتبهت إليه قوى دولية عديدة، حتى لو كان بعضها جاء خطابه مدفوعا بالتداعيات الأمنية والإنسانية للحرب على غزة.

عاد الحديث عن حل الدولتين إلى دائرة الضوء وأصبح جذابا كمدخل أو مفتاح لتحسين العلاقات مع مصر، وقناة لتذليل العقبات مع دول عربية أبدت استعدادا للتطبيع، وشرع بعضها في التفاهم على سلسلة اتفاقيات مع إسرائيل على قاعدة المصالح المشتركة.

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى