سباق الغلاء بين الكتاب والغذاء

> تجولت عصر اليوم في معرض الكتاب بسيئون الذي يضم 15 ألف كتاب كما يقول المنظمون (كتاب) وليس (عنوان) ففي كل الأجنحة تتوقف متصفحًا العناوين لكن لا تتوقف في اقتناء بالشراء كتابًا للأسعار المرتفعة، وهي حالة عامة أو قل ظاهرة، فالكتاب كما هو غذاء العقل والنفس فإنه في هذا الزمان (يكابر) ويقاسم المواد الغذائية (الأكل) جهة الغلاء، بين الكتب وقدماي كرياضة، ولأن موقع المعرض للرياضة والشباب تريضت ذهنيًا. لعل أكبر جناح لمعروضات الكتب هو دار الإيمان. كل الأجنحة تعود لمكتبات ودور النشر، عدد لا يذكر مع هذا فإن هذه التجربة سوف تُنقح في الأعوام القادمة.

قبل أن أدلف باب المعرض مع ابني عبدالله، قابلني زميل من أيام الدراسة الإعدادية، وهو ممن يحبون المطالعة والقراءة بعمق وليس متصفحًا أو مقلبًا لأوراق الكتب مبتسمًا أنهى جولته مغادرًا خالي الوفاض، فعرفت معنى ومغزى الابتسامة، رد عليّ لم استطع شراء كتاب يا صديقي، فورقة احتياجات الأسرة لشهر رمضان منعتني من شراء حتى ورقة، فإن أغفلت وجئت بكتاب ونسيت بعض الحاجات فالنتيجة معروفة. فكان انطباعي الأول ولكن لابأس سأرى بعيني على الأقل (باشوف ما بشل شيء في ثباني) في الداخل قابلت شابين ودودين من القائمين على المعرض إداريًا فهد باحسين وعبدالعزيز بن مهري، واستمعت منهما لشرح وافٍ عن ذلك فذهبت أولًا لجناح سهام الشرق وخطوت نحوها فامتدت يدي للكتاب - الاسلامو فوفبيا على موائد العنصرية- للمؤلف أ. د فريد حافظ، أستاذ العلوم السياسية والاجتماعية بجامعة سالزبورج بالنمسا (نمساوي من أصول عربية إسلامية) ثم لجناح الأطفال ولكن الأسعار نار، وللعلم فإن جيلنا أحب القراءة من المدرسة، ولكنني اشتريت لأحفادي بدل الكتاب ( لعبة ذهنية) تعتمد على إعادة التركيب ورسم المشهد، فهم قد يفهمون أنني جلبت لهم لعبة تسلية، لأنهم لا يعرفون أن حالة البلاد مركبة معقدة. عمومًا تجولت واقتنيت كتاب أطلس تاريخ العالم القديم والمعاصر، هنا توقفت بعد أن نبهني ابني عبدالله، بهدوء، تجاوزت الميزانية قائلًا وهو ممسك حاجات رمضان، كما قال لي زميلي عند عتبة المعرض، لكنني واصلت مشاهدًا فالعين بصيرة والجيب خالٍ..

عمومًا يظل الكتاب مهما تصاعدت قيمته النقدية إلا أنه خير جليس، إن كانت مادته المكتوبة دسمة معرفيًا وأدبيًا، فقراءة كتاب ممسكًا بغلافيه ليس كقراءة ذات الكتاب في موقع تواصل، فالورق والحروف تخلق علاقة ومن (النت) غير، فعصرنا وجيلنا نشأ على الورق وعلى الواقع وكل أعضاء الجسم، وأولها العينان واليدان والعقل، خلقت حالة من العلاقة المقروءة، بخلاف عصر الواقع الافتراضي، ولكل عصر طريقته وأسلوبه، ومع ذلك النت والكتاب يتسابقان، والأخير يحاول الاتكاء على قانون البقاء، فليس فلسفيًا إن جاز التعبير، نشرت منشورًا قصيرًا بالواتس، انطباعًا أوليًا، فعلّق زميل دكتور ممن يخوضون في أعماق الكتب، ويستند عليها كمراجع، فهو مؤلف، كتب ساخرًا وبتهكم (لو كان معرضًا للتمر! رمضان قريب لو عرضت الجمعيات الخيرية سللها ووزعتها للناس أفضل، مع احترامي لصديقي وأخي الكتاب!!)

هكذا قال لي ثم إذا به يتصل هاتفيًا، ألا تذكر معارض مؤسسة 14 أكتوبر، تعرض كتبًا مدعومة بعيدًا عن الكتب النظرية الشرقية كانت تزدخر وتمتلئ بالكتب المصرية، قصصًا وروايات وتاريخ، فتذكرت أنني أشتري من معرض سيئون قصصًا ليوسف إدريس بـ 200 فلس، ورواية لنجيب محفوظ 500 فلس، أو بدينار، ونحن طلبة!

على أي حال فإن المعرض القائم الذي يستمر إلى ما قبل يوم من رمضان سوف يوزع استبيانًا، حتى يتدارك في السنوات القادمة طلبات القراء من الجميع، طلبة وجامعيين، وأدباء، وباحثين، خاصة وأن العزوف عن القراءة بدأ مؤشره يرتفع منذ أعوام.

جاء المعرض في توقيت غير مناسب فقط إلا أنه حرّك وأوجد ثغرة في البحر أو البركة الثقافية المتجمدة، فلنتدارك وندرس الاضمحلال في الثقافة بمختلف صنوفها قبل أن تصبح نتاجاتها مجرد استهلاك ومواد أي (كلام) وحتى لاتصل كما يرغب أعداء الفكر والتنوير والاطلاع تحويلها من ثقافة إلى (سخافة). ويشكر كل من ساهم رعاة أو ملاك المكتبات، أن يحضروا ما لديهم إلى سيئون والوادي عمومًا، ورمضان كريم مقدمًا وتحياتي للجميع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى