فذكر إن نفعتْ الذكرى.. خيارات محدودة أمام الانتقالي

> قالَ ابنْ قتيبة: منْ مذاهبِ العربِ التكرارُ للتوكيدِ والإفهامِ كما أنَ منْ مذاهبهمْ الاختصار للتخفيفِ والإيجازِ، لأنَ افتنان المتكلم والخطيبِ في الفنونِ أحسن منْ اقتصارهِ في المقامِ على فنٍ واحدٍ.

تلاشى مفهومُ الدولةِ لدى الجنوبيينَ بعدَ 1990، وغابتْ معالمها إلا منْ مظاهرَ باهتةٍ، كما ذابتْ الفواصلُ بينَ الإقطاعياتِ والمؤسساتِ العامةِ بعدما قررتْ المنظومةُ الحاكمةُ في صنعاءَ تعميمَ فسادها، ودعمهُ بشبكةٍ زبائنيةٍ خدماتيةٍ داخلَ ما سميَت المؤسساتِ الرسمية وخارجها، وأصرتْ يومها على إخراجِ شياطينها للعملِ على خلقِ منظومةِ فسادٍ مؤسساتيةٍ منظمةٍ.

لمْ يدركْ الجنوبيونَ ويستفيقوا إلا بعدَ فوات الأوان وبعد أنْ واجهوا غزو 94، وأيقنوا بعدها أنهمْ أمامَ غول منْ الجهلِ المتوحشِ القادمِ منْ غياهبِ التاريخِ، فقرر الجنوبيون المواجهةَ السلميةَ سبيلا للمقاومة، فاستخدمتْ المنظومةُ كافةَ أدواتها في أكثرَ منْ اتجاهٍ تارةّ بتشويهِ صورةِ البدائلِ والحلول التي قدمها الجنوبيونَ، و تارة بمحاولةِ إفراغِ الحراكِ السلميِ منْ داخلهِ، مستفيدينَ منْ وجودِ بعضِ قياداتِ الاشتراكيِ اليمنيةِ والمتيمننينْ، بهدفَ تشتيتِ أهدافهِ.

لم تفقد منظومة صنعاءَ الوسائلَ اللازمةَ لمحاولةِ القضاءِ على الحراكِ السلميِ الجنوبيِ، فاستخدمت الترغيب بالمال والهدايا الوظيفية والترهيب بممارسة العنف والقتل للمتظاهرين السلميين، والاغتيالات للشخصيات الجنوبية بأوامر أركان السلطةِ الذين استشعروا الخطر على نفوذهمْ ومكاسبهمْ، بكلِ وسائل امتلكوها منْ مالِ وإعلامِ، لكنَ صنعاءَ افتقدتْ إلى ما هوَ أهمُ منْ كلِ هذا وهوَ فهمُ حقيقةِ وواقعِ الجنوبيينَ، وهوَ ما جعلَ منظومةَ صنعاءَ تخسرُ أمامَ ثباتِ شبابِ وشيبةِ الحراكِ الجنوبيِ، وكشفَ عنْ حجمِ القوةِ الشعبية التي اكتسبتها ثورة الجنوبيينَ.

ثمَ جاءَ الانقلابُ الحوثي في إطارِ منظومةِ صنعاءَ ليهيمنَ الفرعُ الدينيُ منْ الزيديةِ السياسيةِ عليها، ويتخلص منْ الزيديةِ القبيلةِ ليظهرَ في الواجهةِ أقذرَ ما تحتويه هذهِ المنظومةِ منْ قيمٍ متخلفةٍ منْ الكهنوتيةِ إلى العنصريةِ السلاليةِ، في الوقتِ الذي تصلبَ عودُ الثورةِ الجنوبيةِ وتحولتْ إلى المقاومةِ المسلحةِ في مواجهة الغزو الثاني للتحالفِ الحوثعفاشي، دفاعًا عنْ حقهمْ الوطنيِ في النضالِ منْ أجلِ إقامةِ دولةِ القانونِ في الجنوبِ.

نعمْ كنا وما زلنا على حقٍ، انتقاليينَ وحراكيينْ، عندما منحنا المجلس الانتقالي الجنوبي مشروعيةً شعبيةً يستحقها في مايو 2017م، وفقًا للمشروعِ السياسي المتفقِ عليهِ في وثائقهِ الأساسيةِ، ولأنَ الجنوبيينَ مستعدونَ لمواصلةِ الثقةِ بالمجلسِ الانتقاليِ، لكنْ معَ إعادةِ بناءِ مؤسساتهِ على أساسِ رؤيةٍ واضحةٍ وخارطةٍ طريق لا يحيدُ عنها، مع إعادة صياغةِ العلاقةِ معَ الأطرافِ اليمنيةِ في الشرعيةِ، وعلى رأسها مجلس القيادةِ الرئاسيِ والحكومة.

فمنْ غيرِ المقبولِ بعد تجربةِ أربعِ سنواتٍ منْ فشلِ الشراكةِ معَ شرعيةٍ مهترئةٍ على كلِ المستوياتِ، أنْ يبقى الانتقاليُ شاهد زورٍ في حكومةٍ وفي مجلسِ رئاسةٍ، يبحثُ عنْ منصبِ وزيرِ هنا أوْ هناكَ، على حسابِ قضيةِ شعبِ الجنوبِ مهما كانتْ الظروفُ أوْ حتى الضغوطِ الإقليميةِ والدوليةِ، إن وجدتْ، ومنْ غيرِ المقبولِ شعبيًا أنْ يعطى لرشادِ العليمي وبقيةُ اليمنيينَ في المجلسِ كلَ هذا النفوذِ، وهمْ لا يتجرأونَ على زيارةِ قراهمْ التي يعبثُ بها الحوثي.

لقدْ أصبحتْ الخياراتُ أمامَ الانتقاليِ محدودةً فإما أنْ يفض هذهِ الشراكةِ التي بنيتْ على قسمةٍ ضيزى، أوْ أنْ يضعَ الشركاء اليمنيينَ في حجمهمْ الحقيقيِ، وهوَ أنهمْ مجردُ لاجئينَ، أما بقاءُ الوضعِ على ما هوَ عليهِ، فإنهُ يهددُ مستقبلنا جميعًا في الجنوبِ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى