حزب الله ورقة إيران الرابحة التي من المرجح أنها لن تُستخدم

> د. دينيس كركوديوف:

>
​إن الصراع بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل في قطاع غزة أدى بشكل حتمي إلى جذب لاعبين جدد إلى هذا الصراع، وعلى وجه الخصوص، حزب الله اللبناني.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الاشتباكات المتفرقة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، فإن المواجهة الشاملة لم تبدأ بعد. وصدرت مؤخرًا تصريحات مدوية لقادة حزب الله مفادها أنهم مستعدون لإعلان الحرب على تل أبيب.

وفي هذا السياق، قام الحزب اللبناني بإطلاق تحذيرات مفادها أن إطالة أمد المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية قد يؤدي إلى فتح سلسلة من الجبهات الجديدة.

كل هذا يثير التساؤلات حول ما إذا كان حزب الله وإسرائيل قادران فعلًا وراغبان في شن عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد بعضهما البعض. حيث عبّر المشاركون في مؤتمر الفيديو بعنوان: "حزب الله وإسرائيل ضمن سياق الصراع في قطاع غزة"، الذي عقد في 5 فبراير 2024، بمبادرة من المركز الدولي للتحليل السياسي و التنبؤ، عن وجهات نظرهم حول هذا الأمر.

وفقًا للصحفي والمحلل السياسي اللبناني المستقل فؤاد خشيش، فإن التوترات المتصاعدة بين الحزب اللبناني وإسرائيل ليست فريدة من نوعها. ومنذ تأسيسه عام 1982، أصبح حزب الله هدفًا منتظمًا للغارات الجوية الإسرائيلية.

لكن الآن قد تكون لتدخل حركة حسن نصر الله عواقب بعيدة المدى يمكن أن تغير ميزان القوى في الشرق الأوسط، وبشكل عام، طبيعة العلاقات الدولية.

بادئ ذي بدء، كما أشار فؤاد خشيش، يرجع ذلك إلى حقيقة أن إسرائيل تلقت أقصى قدر من الدعم من الولايات المتحدة خلال العملية العسكرية الأخيرة في قطاع غزة، ما مكن من نشر مجموعتين ضاربتين من حاملات الطائرات في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يجدر النظر في رغبة بنيامين نتنياهو الطويلة الأمد في جر واشنطن إلى حرب مع إيران. والآن، على ما يبدو، تم تهيئة الظروف الأكثر "مواتية" لذلك، ونتيجة لذلك قد يجد "محور المقاومة"، بما في ذلك حزب الله، نفسه في موقف الطرف الاضعف الذي قد يخرج من اللعبة.

أبعد من ذلك، لقد فندت عملية طوفان الأقصى نظرية النهج الإسرائيلي التقليدي في الدبلوماسية والاستخبارات الدولية وأظهرت عدم جدية هذه النظرية في الواقع العملي، نظرًا لعدم استطاعة إسرائيل منع أحداث 7 أكتوبر 2023 في قطاع غزة.

بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية المصري علي أيمن الركاب، إن حزب الله يتبع حاليا نفس النهج الذي تتبعته تل أبيب، معتبرًا أن أساليب المواجهة العسكرية الكلاسيكية وخطاب إعلان الحرب لم يعد يصلح في سياق المواجهة الحديثة، في هذا الصدد، فإنه من الضروري استخدام استراتيجية جديدة تضمن التحرر من الاحتلال الإسرائيلي، دون تفاقم العلاقات مع واشنطن أو تل أبيب.

وسائل الإعلام الغربية، وفقا لمسؤول كبير في وزارة الدفاع المصرية رامي علي محمد عاشور، في معظمها، ربما عن غير قصد، خلقت رأيًا عامًا بدأ بموجبه يُنظر إلى الحرب المحتملة بين إسرائيل وحزب الله على أنها حتمية وطبيعية تمامًا. ومع ذلك، هل هذا حقًا؟

ويرى رامي علي محمد عاشور أن المواجهة الحالية بين الطرف اللبناني والدولة اليهودية محددة بمجموعة من العوامل المتغيرة التي تهدف إلى الردع المشروط المتبادل "قواعد اشتباك محددة" من أجل الحفاظ ليس فقط على الموارد العسكرية التي يمتلكها الطرفان، بل أيضًا. على الفرص الدبلوماسية لترسيم الحدود البرية والبحرية لاحقًا.

وفقًا للتصورات العامة لحزب الله، فإن المفاوضات حول تقسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل، بما في ذلك قضية مزارع شبعا، تضعف موقعه باعتباره "درع لبنان". وهذا بدوره يؤثر على شرعيته، و ما يخص الحفاظ على إمكانية المقاومة و السيطرة على لبنان.

يضاف إلى ذلك أن واشنطن، العدو التقليدي لحزب الله ولنظام آية الله، هي الآن الوسيط الرئيسي في المفاوضات، وبالتالي لديها القدرة على التأثير على الحزب اللبناني.

بالنظر إلى أن حزب الله وافق على تنظيم عملية التفاوض، دون أن يكون لديه خيار آخر ويتعارض مع مبادئه، فإن وضعه السياسي الداخلي في لبنان محفوف بالمخاطر للغاية، كما أشار الصحفي اللبناني فؤاد خشيش.

وفي هذه الظروف بالذات، من المهم أن يثبت الحزب داخل لبنان ولإسرائيل أنه لا يزال يحتفظ بقدرته على الردع.

ومن هنا إصراره العلني على تنفيذ هجوم انتقامي على إسرائيل عند الحدود، انطلاقًا من إظهاره أنه يستطيع الردع و يمسك بزمام الأمور وعنده القدرة على التصعيد.

ومن الأمور ذات الأهمية الكبيرة في عملية الاحتواء المتبادل بين إسرائيل وحزب الله، بحسب علي أيمن الركاب، حقيقة أن ترسيم الحدود لا ينهي النزاع بينهما.

وبالتالي، يواجه كل طرف من الأطراف المتنازعة رسميًا مشكلة كبيرة في استخراج الموارد الطبيعية، وفي المقام الأول النفط والغاز، في المنطقة المتنازع عليها في قاع البحر. وفي هذا الصدد، اضطرت بيروت إلى التعاقد مع شركة توتال الفرنسية التي تتولى بدورها التزام إنتاج الغاز الطبيعي وتوزيعه بين الطرفين.

وهكذا، فإن لبنان، وبدرجة لا تقل، حزب الله، يقعان في تبعية مباشرة للموزع الفرنسي، الذي يمكنه بسهولة أن يمنح إسرائيل حقوق تفضيلية في حصة النفط والغاز اللبنانية.

لذلك، فإن بيروت الرسمية والحزب اللبناني مضطران إلى عدم السخط بشكل خاص أو حتى التزام الصمت، دون استفزاز الولايات المتحدة أو إسرائيل أو فرنسا لاتخاذ إجراءات جذرية.

في المرحلة بين أعوام 2006 و2009، بذل حسن نصر الله محاولات عديدة لنقل الصراع إلى ما وراء منطقة الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لكن الأمر اقتصر بعد ذلك على التصريحات العسكرية الصاخبة فقط، في حين انتقد المجتمع الدولي، وإيران، في المقام الأول، زعيم  حزب الله بشدة. لرغبته في التصعيد غير المنضبط.

وفي سياق المواجهة العسكرية الحالية في قطاع غزة، فإن الوضع يعيد نفسه. وعلى وجه الخصوص، وعلى الرغم من الدعوات العدائية والتصريحات المعادية لإسرائيل، فمن غير المرجح أن يشارك حزب الله رسميًا بشكل مباشر في الحرب ضد إسرائيل لسبب واحد بسيط: أن هذه الحرب غير مواتية، أولًا وقبل كل شيء، لنظام آية الله الإيراني، الذي أبرم صفقة مع الولايات المتحدة للإفراج عن الأموال، وإلغاء العقوبات الاقتصادية وصفقة تبادل الرهائن.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذا الصراع سيكون ضد مصالح النظام السوري، حيث لتل أبيب مصالح واسعة ويمكن أن يثير سلسلة من الهجمات على أهداف استراتيجية لدمشق الرسمية إذا ساءت العلاقات مع الطرف اللبناني.

وبالعودة إلى عام 2012، صرح ابن خال الرئيس السوري رامي مخلوف أن أمن إسرائيل هو من أمن سوريا. وفي هذا الصدد، يعني ذلك أن أي تهديد للأمن القومي للدولة اليهودية يمكن أن يؤثر سلبًا على الوضع العسكري السياسي الحالي في الجمهورية العربية السورية.

ولهذا السبب، مهما علت تصريحات حسن نصر الله وبنيامين نتنياهو وممثلي دائرتهما، فإن كل ما يحدث بينهما هو مجرد محاولة «لحفظ ماء الوجه»، لأن حزب الله محدود حاليا في تحركاته العسكرية ضد إسرائيل. وتل أبيب بدورها، بعد لم تكمل العملية العسكرية في قطاع غزة، وليس لديها القدرة لفتح جبهة إضافية في بلاد الأرز.

تجدر الإشارة إلى أنه بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 تقريبًا، صرح حسن نصر الله أن قيادة حزب الله لم يتم إبلاغها مسبقًا بالأعمال المخططة لحماس. وكانت هذه محاولة من زعيم الحزب اللبناني لصرف الشكوك والتضليل الواضح، لأن حماس لم تكن لتتمكن من تنظيم أعمال عسكرية تدميرية واسعة النطاق في المستوطنات الإسرائيلية دون تلقي الدعم أولًا من جميع أعضاء محور المقاومة، الذي، في بالإضافة إلى حزب الله اللبناني، يضم على سبيل المثال حركة "أنصار الله" اليمنية.

بدوره، نأى حسن نصر الله بنفسه رسميًا عن التخطيط الاستراتيجي للجماعة الفلسطينية، وأعلن بشكل لا لبس فيه على الساحة الدولية أنه ليس مسؤولًا عن التحريض على الصراع، لكنه في الوقت نفسه مجبر على الانضمام إليه بعد وقوعه. بلغة الدبلوماسية العسكرية، يعني ذلك أن حزب الله يؤكد أنه ليس الطرف الرئيسي في المواجهة في قطاع غزة، وإذا تم حل المشاكل الأساسية التي أصبحت حجر عثرة بين حماس وإسرائيل، فإن حركة حسن نصر الله سوف تتوقف عن مواصلة التدخل.

بمعنى آخر، كان الأهم بكثير أن يشير زعيم الحزب اللبناني إلى دعمه للحركة الفلسطينية، بدلًا من مشاركته الكاملة في الصراع.

إسرائيل وحزب الله، كما أشار فؤاد خشيش، تم وضعهما في البداية تحت ظروف الردع المتبادل عندما اتفقت بيروت وتل أبيب رسميًا على ترسيم الحدود البرية والبحرية في أكتوبر 2022. وفي هذا الصدد، من غير المرجح أن تؤدي اتهاماتهم المتبادلة إلى اشتباك واسع النطاق، لأن كل جانب مهتم بتجنب الحد الأقصى من الخسائر والإجراءات غير المتناسبة لذلك حزب الله وإسرائيل ضمن أطر "قواعد اشتباك محددة".

وبطبيعة الحال، فإن الموارد العسكرية لحزب الله كبيرة للغاية، مما يسمح له بإطلاق الصواريخ الباليستية على كامل أراضي إسرائيل دون أي مشاكل.

لكن إمكانيات استخدام هذه الموارد العسكرية محدودة للغاية بسبب الانقسام في المجتمع اللبناني. ليس من الصعب التنبؤ بأن إسرائيل، ردًا على هجمات حزب الله، قادرة على تنظيم قصف شامل كبير للبنان والعاصمة اللبنانية، بيروت الأمر الذي سيؤدي إلى قدر هائل من الدمار والضحايا.

في هذه الحالة، سيكون رد فعل الشارع اللبناني موجهًا ليس فقط نحو الاحتلال الإسرائيلي، بل أيضًا نحو حركة حسن نصر الله، التي تخاطر بالذهاب إلى العمق خوفًا من الغضب الشعبي.

ولتقييد حزب الله بشكل أكبر للالتزام، تعمدت واشنطن إطلاق عميلة إصلاح سياسي في لبنان من خلال تنظيم ما يسمى بـ "لجنة الخطة الخمسية". وهذا يسمح بضمان عدم تفاقم الصراعات السياسية الداخلية في لبنان، الأمر الذي لن يسمح أيضًا بالتأكيد إلى مغامرات عسكرية مختلفة على الأراضي اللبنانية. في الوقت نفسه، فإن أنشطة لجنة الخطة الخمسية تجبر تل أبيب والحزب اللبناني على الحد من المواجهة العسكرية بينهما حتى حل المشاكل السياسية الداخلية.

ولا ينبغي أن ننسى أيضاً أن هناك تعاونًا وثيقًا بين رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ومستشار وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون لبنان، عاموس هوشستين، في قضايا المواجهة العسكرية مع إسرائيل. ولهذا السبب، يمكن لواشنطن أن تؤثر بشكل مباشر على الإدارة اللبنانية إذا ارتكب حزب الله خطأً فجأة أو بدت أفعاله موضع شك.

وتهدف «لجنة الخطة الخمسية» إلى تنفيذ مشروع متوسط المدى يقدم بموجبه حزب الله عدد من التنازلات العسكرية في الجنوب مقابل مكافآت سياسية معينة داخل البلاد.

وقد تم الترويج لهذا المشروع في البداية من قبل وزير الدفاع الفرنسي السابق جان إيف لودريان، ثم من قبل رئيس الجمهورية الخامسة إيمانويل ماكرون. لكن حسن نصر الله رفض حينها المبادرة الفرنسية، معتبرًا أنها غير مفيدة بما فيه الكفاية. والآن تغير الوضع، ويعتقد حزب الله أنه يستطيع تسمية مرشحه لمنصب رئيس لبنان من خلال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

في الوقت الحالي أيضًا هناك مخاطر تتمثل في أعمال و أنشطة حزب الله العسكرية التي قد تفيد الدولة اليهودية إلى حد ما. وبالتالي، إذا واجهت إسرائيل خطر الحرب على عدة جبهات في وقت واحد، فإن هذا سيجعل المواجهة العسكرية المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران حتمية تقريبًا. وفي هذه الحالة لا شك أن كل التنازلات الأمريكية التي سبق أن تحققت بشأن نظام آية الله الإيراني ستلغى.

تلخيصًا لما سبق، اتفق المشاركون في المؤتمر على أن أي تهديد محتمل من حزب الله يوفر لطهران فرصًا هائلة لإجراء مفاوضات حول مجموعة كاملة من القضايا الأكثر حساسية، مثل البرنامج النووي. وفي هذا الصدد، من المهم للغاية بالنسبة لإيران خلق انطباع على الساحة الدولية بأن لديها حزب الله اللبناني كورقة رابحة رئيسية وأنها مستعدة لوضع هذه الورقة الرابحة على المحك، في حين أن طهران تدرك ان الواقع غير ذلك و من غير المرجح أنها سوف تتمكن من استخدام هذه الورقة الرابحة.

*رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى