إلغاء أحكام الإعدام بحق سلاطين وأمراء ووزراء الجنوب العربي ورد الاعتبار لهم

> مع انضمام عدن أوائل ستينات القرن الماضي أصبح"اتحاد الجنوب العربي" أمرًا واقعًا وحقيقيًا كـ "أول اتحاد فيدرالي عربي".

اتحاد ضم وجمع نحو عشرين سلطنة وإمارة ومشيخة بالإضافة إلى مستعمرة عدن، ويعتبر "حكامها" المؤسسيين الأساسيين لهذا الاتحاد المتميز والنادر الذي لا يضاهيه في زماننا العربي الراهن إلا "اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة".

أما بالنسبة للشكل والهيكل السياسي في الحكم والإدارة فكان هناك " المجلس الاتحادي" والذي كانت السلطة السياسية الأولى والمطلقة والذي تكون من الـ "حكام" المؤسسين لـ "الاتحاد".. وكانت "رئاسة المجلس الاتحادي" تتم بالتناوب شهريًا بين أعضائه، الكل سواسية بغض النظر عن حجم المساحة الجغرافية للسلطنة، الإمارة، المشيخة أو مستعمرة عدن (والتي مثلت بوزيرين عدنيين) أو الكثافة السكانية، عدن كانت الأغنى من حيث الموارد المالية والأكبر والأوسع اقتصاديًا.

ولكن وبرغم تأسس هذا الصرح السياسي الجنوبي الشامخ والاستثنائي، فإن الموارد المالية والنقدية المتواضعة (حينها) لم تكن تغطي المتطلبات الاقتصادية والتمويلية السيادية المختلفة للاتحاد. فكان الدعم المالي البريطاني المباشر هو الآلية التي تولت تغطية هذه العجوزات المالية للاتحاد والتي تزايدت أحجامها سنة عن سنة منذ بدء تأسيس الاتحاد.

وكان هذا الدعم المالي المباشر المكلف للاتحاد، جنبًا إلى جنب والتكاليف المالية والاقتصادية الباهظة للقاعدة العسكرية لبريطانيا المتواجدة في عدن، قد شكلا معًا "عبئًا اقتصاديًا وماليًا" ضخمًا على الخزانة البريطانية، والذي ظهر جليًا في منتصف ستينات القرن العشرين، تزامنًا مع حالة الركود الاقتصادي الذي أصاب بريطانيا العظمى.

وفي العام 1966م وفي خضم معارك التحرير ضد للمستعمر من قبل الجبهة القومية (NLF) وجبهة التحرير (FLOSY)، عقد "مؤتمر لندن" بحضور ممثلين عن حكومة الجنوب العربي والحكومة البريطانية (حزب المحافظين) وفيه حدد "ديسمبر للعام 1968م موعد لاستقلال الجنوب العربي"؛ مع وعود بمساعدات اقتصادية ومالية للجنوب العربي لفترة زمنية بعد الاستقلال(القصة معروفة).

في هذه الأثناء وبدعم من التواجد المصري في شمال اليمن وسعت حركات التحرير الوطنية المتمثلة أساسًا في الجبهة القومية (NLF) وجبهة تحرير الجنوب (FLOSY) من الأعمال العسكرية ضد المحتل البريطاني.

وفي العام 1966م فاز حزب العمال بالانتخابات البريطانية، والذي وضع في حملاته الانتخابية تنفيذ سياسات اقتصادية تقشفية صارمة للخروج من الانكماش الاقتصادي، وكانت أولويات هذه السياسات الاستغناء/ تقليص أحجام بعض القواعد العسكرية فيما وراء البحار، وعلى رأسها القاعدة البريطانية في عدن، الأكبر في المنطقة.

ومع بدايات العام 1967م بدا واضحًا"ضعف" حكام حكومة الاتحاد في مناطق حكمهم/ سيطرتهم بعدما نجحت الجبهة القومية (NLF) في اكتساح كل المناطق الريفية، وتحييد جيش الاتحاد النظامي لصالحها، ولتنتقل ولتبدأ بعدها حرب شوارع في عدن بينها وبين منافستها جبهة التحرير (FLOSY) انتهت بانتصار الأولى، وإحكام قبضتها على عدن (القصة معروفة).

وأمام هذا الواقع الجديد أنذرت الحكومة البريطانية جميع أعضاء مجلس اتحاد الجنوب العربي بوجوب مغادرة البلاد مع عائلاتهم، وأنها لن تضمن سلامتهم (لأكثر من أسبوع زمان)!

واختارت الغالبية العظمي منهم الاستقرار كـ"لاجئين سياسيين" في المملكة العربية السعودية والتي استقبلتهم بكل ترحاب (ومخوة) ومودة.

وعليه، تفاوضت الحكومة البريطانية مع "القوة الوحيدة على أرض الجنوب" الجبهة القومية.. وفي 30 نوفمبر 1967م نال الجنوب استقلاله وأطلق على الدولة الجديدة "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ". وبعد مدة زمنية وجيزة تأسست في هذه الدولة الوليدة "محكمة أمن الدولة" والتي كان أول أحكامها" إنزال عقوبة الإعدام وعقوبات سجن متفاوتة المدد" على جميع أعضاء مجلس اتحاد الجنوب العربي، والذين ومن ذاك الحين أتاهم جميعهم "يقينهم" واحدًا تلو الآخر، إلى جوار ربهم بسلام وأمان ورضى واطمئنان.

والآن وبعد نحو سبعة عقود استهل المجلس الانتقالي الجنوبي وعده "باستعادة دولة الجنوب تحت مسمى الجنوب العربي".

إن إلغاء أحكام الإعدام والسجن لن يعيدهم أحياءً/ أحرارًا (استغفر الله)، ولكن سيكون له جوانب تاريخية معنوية إيجابية عميقة ومتجذرة، على رأسها إثبات "براءة" ما نسب إلى هؤلاء "الحكام المتميزين" من أكاذيب وشعارات ثورية فارغة منها "عمالتهم للمستعمر المحتل والإمبريالية العالمية والرجعية العربية.. كانوا حكامًا وضعوا غايتهم الأسمى رفع مستوى معيشة ورخاء مواطنيهم. لا بد أن نجعل جيل 1967م وما بعده والجيل الصاعد أن يدرك أن ما قيل عن هؤلاء الحكام المتواضعين كان محض تزوير للحقيقة وافتراءً وباطلًا في أساسه..

الخلاصة: ألا يستحق مؤسسو الجنوب العربي الأساسيون (وهم في دار الخلد) منا الوفاء والإخلاص والعرفان والجميل على ما قدموه للجنوب وشعبه؟

إضافة، أن علينا العمل الجاد والمخلص على رد حقوقهم ومصالحهم المادية، من أملاك وأصول وخلافه والتي اغتصبت بهتانًا وعدوانًا وبدون أدنى حق.

كما يجب أيضًا أن لا ننسى أو نستثني أبناء وأحفاد المؤسسين، ونشركهم في الهيكل العام الجنوبي السياسي أو خلافه حاضرًا ومستقبلًا، مع العلم أن هناك من هم خريجو جامعات غربية وعربية وإقليمية ويتمتعون بخبرات في مجالات وتخصصات عديدة ومختلفة.

رحمة الله وغفرانه تنزل على أرواح المؤسسيين الأوائل للجنوب العربي.. آمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى